إخوتنا ، أخواتنا المستمعين الأكارم في كلّ مكان !
تحيّاتنا الخالصة نبعثها لحضراتكم ونحن نجدّد اللقاء بكم عبر محطّة أخري من محطّات برنامجكم الفيمينيّة تحت المجهر ، آملين أن تقضوا معنا أوقاتاً طيّبة ومفيدة مع هذه الحلقة التي سنواصل الحديث فيها حول الأسس الفكريّة التي قامت عليها الحركة الفيمينيّة ، كونوا معنا ...
مستمعينا الأحبّة !
من الأسس الفكرية الأخري للفيمينيّة ، معاداة الرجل و رفض المرأة تحمّل المسؤوليّة . بل إنّ بعضاً من أنصار الفيمينيّة الذين ينكرون الاختلاف بين المرأة والرجل ، يعتبرون جنس الرجل العدوَّ الرئيس للمرأة ويصرّون علي محاربته. وقد افترضت بعض من أدبيّات هذا الفريق الحرب والعداء التاريخي بين هذين الجنسين و افتعلت جبهات سياسية بين المرأة والرجل بدلاً من التأكيد علي جذور انحراف المجتمعات والمتمثّلة في جهل الجنسين و أنانيتهما .
ومن جهة أخري ، وبما أن تقافة الغرب الجديدة قامت علي أساس الجري وراء المصالح و النزعة الربحيّة وفي إطار تعزيز النظام الرأسمالي الغربي فإن نتيجة النزعة المصلحيّة والفرديّة سوف لا تكون سوي التناقض في المصالح بين الأفراد و الفئات الاجتماعيّة .
ومن النتائج الأخري للنزعة الفردية في الغرب أنها تعتبر المرأة والرجل كيانين مستقلّين لا مكمّلين لبعضهما البعض و تأخذ كلّ واحد منهما بشكل منفصل بنظر الاعتبار في وضع الخطط الثقافيّة و القانونيّة و تعجز عن الرؤية الشاملة لكلّ فرد من أفراد المجتمع . و التناقض بين المرأة والرجل هو نتيجة لهذه الرؤية . و لكنّ الإسلام يري أنّ المصالح الحقيقيّة لكلا الجنسين لا تتحقّق إلّا من خلال الإذعان بالاختلافات التكوينيّة والتسليم لها و الالتفات إلي الهداية الإلهيّة و إيجاد الأرضيّة للتفاهم و الانسجام .
أعزّتنا المستمعين !
وحينما يتسع الخلاف والحرب بين المرأة والرجل ويتمّ الترويج لهما ، سيعتبر كلّ منهما الآخر عدوّه و يحاول تعميق هوّة المواجهـة . ونتيجة هذه النظرة عدمُ تقبّل المسؤوليّة و التهرّب من تعهّد كلّ منهما تجاه الآخر . وهناك في الغرب اليوم صورة أخري لجنس الذكر في طريقها إلي الظهور وهي تصويره علي أنه عدوّ مرعب ولدود للنساء . وهذه الفئة من الرجال كالمثليّين ، لايريدون إقامة أيّة علاقة مع النساء .
وفي هذا الصدد كتب الدكتور هنري ماكاو الكاتب الغربي في كتابه الفيمينيّة ، تَحطُّم أسطورة حريّة النساء قائلاً :
سوف تظهر حقيقة الفيمينيّة أخيراً ، فلقد جرّد أنصارها الرجال من الرجولة و حوّلوا النساء إلي رجال . وفي هذا الطريق فقد كلا الجنسين هويّتهما . ، كما يقول الدكتور غرنت ، الكاتب الغربيّ : إنّ المرأة اليوم ما هي إلّا رجل مزيّف . وهي في حالة حرب مع الرجال الحقيقيّين ولذلك فإنّها مضطربة لا يقرّ لها قرار .
وفي الحقيقة فإنّ الحركة الفيمينيّة جعلت الأسرة الغربية تواجه الأزمات من خلال الترويج لمفهوم إلغاء دور الأسرة و التهرّب منها ، و إضعاف حالة الشعور بالمسؤوليّة لدي ربّ الأسرة و قطع تبعيّة النساء للرجال وعدم الالتفات إلي طبيعة كلّ من الجنسين وفطرته . يقول سماحة قائد الثورة الإسلاميّة في هذا المجال :
إنّ حركة الدفاع عن المرأة في الغرب هي في الحقيقة حركة مضطربة تفتقر إلي المنطق وتقوم علي الجهل ، ولا تستند إلي السنن الإلهيّة وفطرة المرأة والرجل ، وقد أدّت في النهاية إلي الإضرار بالجميع ، الإضرار بكل من النساء والرجال ، وخاصّة النساء ... .
إخوتنا ، أخواتنا المستمعين والمستمعات !
ومن الأسس الفكريّة الأخري للفيمينيّة ، رفضُ التعاليم الدينيّة . فأنصار الفيمينيّة يرون أنّ التعاليم الدينية تلعب دوراً رئيساً في ترسيخ مفهوم سلطة الرجل ، ولذلك فإنها تؤمن بالقيم الماديّة وتنبذ القيم الدينيّة . وهم يعتبرون هيمنة القيم الدينيّة العقبة الأكبر في طريق تحقيق أهدافها ؛ لأن المؤمنين بالأديان الإلهيّة يُضفون قيمة كبري علي الأسرة ونظام الأمومة وهم يمنعون من أجل المحافظة عليه عملَ المرأة خارج البيت ومشاركتها الرجال في كلّ المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها . كما تؤكّد الأديان علي إنجاب الأولاد وتعتبر المحافظة علي الجنين واجبة ومساوية للمحافظة علي حياة الإنسان من الناحية المبدئيّة . و هو ما يؤدّي إلي أن تميل المرأة إلي الإنجاب و تتجنّب إجهاض الجنين . وتري الفيمينيّة أنّ المحافظة علي هذه القيم تمثّل أكبر مانع أمام الحريّات الجنسيّة و إشباع اللذّة ، ولذلك يجب السعي من أجل الابتعاد عن القيم الدينيّة .
وللأسف ، فإنّ أنصار الفيمينيّة يتجاهلون أنهم كلّما ابتعدوا عن الدين والقيم الروحية فإنهم سيتضرّرون أكثر . وقد ابتلي نظام الأسرة في الغرب اليوم بالأزمات . ويعترف الكثير من المفكّرين بأنّ من عوامل هذه الأزمات ، الابتعاد عن القيم الدينية والروحية . ويعلن الكاتب الأمريكي باتريك جي بوتشانان في كتاب موت الغرب بصراحة أنّ الغرب يعيش حالة التجزئة والانقسام وهو في طريقه إلي الزوال والموت . وهو يري أنّ النزعة الفردية و الانفصال والطلاق و الإدمان علي المخدّرات و الجرائم المأساويّة والانفلات في مجال الجنس وما إلي ذلك في الغرب كلّ ذلك ناجم عن انهيار النظام الأخلاقي والروحي . وهو يقول علي سبيل المثال فيما يتعلّق بإنجاب الأطفال :
مع بدء أفول المسيحيّة في الغرب وزوالها ، حدثت ظاهرة أخري ؛ فقد أعرض الغربيّون عن الإنجاب . لأن العلاقة بين الإيمان الديني و تشكيل الأسر الكبيرة حتميّة ومسلّم بها وكلّما ازداد تديّن الناس ، ازداد مستوي الإنجاب .
مستمعينا الأفاضل !
قد كان الفيمينيّون يسعون في قالب النظريات التربوية المادية لأن ينشروا أسسهم الفكريّة بين المجتمعات . وهو يرون أنّ النظرة التي كانت سائدة فيما يتعلّق بالمرأة ونشاطاتها ، كانت دوماً نظرة استحقار ودونيّة . ووفقاً لهذه النظرة فقد كانت المرأة تعتبر من وجهة نظر التقاليد والثقافة الشعبيّة ونظام الأبوّة ، كائناً ضعيفاً وجنساً ثانياً يفتقر إلي الهويّة. ومن وجهة نظر أنصار الفيمينيّة فإنّ هذه النظرة إلي المرأة مادامت سائدة فإنّ الإجراءات القانونيّة سوف لا تفعل أيّ شيء ولا تحلّ أيّة مشكلة . ولذلك ، فإنهم يطالبون قبل كل شيء بتغيير نوع نظرة المجتمع إلي المرأة و القضاء علي مظاهر التمييز المترسّخة . وهم يرون أنّ التفرقة هذه هي أسوأ أنواع التفرقة الممكنة لأنها تتمتّع بالطابع الثقافي والاجتماعي والأخلاقي والدعم القانوني في بعض الأحيان .
ولايخفي بالطبع علي أيّ منصف أنّ طرح المواضيع المتعلّقة بحقوق المرأة من قبل هذه الحركات في الغرب ، هو تأكيد علي تغيير النظرة إلي النساء من موجودات ثانويّة إلي مواطنات حقيقيّات ومن الدرجة الأولي و السعي للحصول علي الحقوق السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصادية والثقافيّة ، إلي سلسلة من المنجزات الإيجابيّة فيما يتعلّق بالمرأة ، وخاصة في المجتمعات الغربيّة . ولكن ذلك يجب أن لايؤدّي إلي القضاء علي معني الحياة ، و الحط من قدر الرجال في المجتمع و قبول دور مساو ومشابه علي مستوي الأدوار والمسؤوليّات .
أحبّتنا المستمعين !
سنتابع موضوع الأسس الفكريّة للفيمينيّة في الحلقة القادمة بإذن الله ، حتي ذلك الحين نترككم في رعاية الله ، وإلي الملتقي .