إخوتنا ، أخواتنا المستمعين الأفاضل في كلّ مكان !
ها نحن ذا نجدّد اللقاء بكم عبر محطّة أخري من جولاتنا في عالم الفكر الفيمينيّ وتبعاته وآثاره السلبيّة التي تمخّض عنها في المجتمعات الغربيّة ، حيث سنخصّص حلقة هذا الأسبوع لبحث حالة المشاعر العدوانيّة التي أثارها هذا الفكر في نفوس النساء في الغرب تجاه الرجال و التبعات التي تمخّضت عنها هذه الحالة علي صعيد المجتمع والأسرة ، ندعوكم لمتابعتنا ...
مستمعينا الأكارم !
لاشكّ في أنّ النتيجة الأكيدة لخلق حالة معاداة الرجل من قبل المرأة والتي سبق وأن أشرنا إليها في الحلقات الماضية ، ستنعكس بشكل مباشر علي الأسرة وتقاليدها العريقة . وتري الفيلسوفة الأمريكيّة مارتا نوسبام (Marta Nussbaum) في حديث متطرّف أنّ الأسرة هي العامل الرئيس لتعاسة النساء والفتيات والتفريق بينهنّ وبين الرجال ، وتصرّح في هذا المجال قائلة :
علي النساء أن يتحرّرن من العلاقات الأسريّة من أجل بلوغ استقلالهنّ الفكري والشخصي .
ومن التبعات المأساويّة لشيوع الأفكار الفيمينيّة المتطرّفة ، التهرّب من الأسرة في عالم اليوم . فالأسرة التقليديّة تقف اليوم علي حافّة هاوية الانقراض والاضمحلال . وقد أظهرت الكثير من الدراسات الاجتماعيّة أنّ النظرة في الغرب اليوم إلي الزواج باعتباره طريقاً للحياة المشتركة أصبحت أكثر فتوراً حيث ظهرت أشكال جديدة لما يسمّي بالحياة المشتركة ممّا خلق أزمات أخري أمام المجتمعات الغربيّة . في حين أنّ الزواج يعتبر من بين المعايير المهمّة لبناء الأسرة أو انهيارها في كلّ مجتمع لأسباب تجمع بين كونها تاريخيّة واجتماعيّة وكذلك من حيث الرقابـة الاجتماعيّة .
والأسلام باعتباره مدرسة دينيّة إلهيّة كاملة و شاملة لا يقرّ بأهميّة الزواج وحسب بل يضفي عليه قيمة كبيرة للغاية بحيث يري إنّ كلّ من يتزوّج علي أساس تعاليم هذا الدين الإلهيّ يكون قد أكمل نصف دينه . ويري الإسلام أنّ علي الإنسان أن يتزوّج من أجل أن يحيا حياة يسودها الاستقرار والاطمئنان و يسير نحو الكمال . يقول تعالي في سورة الروم الآية ۲۱ : " وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ، و الحاجة الأهم التي يتمّ تأمينها علي أثر الزواج، هي الحاجة إلي الاستقرار والشعور بالأمن والاطمئنان . وبذلك يري الإسلام أنّ علي الإنسان أن يتزوّج بهدف أن يستقرّ ويكون بإمكانه إشباع حاجته الفطريّة . وإلّا فإنّ هذه الغزيرة ستعبّر عن نفسها بشكل عنيف للغاية بأشكال أخري أكثر خطورة .
أحبّتنا المستمعين !
ومن البديهيّ أنّ الزواج هو طريق يكمل من خلاله الرجل والمرأة شخصيّتهما. فلايوجد إنسان يستمدّ الكمال من نفسه وهو يسعي دوماً من أجل إكمال نقصه . والشابّ يتّجه نحو الزواج لتحقيق استقلاله الفكري و التعويض عن نواقصه وتأمين احتياجاته وهو يهيّء عوامل نموّه وتكامله من خلال اختياره للشريك المناسب والصالح .
يقول الأستاذ الشهيد مطهّري في هذا المجال :
يمثّل الزواج أولي مراحل الخروج من الذات الطبيعيّة الفردية و تطوّر شخصيّة الإنسان . والنضج الذي يتحصّل علي ضوء الزواج وتشكيل الأسرة ، لايمكن تحقيقه في أيّ موضع آخر ، ويقتصر الحصول عليه في إطار الزواج وتشكيل الأسرة .
وبناء علي ذلك ، يمكن اعتبار الزواج العامل الرئيس لنموّ الإنسان وبلوغه للكمال . ومن جهة أخري ، فإن من النتائج الكبيرة للزواج وجودُ الأولاد وبقاء النسل البشريّ ؛ فليس من الصحيح تجاهل الحفاظ علي نسل الإنسان أو التقليل من أهميّته . لأنّ الهدف من خلق العالم تربيةُ الإنسان وتكامله . وتربية الأفراد البارّين والصالحين هي غاية خالق العالم سبحانه وتعالي . ووجود الولد الصالح للوالدين هو عمل صالح من وجهة نظر الإسلام و يترك تأثيره في تحقيق السعادة في الدنيا والآخرة . ولذلك ، اعتبر الأئمّة المعصومون (ع) عمليّة الحفاظ علي الجنس البشريّ من أهداف الزواج .
ولذلك يبدو أنّ أنصار الفيمينيّة يعملون من خلال معارضة الزواج وتشكيل الأسرة ، علي حرمان الإنسان من الإشباع الطبيعي لحاجاته وبلوغ الاستقرار والأمن كما يحرمون المجتمع من إيجاد ذرّية سويّة و صالحة .
إخوتنا ، أخواتنا المستمعين والمستمعات !
لاشك أن من بين أبرز الأسس والمسؤوليّات في الأدبيّات الفيمينيّة ، المعارضةَ الدائمة للرجال . ذلك لأن الفيمينيّين يعتبرون المرأة والرجل كائنين متناقضين وغير متكافئين حيث تتناقض مصالحهما . ويعتبر الفيمينيّون الرجال الأعداء الألدّاء و السبب الرئيس في الحطّ من شأن النساء حيث استحوذوا من خلال استغلال النساء في مؤسّسة الأسرة علي الامتيازات الاجتماعيّة . ولذلك يرون أنّ علي النساء أن يبحثن عن طريق بعيد ومنفصل عنهم من أجل تحررهنّ من سلطة الرجال . كما يعتقد أنصار الفيمينيّة أنّ علي النساء الابتعاد عن نفوذهم كي ينلن حريتهنّ ، ذلك لأنّ المؤسّسات الاجتماعيّة ظهرت علي أساس المحافظة علي مصالح الذكور .
ويري الفيمينيّون الراديكاليّون أنّ للنساء مصالح مشتركة ، لأنهنّ يتعرّضن كلّهنّ للظلم من قبل الرجال وبناء علي ذلك ، فإنّ النساء يشكّلن طبقة تتضادّ وتتناقض مع طبقة الرجال . ولذلك فقد طرحوا مطالب مستحيلة وأشبه ما تكون بالأحلام ومنها أن تعيش النساء في مجتمع أو جزيرة منعزلة عن الرجال !
وقد اقترح بعض من الفيمينييّن الراديكاليين أساليب قد تؤدّي من الناحية العمليّة إلي إشاعة العداء بين الجنسين ، وذلك استمراراً في السياسات التي ترفض الزواج وتشكيل الأسرة . وقد شجّعت الكاتبة الراديكالية الأمريكيّة ماري ديلي Mary daly أكثر الفيمينيين شهرة وتطرّفاً ، وبعضٌ من مؤيّديها النساءَ علي أن ينظرن بعين التقدير إلي الموهبة الأنثويّة الجديدة القائمة علي أساس الأخوّة وتعيين هويتهنّ ، وذلك من خلال إنشاء أماكن خاصّة بالنساء و السعي من أجل إشاعة الشعور بالأخوّة بين النساء .
وعلي هذا الأساس فإنّهم يرفضون مفهوم الجنسين لأنهم يرون أنّ أكثر الخصوصيّات قيمةً تلك التي تخصّ النساء . كما انّ علي النساء أن يعشن منفصلاتٍ عن الرجال لأنهم يُخضعونهنّ لسيطرتهم حتي في أقرب العلاقات . ولكنّ هذه الاستراتيجيّة الفيمينيّة لم تحظ بقبول كبير حتي بين المنظّرين الفيمينيّين بسبب عدم موضوعيّتها وتناقضها مع الأهداف المطلوبة الأخري .
ولكنّ أليسون ( Allison) إحدي أعضاء الحركة الفيمينيّة الاجتماعيّة ، تري أنّ إنشاء الأماكن الخاصّة بالنساء مثل الشركات التعاونيّة و العيادات و المؤسسات الراعية لهنّ والتي يتمّ التأكيد فيها علي اتخاذ القرارات القائمة علي الوفاق والتوظيف المعنوي و الإيصال المتبادَل للمساعدات ، تمثّل أفضل الطرق لتحقيق الحريّة للنساء . وهي تري أنّ حريّة النساء لا يمكن أن تتحقّق إلّا إذا كان بمقدورهنّ مشاركة الرجال في علاقة غير استثماريّة وغير ظالمة . وعلي حدّ قولها فإنّ :
المرأة إذا اقتصرت في علاقاتها الوثيقة علي النساء ، فإن بإمكانها أن تتجنّب استثمار قدراتها وقابليّاتها علي الإنجاب وكذلك الظلم الذاتي القائم في العلاقات التقليديّة بين الرجل والمرأة . ومع كلّ ذلك ، فحينما يكون بمقدور المرأة قول " لا " إزاء الرجل ، فإنّها لا تسيطر في هذه الحالة إلّا علي جزء من جسمها . والجزء الآخر هو أن لا تستطيع قول " نعم " ، أي أن تشارك الرجل في علاقة غير استثماريّة .
أعزّتنا المستمعين !
في ختام حلقتنا لهذا الأسبوع من برنامجكم " الفيمينيّة تحت المجهر " ، تقبّلوا منّا خالص التحايا ، وكلّ الشكر علي حسن مرافقتكم لنا ، وفي أمان الله .