أحبّتنا المستمعين الأفاضل !
تحيّة خالصة من القلب نبعثها لحضراتكم ونحن ناتقيكم مرّة أخري في هذه الحلقة من برنامج الفيمينيّة تحت المجهر والتي سنتناول فيها إحدي نتائج المعتقدات الفيمينيّة وهي الحطّ من دور الأم ، كما سنتطرق إلي مكانتها في الإسلام ، حيث أشرنا في الحلقة الماضية إلي التبعات السلبية لظاهرة إجهاض الجنين علي روح المرأة وجسمها كما قمنا بمقارنة وجهة النظر الفيمينيّة مع النظرة الإسلاميّة . وذكرنا أنّ الإسلام يري أن الجنين يعتبر إنساناً كبقيّة البشر منذ اللحظة الأولي التي يهب الله فيها الحياة له . ويتمتّع بحق الحياة . ولذلك فإن الأطبّاء وأولياء الجنين يعدّون مجرمين إن أقدموا علي إجهاضه من دون سبب قانوني . ولا يسمح بإجهاضه إلّا إذا هدّد استمرارُ الحمل حياةَ الأم وكان يؤدّي إلي إلحاق الضرر بها جسمياً أو روحيّاً ، أو ثبت من قبل الطبيب المتخصّص تشوّه الجنين أو مرضه .
ومن الجهود التي بذلها الفيمينيّون المتطرّفون من أجل التقليل من أهميّة الإنجاب ، الحط من شأن دور الأمومة . في حين أن الإسلام يري أن دور الأمومة الذي تضطلع به المرأة ، يمثّل أولويّة رئيسة وبالغة الأهميّة .
أعزّتنا المستمعين !
ممّا لا شكّ فيه أنّ الأسرة تمثّل أهم الأسس التي يرتكز عليها أي مجتمع . وبإمكان المرأة أن تكون محور ثبات الأسرة وقوّتها وسلامتها هي والمجتمع في النهاية . ولكنّ الغرب وصل اليوم إلي طريق مسدود فيما يتعلّق بقضيّة المرأة والأسرة والأمومة ، لأنه لايعير أهميّة لقيم المرأة الفطريّة من أجل أداء دور الأمومة . وما يحدث اليوم في العالم الغربي الراهن والذي سيؤدّي علي المدي البعيد إلي انهيار أساس الأسرة ، هو الحطّ من قيمة دور الأم باعتبارها المربّية للأجيال والمجتمع . فعندما يتمّ التقليل من قيمة مؤسسة الأسرة ، فإن ممّا لاشكّ فيه أنّ علامات الاستفهام ستوضع علي الأدوار التقليديّة للأسرة ولا فرق في ذلك بين دور الأب أو الأم .
إنّ الفيمينيين المتطرّفين يعتبرون النشاط في المجالات والمرافق العامة أهم عامل اكتساب المرأة لهويّتها . في حين أن نشاط المرأة الاجتماعي لايتنافي من وجهة نظر الإسلام مع دورها كأم . يقول سماحة قائد الثورة الإسلاميّة في هذا الصدد :
لقد كرّم الإسلام المرأة بالمعني الحقيقي . وهو إن أكّد علي دور الأم وحرمتها في داخل الأسرة ، أو شدّد علي دور المرأة وتأثيرها وحقوقها وواجباتها ومسؤوليّاتها ، ،فإن هذا لايعني أبداً أنّ يمنع المرأة من المشاركة في القضايا الاجتماعية أوالتدخّل في النشاطات العامّة ، لقد استنتج البعض استنتاجات خاطئة ومنحرفة في هذا المجال .
أحبّتنا المستمعين !
ويدّعي بعض الفيمينيين أنّ اختلاف الأدوار والمسؤوليّات التي حدّدت للنساء في الأسرة في قالب الأم ، تمّ تثبيتها والترويج لها بهدف إضعاف المرأة وانقيادها . وكانت ماري وولستون كرافت (Mary Wolsstonecraft) إحدي رائدات الحركة الفيمينية في فرنسا تعتبر التقييد في البيت والحرمان من الحريّات والفرص الاجتماعيّة العامل الرئيس للنظرة الدونيّة إلي النساء وكانت تري أن النساء سيكون بمقدورهنّ التفكير والعمل العقلاني أسوة بالرجال شريطة القضاء علي مظاهر الحرمان تلك .
لقد تجاهلت كرافت وأمثالها الحاجات والغرائز الفطرية للمرأة . في حين أنّ مزاولة دور الأمومة لايشكّل مانعاً أمام حريّة المرأة . بل إننا نشهد أن الأشخاص العظام تخرّجوا من أحضان أمّهاتهم وهو مسلّحون بالوعي والإدراك والشعور بالمسؤولية والوعي بدورهم المؤثّر . كتبت الطبيبة الأمريكيّة جيسيكا أندرسون قائلة :
تتمثّل المسؤوليّة الرئيسة للمرأة في تربية الأولاد . ولكن ثقافة الغرب الاستهلاكيّة بنت أفكارها علي عمل المرأة خارج البيت واعتبرت أداء دور الأمومة أمراً ثانوياً . وقد أدّي استمرار هذا الاتجاه إلي ضغوط روحية ونفسية متزايدة علي النساء والأمّهات الغربيّات . وفي إطار الحط من قيمة الأمومة ، عمد بعض الفيمينيين المتطرّفين إلي ذم دور المرأة الأم واعتبروه السبب في احتقار المرأة وظلمها . وتصرّح الفيمينية المتطرّفة شولاميث فايرستون قائلة إنّالأمومة يجب أن تلغي من الثقافة البشريّة . وتري أن إرضاع الطفل صناعياً و إيكال مهمة رعايته إلي دور الحضانة من شأنه أن ينهي الحاجة إلي الأمومة الطبيعيّة . وتبلغ الاتجاهات المتطرّفة للفيمينيّة حدّاً بحيث إنّ عالمة الاجتماع البريطانيّة آن أوكلي (Ann Oakley) ، تري أن الطريق الوحيد لحصول النساء علي حريتهنّ هو إلغاء دور الأمومة و تفكيك مؤسسة الأسرة .
إخوتنا ، أخواتنا المستمعين والمستمعات !
ويري الإسلام أنّ دور الأمومة يمثّل وجهة مهمة من حياة المرأة . وقد سعي هذا الدين الحنيف من خلال التأكيد علي الجوانب المعنويّة من الأمومة لأن تتعزّز السلامة النفسيّة والشعور بالرضي والأمل لدي المرأة . ولذلك يعتبر تماسك كل مجتمع وسعادته رهناً بالتربية الأسريّة للأفراد وهو ما تتولّاه المرأة بشكل رئيس . وفي عالم اليوم حيث ابتعدت الأم عن أولادها بسبب مسؤوليّاتها خارج البيت ، اتضحت هذه الحقيقة وهي عدم وجود أي بديل لحضن الأم . فليس بإمكان أي دار للحضانة مجهّز أن تعوّض عن أحاسيس الأم ومشاعرها وعواطفها وإشاعتها للأمل وما إلي ذلك من خصوصيّات نفسية وعاطفية تتميّز بها الأم .
يقول الدكتور هنري ماكو (Henry Makow) المتخصص في أوضاع النساء في أمريكا ، فيما يتعلّق بتأثير الفيمينيّة علي النساء والأسرة في الغرب وكذلك الاختلاف بين المرأة المسلمة وغير المسلمة الأمريكية :
إن محور المرأة المسلمة أسرتُها ، أي العش الذي يولد فيه أولادها وينشؤون . وهي التي تبني هذا العش وهي العمود الذي ترتكز عليه الحياة المعنوية للأسرة . وهي الراعي للأولاد والمربّية لهم والداعم والملاذ لزوجها . ، ثم يضيف قائلاً : هذا في حين أن القيمة الثقافية للمرأة تقاس في أمريكا بجاذبيتها الجنسيّة ونتيجة مثل هذا التقييم ظهور امرأة مضطربة وعدوانية ومعقّدة ولا تستحق بالتالي الزواجَ أو الأمومة . .
ومن الاستخدامات الرئيسة للأمومة ، تربيةُ الأولاد . وتعني تربية الأولاد في الدين الإسلامي إحياء فطرة الله في ذات الإنسان وتربية جوانبه الوجوديّة باتجاه الحركة نحو الكمال اللانهائي . يقول الإمام علي عليه السلام : " إنَّما قَلبُ الحَدَثِ كَالأرضِ الخالِيَةِ مَهما أُلقِيَ فيها مِن كُلِّ شَيءٍ قَبِلَتهُ ، والولد أمانة من جانب الله بيد الوالدين حيث يجب عليهما إعادتها إلي صاحبها كما ينبغي من خلال التربية الصحيحة .
والتربية الصحيحة تعدّ من أهم الحاجات البشريّة ومن ضروريّات حياة الإنسان . والشخص الذي لا يتلقّي تربية صحيحة وسليمة لا يهدرعمره وحسب بل سوف يلحق ضرراً كبيراً بالمجتمع من الناحية الاجتماعيّة .
مستمعينا الأعزّة !
نلقاكم في الحلقة المقبلة من برنامجكم الفيمينية تحت المجهر ، شكراً علي حسن الإصغاء والمتابعة ، وفي أمان الله.