إخوتنا أخواتنا المستمعين والمستمعــات !
تحايانا الخالصة ، وأمنياتنا القلبيّة نبعثها إليكم في لقائنا هذا عبر جولة أخري في دنيا الفكر الفيميني وتبعاته في العالم الغربي ، حيث سنتواصل معكم في هذه الحلقة عند موضوع الأمومة ودور الرجل من وجهة نظر أنصار الفيمينيّة ، تابعونا ....
مستمعينا الأفاضل !
من المعلوم أن التربية الحقيقية تعني تنمية المواهب الذاتيّة للإنسان وتحويلها إلي واقع عمليّ باتجاه الكمالات التي اعتبرها الله الهدف من خلق الإنسان . ولذلك تعدّ الأم المربّي الأكبر للأولاد . وقد خلق الله تعالي المرأة وجعلها كائناً مفعماً بالعواطف والمحبّة و جعل في قلبها القدرة علي الصبر والتحمّل كي تؤدّي مسؤوليتها في تربية الأشخاص الصالحين علي أفضل وجه .
ولكن الحقيقة المرّة المتفاقمة في عالم الغرب اليوم ، ابتعادَ الأمّهات عن الأولاد وانشغالهنّ بالعمل خارج البيت . حيث تتمثّل مشكلة غالبية الأسر الغربيّة الراهنة في أن الغربيين نسوا أن الطفل بحاجة قبل كلّ شيء إلي الدعم والمحبّة لا الثروة والكماليّات . وللأسف فإن الأمّهات لايحملن اليوم من الأمومة سوي الاسم ومثل هؤلاء الأمّهات لايمكنهنّ تحقيق رسالتهنّ في المجتمع ؛ لأنهن لا يمتلكن الفرصة للقيام بهذه المهمّة . وأولاد مثل هؤلاء الأمهات يفتقرون إلي الراعي حقاً ويتعرّضون للمخاطر و المفاسد والانحرافات .
ويري الإمام الراحل (رض) أن أهميّة المرأة تكمن في دور الأمومة ؛ حيث يقول في هذا الصدد :
إن الأهميّة التي يوليها الإسلام للمرأة ، تفوق اهتمامه بالرجال ... فالنساء يربّين الرجال الشجعان في أحضانهنّ والقرآن الكريم يصنع الإنسان والنساء أيضاً يصنعن الإنسان . ويعتبر الإمام الراحل أن أهم مسؤوليات النساء هي تربية الأولاد و لايري فرقاً بين هذه المسؤولية وبين رسالة الأنبياء . فهو يقول في هذا المجال :
لقد جاء الأنبياء كي يصنعوا الإنسان ، والأنبياء مكلّفون بتحويل الأشخاص الذين هم بشر ولا فرق بينهم وبين الحيوان ، إلي أنسان ، وهذه هي مهمّة الأنبياء . ويجب أن تكون مهمّة الأمّهات كهذه المهمة بالنسبة إلي الأطفال الذين في أحضانهنّ وأن يزكّينّهم بأعمالهنّ وسلوكهنّ .
ويري الإمام (رض) أن عمل الأم أشرف الأعمال حيث يصرّح قائلاً :
إن هذه الأم التي ينشأ الطفل في حضنها ، تتحمّل أكبر المسؤوليّات و تؤدّي أشرف الأعمال ، فأشرف الأعمال في العالم تربية الطفل و تقديم الإنسان إلي المجتمع .
والطريفُ والبالغُ الأهميّة في هذا المجال ، رأيُ الإمام بشأن المرأة وتشبيهها بشيئين مقدّسين : الأوّل تشبيهها بالقرآن الكريم من حيث صنع الإنسان وتربيته ، والثاني تشبيه الأم بالأنبياء من حيث القدرة علي التربية والتزكية . بل إنه (رض) كان يري أنّ الرجل ليس بمقدوره تربية الأولاد فهذه المهمّة لايقوي علي أدائها كما ينبغي سوي المرأة ، لأن عاطفة المرأة أقوي والأسرة إنّما تقوم علي المحبّة والعاطفة .
أحبّتنا المستمعين !
وكما ان أنصار الفيمينيّة سعوا من أجل أن يحطّوا من دور المرأة الأم في الأسرة ، فقد حاولوا أيضاً أن يجعلوا القيم والمقاييس الرجوليّة لكل من الرجل والمرأة . وتكمن مشكلة الفيمينيين في أنهم حينما يدور الحديث حول حقوق المرأة ، فإنهم يعتبرون الرجل معياراً للإنسان ، ويقيسون حقوق المرأة بمعيار الرجولة و يطالبون بها للمرأة فيما إذا كانت تعاني من هضم هذه الحقوق . ممّا أدّي إلي حدوث التنافس بين المرأة والرجل في الأسرة والمجتمع ، وإذا بهذا التنافس يتحوّل إلي سباق بين المرأة والرجل لإثبات من هو الأقوي في الرجولة ! فالفكر الفيميني يسعي لأن يثبت من هو الجنس الذي يتفوّق علي الآخر في القيم الرجوليّة ، وأي منهما بإمكانه العمل والإنتاج أكثر ويتفوق علي الآخر في تكوين الثروة ويكون أكثر قدرة من الآخر من الناحية الاقتصاديّة ؛ ومن هو الأقوي في ساحة القتال ، ومن الذي يفتقر إلي العواطف و اللطافة و تذوّق الجمال ؟!
وهم يرون أنّ الشخص الذي يتمتع بنصيب أكبر من تلك المعايير ، هو أكثر إنسانيّة . فكلّما زاولت المرأة أعمال الرجل وتخلّقت بأخلاقهم ، فإنها ستقترب أكثر من القيم الإنسانيّة . وبالتالي فإنهم يتوصّلون إلي هذه النتيجة وهي أن الرجل هو السبب في كلّ ما تعانيه المرأة من التعاسة والشقاء . ولذلك فإنهم يرفضون الأنوثة من جهة والرجولة من جهة أخري .
وكلّ هذه الأمور أدّت إلي أن تخرج المرأة من حماية الرجل تدريجيّاً وأن يبقي الرجل محروماً من الألفة والأنس ليري بالتالي كلّ من الرجل والمرأة نفسيهما في مواجهة بعضهما البعض بدلاً من أن يكمل أحدهما الآخر . ولاشك في أن هذا التنافس تحوّل إلي مقارنة بين الرجل والمرأة ثم تسابقهما من أجل بلوغ معايير الرجولة . بمعني أن المرأة ستفوز إن هي كان بمقدورها التفوّق علي الرجل في الرجولة . وبالطبع فإن الفائز بينهما معلوم سلفاً وهو ما أدّي إلي أن تتبرّأ المرأة من أنوثتها و تصاب بالاضطراب والاختلال الروحي والنفسي وانعدام التوازن في النهاية .
أعزّتنا المستمعين !
لقد أصيبت المثل الاجتماعية والرجولة اليوم بالضعف بسبب إضعاف دور الأب في الأسرة الغربيّة . ولذلك يعتبر الخبراء فقدان هذه المثل من عوامل إضعاف مكانة الأبناء في الغرب والدور النموذجي للرجولة في المجتمع الأمريكي . ويري الدكتور ليونارد ساكس الطبيب العائلي والباحث وعالم النفس الأمريكي أن الأب الأمريكي تغيّر اليوم فهو لا يقوم بواجباته ومسؤولياته كما ينبغي . ومثل هذا الأب لا يترك تأثيراً إيجابياً علي ابنه اليافع . ولذلك فإن الفتي الغربي لا يحمل اليوم انطباعاً جيّداً عن جنس الرجال . فالفتيان يبحثون من أجل بناء شخصياتهم عن نماذج يمكنهم الاقتداء بها ؛ و لكن هذا النموذج ليس محسوساً اليوم في المجتمع الغربي .
ويذكّر هذا العالم النفسي الأمريكي بهذه الملاحظة في قوله :
تملأ معظم الثقافات الخالدة مرحلة الانتقال من الطفولة إلي الكِبَر بتعليم العادات والتقاليد الدينيّة ، ولكننا نحن الأمريكان نستهزيء ونحن في القرن الواحد والعشرين وننظر بتكبّر إلي هذه العادات والتقاليد . وقد أدّت غفلتنا الثقافية هذه عن مسار الانتقال من الطفولة إلي الرجولة إلي فقداننا للرجال المخلصين و العطوفين و المثابرين .
إخوتنا ، أخواتنا المستمعين والمستمعات !
انتظرونا حتي الحلقة المقبلة بإذن الله حيث سنستكمل الحديث حول الآثار السلبيّة الهدّامة التي تركتها النظرة الفيمينية إلي الرجل ودوره في الأسرة في المجتمعات الغربيّة ، شكراً علي طيب المتابعة وإلي الملتقي .