سلام من الله عليكم ورحمته وبركاته - مستمعينا الأفاضل - ، ومرحباً بكم في هذا اللقاء الجديد الذي يسرّنا أن يجمعنا بكم عند محطّة أخري من محطّات برنامجكم الفيمينيّة تحت المجهر والتي سنواصل الحديث فيها عن الإفرازات والتبعات الكارثيّة التي تمخضّت عنها الأفكار الفيمينيّة المتطرّفة في المجتمعات الغربيّة ، ندعوكم للمتابعـة ...
مستمعينا الأعزّة !
كان حديثنا يدور في الحلقة الماضية من البرنامج عن إصرار أنصار الفيمينيّة علي عمل المرأة خارج نطاق البيت ، واعتبار مسؤوليّات من مثل الإنجاب وتربية الأولاد وإدارة شؤون المنزل من الأمور التي من شأنها أن تحطّ من قدر المرأة وتجعلها ترزح تحت نير العبوديّة للرجل ، والحقيقة أنّ دفع النساء إلي العمل المجهِد خارج البيت وتجاهل دور المرأة الرئيس ، لم يتمخّض عن نتائج إيجابيّة مطلقاً بل إنّ الأمر كان علي العكس من ذلك تماماً . تقول الكاتبة الغربيّة نانسي لي ديموس في هذا المجال :
إنّ تشجيع المرأة علي الشعور بعدم الرضا من أعمال البيت ، و استدراجها إلي خارج البيت ، لم يكن وراءه من طائل سوي إثارة توتّرها واضطرابها بشكل مبالغ فيه فالكثير من النساء لم يعد بمقدورهنّ العيش من دون الأخصائيّين والأدوية . فالنساء اللواتي يتنقلن دوماً من مكان لآخر و يزاولن حرفاً ومهناً مختلفة يتورّطن أكثر من غيرهنّ بالعلاقات غير الأخلاقيّة وما إلي ذلك ... .
وتلفت جسيكا أندرسون ، الطبيبة المتخصّصة في الأمراض النسائيّة ، الأذهانَ بصراحة إلي أن :
العمل هو جزء من الحياة وليس كلّها ، وواجب المرأة الرئيس هو تربية الأولاد ولكنّ ثقافة الغرب الاستهلاكيّة قامت علي عمل المرأة خارج المنزل واعتبرت القيام بواجب الأمومة أمراً ثانويّاً . وقد أدّي استمرار تلك الظاهرة إلي توجيه ضغوط متزايدة روحيّة ونفسيّة علي النساء والأمّهات في المجتمعات الغربيّة . ولعلّ هذا هو السبب الذي جعلنا نشهد في العقد الأخير عودة النساء العاملات طوعيّاً إلي نطاق الأسرة وإحياء واجبات الأمومة .
مستمعينا الأكارم !
لقد اعترف الإسلام رسميّاً بعمل المرأة باعتباره حقّاً كما أُوليت الأهميّة بالإضافة إلي ذلك لكيان المرأة وشخصيّتها . يقول - تعالي - في سورة النساء : " لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ حيث تدلّ هذه الآية الكريمة علي جواز عمل المرأة . كما تدلّ السنّة وسيرة النبي (ص) علي أن المرأة بإمكانها أن تتولّي الأعمال التي تتلاءم مع روحها وطبيعتها اللطيفة . وبالطبع فإنّ من الواجب الأخذ بنظر الاعتبار في عمل المرأة مصالحَ الأسرة وأساسها . و قد كانت الصناعات اليدويّة و الغزل والتجارة والبيع و رعاية المرضي وغيرها من جملة أعمال المرأة في عهد الرسالة ولم ينه النبيّ (ص) عن هذه الأعمال بل قرّرها في إطار الأحكام الإسلاميّة .
ولكنّ الإسلام يري أن الدور الرئيس للمرأة يتمثّل في إدارة شؤون البيت وتربية الأولاد ويمكن للمرأة إلي جانب دورها الرئيس أن تشارك في النشاطات الاجتماعيّة أيضاً . يقول سماحة قائد الثورة الإسلاميّة في هذا الصدد :
الإسلام لايعارض عمل المرأة . وهو لا يؤيّده فحسب بل إنه قد يعتبر عملها واجباً ما دام لا يتعارض مع عملها الرئيس وأهمِّ أعمالها أي تربية الأولاد والمحافظة علي الأسرة . فما من بلد إلّا ويحتاج إلي الأيدي العاملة للنساء في المجالات المختلفة ، ومع ذلك فإنّ هذا العمل يجب أن لا يتعارض مع كرامة المرأة وقيمتها المعنويّة والإنسانيّة .
أحبّتنا المستمعين !
لقد أدّت الأفكار والآراء المتطرّفة للفيمينيّين إلي ضعف مقوّمات الأسرة وأركانها علي المدي البعيد وأن تظهر أشكال جديدة من الأسرة ، من مثل الأسر ذات الربّ أو الوالد الواحد والمجاميع البديلة عن الأسرة وغير ذلك . ومن بين تلك الأفكار المتطرّفة معارضةُ الزواج و إضعاف مؤسّسة الأسرة .
وهكذا فإنّ من ضمن الموضوعات المطروحة بين الفيمينيّين ، معارضة الزواج وتكوين الأسرة ، علماً أنّ الزواج و إنجاب الأطفال وتربيتهم يعتبر من وجهة نظرهم عملاً حقيراً ووضيعاً ، لأنّ أساس الأسرة يقوم حسب رأيهم علي ظلم الرجل لها . وبناء علي ذلك ، فإنّ الفيمينيّين الراديكاليّين يؤكّدون علي ضرورة الثورة من قبل الجنس الآخر حيث إن من نتائج مثل هذا التفكير نهاية الزواج و نهاية نظام الشريك الواحد وإلغاء مفهوم الأمومـة .
يقول الكاتب الفيمينيّ الفرنسي سيمون دي بوفار في هذا المجال : إنّ ما يُبقي المرأة في قيود العبوديّة ، يتمثّل في النظامين الرئيسين ؛ الزواج والأمومة ، وهو يهاجم بشدّةٍ نظامَ الأسرة باعتباره ركناً للحياة الاجتماعيّة وتربية الأفراد الأسوياء و ينظر إليه باعتباره السبب في تعاسة النساء ويعتبر معارضة الإنجاب والشكل الشائع للزواج من القضايا الرئيسة التي تتبنّاها الفيمينيّة .
ويعادي الكثير من الفيمينيّين مؤسّسة الأسرة ويطالبون بثورة ديمقراطيّة للنساء ضمن الأسرة . وهو يرون أنّه لا ينبغي منح المرأة حريّةَ المشاركة في تكوين الأسرة أو مواصلتها حسب الأسلوب التقليديّ . ويعبّر بعض من قادة هذه الحركة مثل شيرهايت عن رضاه لوجود عدد لايحصي من الأسرة الفاقدة للآباء وغير الشرعيّة في أمريكا لأنّ هذا النوع من تربية الأبناء الفاقدين للآباء سيؤدّي فيما بعد إلي أن يتحسّن أسلوبُ معاملتهم للنساء .
ويري الفيمينيّون أنّ نموذج الأسرة ليس مقدّساً وليس أسلوباً فريداً من نوعه وليس هو الأفضل في الحياة المشتركة ، بل إن هذا النموذج من شأنه أن يحطّ من مكانة الأسرة . وعلي هذا الأساس ، فإنّ المِثليّين يشكّلون قسماً كبيراً من الفيمينييّن . ويبلغ عداء الفيمينييّن للأسرة حدّاً بحيث إنّ مصطلح الأسرة تمّ إلغاؤه في من بيانات مؤتمر بيجينغ واستخدم مصطلح أهل البيت بدلاً منه .
ومن التبعات المأساويّة والمريرة لانتشار أفكار الفيمينيين المتطرّفين ، التهرّب من الأسرة في عالم اليوم ، بحيث إنّ الأسرة التقليديّة أصبحت علي حافّة هاوية الاضمحلال والزوال . وقد أفادت الكثير من البحوث والدراسات الاجتماعيّة أنّ النظرة الطاغية في الغرب اليوم إلي الزواج باعتباره السبيل إلي الحياة المشتركة ، هي نظرة تعتبره السبيل الخاطيء لتكوين الحياة المشتركة بعد أن ظهرت أشكال جديدة لما يسمّي بالحياة المشتركة وهو ما خلق أزمات جديدة أمام المجتمعات الغربيّة ، والحقيقة أنّ الزواج يعتبر من جملة المعايير والمؤشّرات المهمّة لتكوين لأسرة أو انهيارها في كلّ مجتمع لأسباب تاريخيّة ، وكذلك من حيث تقبّل المجتمع له و الرقابة الاجتماعيّة في نفس الوقت .
إخوتنا ، أخواتنا المستمعين والمستمعات !
ترقّبونا في لقائنا القادم عبر برنامج الفيمينيّة تحت المجهـر عند تكملة حديثنا حول التبعات و الأزمات الأخلاقيّة التي تسبّبت بها الأفكار الفيمينيّة المتطرّفة بشأن الزواج ومدي ضرورة تكوين الأسرة ، حتي ذلك الحين ، تقبّلوا منّا خالص شكرنا علي حسن متابعتكم ، وإلي الملتقي .