تقبّلوا تحيّاتنا الخالصة - مستمعينا الأكارم - ونحن نجدّد اللقاء بكم عند محطّة أخري من محطّات برنامجكم الأسبوعيّ الفيمينيّة تحت المجهر ، وذلك بعد أن تناولنا في لقائنا السابق بعضاً من الأسس الفكريّة للفيمينيّة مثل النزعة الفرديّة والإنسانيّة ، وسنواصل الحديث في هذه الحلقة عن هذه الأسس ، ندعوكم للمتابعة ....
إخوتنا ، أخواتنا المستمعين والمستمعات !
ذكرنا في الحلقة المنصرمة أنّ الإنسان هو المحور في المذهب الإنسانيّ ، والفرد هو المعيار ، وبذلك فإن الفيمينيّة تتخّذ من الفرد ورغباته الملاكَ والأساس في كلّ الجوانب السياسية والاقتصادية والأخلاقية والقانونيّة ، في حين أنّ الله هو محور كلّ شيء في الفكر الإسلامي وهو يحظر أيّ نوع من الحريّة الفرديّة مالم تكن في إطار الشريعة المقدّسة . كما إن النزعة الفرديّة لامعني لها في الأسرة من وجهة نظر الإسلام والنساء مسؤولات أمام الرجال والعكس صحيح .
والمرأة والرجل يمثّل كلّ منهما جنساً مختلفاً حيث تميّزهما خصوصيّاتهما الطبيعية عن بعضهما البعض . فماهو نطاق الاختلافات بين المرأة والرجل ؟ يري البعض من أنصار الفيمينيّة و فريق من علماء المجتمع عدم وجود أي اختلاف بين المرأة والرجل سوي الاختلاف البيولوجي والاختلافات الأخري ومنها الاختلاف في الطبائع والسلوكيّات ناجمة كلّها عن التأثيرات البيئيّة والثقافيّة وليس لها أيّ مصدر تكوينيّ . وفي المقابل فإنّ الكثير من علماء النفس أكّدوا الاختلافات التكوينيّة بين المرأة والرجل .
وحسب وجهة النظر هذه فإنّ الرجل والمرأة يمثّلان كوكبين يدوران في جهتين مختلفتين . ويري الفيلسوف الفرنسي عمانوئيل كانت أنّ التركيبة النفسيّة والجسميّة لكلّ من الرجل والمرأة متباينة و أنّ دور كلّ منهما في الأسرة والمجتمع يتمّ تعيينه علي أساس هذه الاختلافات .
أحبّتنا المستمعين !
يري الإسلام أنّ الرجل والمرأة يختلفان لا من الناحية الجسديّة وحسب بل وفي الجوانب العاطفية والروحية والذهنية والسلوكية أيضاً . اعتباراً من الاختلاف في تركيبة الجسم ومتوسّط الطول والوزن وحجم الدماغ وحتي التفاوت في الخُلقيّات و القدرات الفنيّة و مدي التحمّل و حدود الإثارة و التعقّل و النواحي الجماليّة والعشرات من الحالات الأخري حيث تأخذ كلّها مكانها في دائرة الاختلافات .
والمرأة والرجل يكمل بعضهما دور الآخر من وجهة نظر الإسلام . وهذه الظاهرة تتجلّي في كلّ من الخصائص الطبيعيّة ( الحاجات والقدرات ) وفي الحقوق والواجبات التي تقع علي عاتق كلّ منهما تجاه الآخر . وكلّما كان الأفراد يسعون من أجل إكمال بعضهم البعض ، فإن الزوج البشري سيكون أكثر كفاءة . وبالطبع فإنّ الاختلافات الطبيعيّة ليست دليلاً علي قيمة وفضل الجنس علي الآخر ، بل هي طريق لتحقيق حياة مثاليّة وعيشها ، كما يقول - تعالي - في سورة الزخرف :
أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ
ومن البديهي أنّ الاختلافات هي مصدر ظهور نظام التسخير المتبادل ، والحاجات و مظاهر المدنيّة ( الأسريّة والاجتماعيّة ) و ما يتعلّق بالحاجات الماديّة ( الجسميّة منها والنفسيّة ) وهي التي تربط الرجل والمرأة ببعضهما البعض وتؤدّي إلي بلوغهما الكمال وظهور الزوجيّة والأسرة الواحدة في النهايـــة .
أخي المستمع ، أختي المستمعة !
إن كون الرجل والمرأة مكمّلين لبعضهما البعض لا يتحقّ إلّا عندما يُعتَرف رسميّاً بشعور الجنس المقابل في كلّ من الجنسين . كما إنّ استحكام نظام الأسرة رهن بهذا الشعور بالحاجة . وحينما يشعر الرجل بعدم حاجته في الأسرة إلي دعم المرأة ولا تعتبر المرأة بدورها الرجل داعماً لها لاعتمادها علي مواردها الماليّة فكيف يمكن أن نتوقّع كمال الرجل والمرأة مع بعضهما البعض و تشكيل أسرة قويّة الدعائم؟
وقد ورد التأكيد في الفكر الإسلامي علي الأدوار الخاصّة للمرأة والرجل في الأسرة في نفس الوقت الذي أشاد فيه بمسؤوليّة المرأة الاجتماعيّة . فالرجل والمرأة يؤدّيان في الأسرة دورين مختلفين ومكملين لبعضهما البعض في ذات الوقت ويجب علي أيّ حال الالتزامُ بهذه المسؤوليّة المشتركة والخاصة حسب الضوابط الدينيّة .
وعلي إثر انتشار الأفكار الفيمينيّة في الغرب ، فقد تمّ وعلي نطاق واسع الترويج لشعار التماثل والتشابه بين المرأة والرجل الأمر الذي أدّي إلي مواجهة هذه المجتمعات للأزمات الاجتماعيّة . وقد ألحق هذا الشعار الضرر بالنساء أكثر من الرجال ، ذلك لأن التقسيم المتساوي للمسؤوليّات العائليّة بين المرأة والرجل قد طرح بحجّة التشابه بين الرجل والمرأة ، حيث زالت بعض واجبات الرجل من مثل الصداق والنفقة لأنهما يعتبران إهانة لشخصيّة المرأة المستقلّة ، فاضطرّت النساء إلي التهافت علي أسواق العمل من أجل التأمين المالي و تحقيق الشخصيّة الاجتماعيّة .
ولكن المرأة عجزت من الجهة الأخري عن منافسة الرجال وخاصة في المناصب الإداريّة ، بسبب المشاغل العائليّة والاختلافات في الإمكانيّات والقدرات . وكانت مراكز رعاية الأطفال بإمكانها في الظاهر أن تقلّل من هواجس المرأة إلي حدّ ما و تملأ نوعاً ما فراغ غيابها عن البيت و لكنّ النساء استُهلكنّ من الناحية العمليّة أكثر من الرجال من الناحيتين الجسميّة والروحيّة . فاضطررن إلي تحمّل ضغوط العمل في البيت فضلاً عن العمل خارجه . والأهم من كلّ ذلك أنّ النساء العاملات فقدن القدرة من الناحية العمليّة علي الابتكار في نطاق الأسرة باعتبارهنّ زوجات وأمّهات . وهكذا فقد أصبحت المرأة تعاني من حياة دون روح ، و ظروف عمل غير مناسبة و فقدان التفاهم و الانسجام مع الزوج والأولاد .
مستمعينا الأفاضل !
سنواصل الحديث في لقائنا القادم عبر برنامج الفيمينيّة تحت المجهر ، عن الأسس الفكريّة الأخري التي استندت إليها الفيمينيّة في دعواتها إلي تحرير المرأة والمساواة المزعومة بينها وبين الرجل ، حتّي ذلك الحين تقبّلوا منّا خالص التحايا وكلّ التقدير علي طيب متابعتكم ، وإلي الملتقي .