مستمعينا الأفاضل في كلّ مكان !
تحيّاتنا القلبيّة ، وأطيب أمانينا نبعثها إليكم ونحن نجدّد اللقاء بحضراتكم عند محطة أخري من برنامج الفيمينيّة تحت المجهر والتي سنتواصل فيها معكم عبر استعراض نظرة الإسلام إلي دور الرجل كأب في الأسرة ومقارنتها بوجهة النظر الفيمينيّة ، تابعونـــا ....
أعزّتنا المستمعين !
سنتناول في هذه الحلقة من البرنامج واجبات الأب ومسؤوليّاته في الأسرة وخاصة من وجهة نظر الدين الإسلامي ، مع توجيه النقد إلي الفيمينيّة بخصوص وجهات نظرها ومواقفها العمليّة في هذا المجال ، حيث تطرّقنا في الحلقة الماضية إلي إحدي نتائج وجهات النظر الفيمينيّة بشأن موضوع إضعاف دور الأب و انحسار مسؤوليّته إزاء الأسرة ، وذكرنا أنّ الرجال يحملون علي عاتقهم مسؤوليّة رعاية الأسرة والإشراف عليها وخاصة علي تعليم الطفل وتربيته حيث إن هذه المسؤوليّات تتجاهلها وجهات النظر الفيمينيّة .
إنّ المذهب الفيميني يتجاهل وفقاً لوجهات نظره واحدةً من أهم مسؤوليّات الرجال وهي أداء دور الأبوّة وتولّي مسؤوليّة تربية الأولاد . ومن البديهي أنّ دور الأب في الأسرة يمثّل مسؤوليّة خطيرة ويستلزم النجاح فيها الوعي والتضحية والأخلاق والعقيدة .
وفضلاً عن ذلك فإنّ الأب يؤمّن احتياجات الأسرة في نظر الطفل . فالأب يوفّر كلّ ما تحتاج إليه الأسرة . وكلّما تقدّم الطفل في العمر ازداد إيمانه واعتقاده بقدرة الأب علي ذلك وضمانه له بحيث إنه يعتبر الأم في سنوات حداثته مصدر الحب والحنان والأب المؤمِّن للحياة .
ويري علماء النفس أنّ الأب هو الضامن للأمن . فإن تعرّض الطفل لخطر ما فإنه يلوذ بالأم في طفولته ولكنه يلوذ بأبيه منذ السنة الرابعة من عمره فصاعداً ويعتبره ملاذه وملجأه . ومن جهة أخري فإن الأب هو مركز المعرفة والفكر . ويعتقد الطفل أن أباه عالم بكل الأصول والقواعد . وحتي الأطفال الذين ينظرون إلي آبائهم نظرة سلبيّة فإنهم يتعصّبون لآبائهم ويُشيدون بعقولهم وفكرهم .
إخوتنا ، أخواتنا المستمعين والمستمعات !
إن الأب الصالح يقع علي عاتقه الكثير من المسؤوليّات . ومن هذه المسؤوليّات ، مسؤوليّةُ تربية الأولاد إلي جانب الأم . ومن البديهي أنّ محيط الأسرة يعتبر بيئة مناسبة لنمو الأولاد وتكاملهم ، بشرط أن يؤدّي الوالدان دورهما الحقيقي علي أحسن وجه . والتربية هي أهم حقوق الطفل علي صعيد الحياة . وللأب مسؤوليّة مباشرة فيما يتعلّق بتربية الطفل . حيث يجب أن يربّي الطفل بشكل بحيث يتزيّن بالأخلاق والسلوك الإسلامي ويكون مفيداً للمجتمع في المستقبل .
وعلي الوالدين أن يبذلا ما باستطاعتهما من أجل تنمية أجسام أولادهم و تأمين حيويّتهم وسلامتهم النفسيّة وأن لا يدّخروا جهداً في هذا المجال . وفضلاً عن ذلك ، يتولّي الوالدان مسؤوليّة تنمية أذهان أولادهم و قدرتهم علي التخيّل . وعلي الوالدين أن يسعيا من خلال اتباع الأساليب الصحيحة لأن يوظّفا كلّ إمكانيّاتهما باتجاه رعاية ذكاء أولادهما ومواهبهم . كما تقع علي الوالدين مسؤوليّة تربية أرواح أطفالهما وأنفسهم وأن يعلّماهم القضايا المتعلّقة بالأفكار السامية والملكات والفضائل الأخلاقيّة في الإسلام مثل الإيثار والعدالة وغير ذلك .
ويري الدين الإسلامي أنّ الجهود التي يبذلها كلّ أب في قبال أسرته ، هي كواجبات الأم من واجباته الدينيّة والأخلاقيّة . وفي الحقيقة فإنّ الأطفال ضيوف جلسوا علي مائدة الأسرة بدعوة من الآباء والأمّهات ولذلك ، فإن الأب تقع علي عاتقه أكثر من أي شخص آخر مسؤوليّةُ العناية بهؤلاء الضيوف علي الوجه الأكمل . يقول النبي الأعظم (ص) :
" الكادّ علي عياله كالمجاهد في سبيل الله .
أعزّتنا المستمعين !
وللأطفال من الناحية الشرعيّة حقوق علي الأب وقد ورد التأكيد عليها في المصادر الدينية . فمن واجبات الأب أن يكون بمقدوره تأمين معاش الأسرة من الحلال فضلاً عن تعليم الأولاد الأخلاق والسلوك الحسن . لأن الرزق الحلال يترك أثراً كبيراً علي مصير الأولاد . يقول الإمام عليّ (ع) موصياً الآباء :
" وَلَا تُدْخِلُوا بُطُونَكُمْ لُعَقَ الْحَرَامِ فَإِنَّكُمْ بِعَيْنِ مَنْ حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَعْصِيَةَ وَسَهَّلَ لَكُمْ سُبُلَ الطَّاعَةِ .
ومن واجبات الأب الأخري ، مراقبة دين أولاده وإيمانه . يقول نبي الإسلام (ص) :
"كلكم راع و كلكم مسؤول عن رعيته، فالامام راع و هو المسؤول عن رعيته و الرّجل في اهله راع و هو مسؤول عن رعيته و المرأة في بيت زوجها راعية و هي مسؤولة عن رعيتها و الخادم في مال سيده راع و هو مسؤول عن رعيته و الرجل في مال ابيه راع و هو مسؤول عن رعيته .
إنّ الإسلام يولي قيمة واحتراماً خاصاً للآباء الذين يقومون بواجبهم علي أفضل وجه . وتبلغ هذه القيمة والاحترام حدّاً بحيث ذكر وجوبَ احترام الوالدين بعد أداء واجب العبادة والخضوع لله وطاعة أوامره .
وتعدّ التربية الدينيّة للأولاد من العوامل المهمّة لسعادة الأفراد والرادعة لهم من أسباب الخلاف و المفاسد . والوالدان هما النموذج الأول في تربية الأولاد . وإن آمن الوالدان بتطبيق الأحكام الإلهيّة فسوف يتركان أفضل التأثير . ومن الواضح أن الأب يتحمّل مسؤولية كبيرة في هذا المجال وأن غفلته و إهماله من شأنهما أن يتسببا في الكثير من المشاكل مستقبلاً . فإن كان الأب ملتزماً بالأحكام والتعاليم الدينية فإن الولد سيكون كذلك هو أيضاً لأن الأولاد يتخذون آبائهم وأمّهاتهم قدوة لهم .
مستمعينا الأطايب !
وليس هناك ما هو أفضل من التعليم العملي في سنوات الطفولة . فعلي الأب أن يعلّم الطفل من خلال سلوكه وعمله كيف يجب أن يكون وكيف عليه أن يتصرّف . وعلي سبيل المثال فإنّ من الواجب أن يعلّم أولاده منذ الطفولة كيف ينفقون . فقد جاء في الروايات أننا إذا أردنا أن ننفق فإن علينا أن نعطي مانريد إنفاقه بيد أطفالنا كي يقدّموه هم أنفسهم للفقير والمحتاج وأن نرسّخ مفهوم الإنفاق في أذهان أولادنا منذ طفولتهم .
ويجب أن نأخذ بعين الاعتبار في محيط الأسرة العطفَ علي الفقراء و إرادة الخير للآخرين والمشاركة في الأمور المتعلّقة بذلك وأن تنقل هذه السلوكيّات إليهم عن طريق الوالدين .
ولقد أظهرت الدراسات أنّ تأثيرات الوالدين كليهما تبقي في نفوس الأولاد وأن الأطفال بحاجة إلي الأب فضلاً عن الأم . ولذلك فإن انحسار دور الأب في تربية الأولاد مؤثّر إلي حدّ كبير . والسلسلة العاطفيّة للأسرة سوف تتحطّم علي أثر غياب الأب المتكرّر فتحدث أزمة الصراع بين الأجيال بسبب محدوديّة الحوار المناسب والمستمر بين الوالدين والأولاد . والآباء لايفهمون لغة الأبناء والأمهات لايدركن لغة الفتيات في أزمة الصراع بين الأجيال . وما كان ينتقل من جيل إلي جيل من الآباء إلي الأبناء ، بقي الآن حبيساً غير معلن وهذا الفراغ تملؤه اليوم وسائل الإعلام من مثل التلفزيون والقنوات الفضائيّة التي تمارس الآن تأثيراً تربوياً كبيراً علي الأولاد وها نحن نشهد نتيجتها اليوم في مجتمعاتنا . وما لم ندرك دور الوالدين ومسؤوليتهما وخاصة الأب فإننا سنشهد النقصان في العلاقات داخل الأسرة و ستعجز الأسرة عن أداء دورها التربوي الأصليّ .
مستمعينا الأحبّة !
سنواصل موضوع الأب ودوره التربوي في الحلقة المقبلة بإذن الله ، شكراً علي طيب المتابعة ، وفي أمان الله .