ولكن بعض دول العالم وعلى رأسها أمريكا استخدمت مراكزها الدبلوماسية كمكان للتجسس على شؤون الدولة المضيفة والتدخل فيها وتعدّ الحكومة الأمريكية واحدة من أهم الدول التي قامت خلال العقود الماضية بالكثير من الأنشطة المدمّرة وغير الدبلوماسية مستعينة بذلك بسفاراتها وبعثاتها الدبلوماسية المنتشرة في أرجاء العالم.
من التجسس إلى الانقلابات في أمريكا اللاتينية
منذ عام 1961 وحتى عام 1964، لعبت السفارة الأمريكية في البرازيل دوراً محورياً في الانقلاب العسكري الذي وقع في البرازيل، ولقد كان ذلك الانقلاب بسبب مواقف رئيس البرازيل الذي بذل الكثير من الجهود لحماية استقلال بلاده بعيداً عن المصالح الامريكية، وبالتالي، فإن سفارة أمريكا في البرازيل خططت ودبرّت واغتنمت الفرصة لشن انقلاب في هذا البلد اللاتيني، وحول هذا السياق، كشفت العديد من المصادر الإخبارية بأن كبار موظفي السفارة الأمريكية في البرازيل عقدوا اجتماعاً في 24 مارس 1964، ووافقوا جميعاً بالإجماع على الإطاحة برئيس البرازيل في ذلك الوقت وبعد ذلك وفي خطوتهم الأولى، قاموا بانتخاب الجنرال "كاستيلو برانكو"، رئيس أركان الجيش البرازيلي، قائداً للانقلاب، وبعد فترة وجيزة، أطاح الجيش البرازيلي، بالتعاون مع السفارة الأمريكية، بالحكم الشرعي للبلاد، وكما كتب الكاتب الأمريكي "ويليام بلوم": "كان هذا الانقلاب تتويجاً لمؤامرة شاركت فيها السفارة الأمريكية في البرازيل".
وبالإضافة إلى ذلك، سعت أمريكا في الستينيات من القرن الماضي بكل قوتها، إلى تدريب وتعزيز أجهزة الأمن والمخابرات في السلفادور لقمع الحركات الشعبية ولقد خلقت الحملة التي دعمتها أمريكا ضد طلاب جامعة السلفادور الوطنية فرصة للجيش للإطاحة بالحكومة والانقلاب على الشرعية في البلاد، لكن ذلك الانقلاب لم يكن عمره أكثر من ثلاثة أشهر وأطيح به بسبب الانقلاب الذي كان أيضاً للسفارة الأمريكية دوراً مهماً فيه، وفي هذا الصدد، أدلى الدكتور "فابيو كاستيلو"، الرئيس السابق للجامعة الوطنية ووزير الخارجية المخلوع، بشهادته أمام الكونغرس الأمريكي بعد سنوات حيث قال: "خلال فترة الإطاحة بالحكومة الإصلاحية، تدخلت السفارة الأمريكية على الفور وقامت بدعوة الناس إلى التمرد ضد تلك الحكومة الشرعية".
الحلفاء في قائمة التجسس
بالإضافة إلى استخدام المراكز الدبلوماسية ضد الدول المنافسة لها، قامت أيضاً تلك المراكز الأمريكية بالتجسس ضد الدول والحكومات المتحالفة والحليفة لأمريكا، وفي نوفمبر 2008، تم نشر أخبار مروّعة في وسائل الإعلام الأوروبية، كشفت بأن: السفارات الأمريكية في السويد والنرويج والدنمارك قامت بأنشطة تجسس واسعة النطاق ضد السلطات السياسية ومواطني هذه الدول الثلاث!، وفي ذلك الوقت اعترف المسؤولون الأمنيون من الدول الاسكندنافية الثلاث لوسائل الإعلام المختلفة وذكروا بأن السفارات الأمريكية في أوسلو وستوكهولم وكوبنهاجن وصلت إلى معلومات سرية حول الكثير من المواطنين والسياسيين في هذه البلدان، ولفتوا إلى أن السفارات الأمريكية زعمت بأنها قامت بتلك الأعمال لحماية سفارتها.
وفي السياق نفسه، أثارت فضيحة تجسس السفارة الأمريكية على ألمانيا سخط الكثير من حلفائها الأوروبيين.
يذكر أنه قبل بضع سنوات صُدم الرأي العام والأحزاب والشخصيات السياسية ووسائل الإعلام الألمانية بقيام جواسيس تابعين لأمريكا بالتجسس على المحادثات الهاتفية الألمانية وعقب هذه الحادثة طالب الكثير من أبناء الشعب الألماني بردٍّ حاسمٍ وجادٍّ على واشطن.
وثائق "ويكيليكس" وسماع طبول الفضائح التي قامت بها السفارات الأمريكية
في يناير 1977، حصل موقع "ويكيليكس" الذي يُعدّ من أهم المواقع التي تهتم بنشر الكثير من الأسرار والفضائح التي تقوم بها بعض الأنظمة العالمية وبعض القادة الغربيين، على العديد من الوثائق المتعلقة بشراء برامج تجسس من قبل السفارات الأمريكية في جميع أنحاء العالم وفي ذلك الوقت قام موقع "ويكيليكس" بنشر قاعدة بيانات تضم قائمة بجميع سفارات أمريكا وكشفت عن أكثر من 16000 طلب تقدّمت به الكثير من سفارات أمريكا لتزويدها بتلك البرامج.
وعلى سبيل المثال، في حالة أغسطس 2018 طلبت سفارة أمريكا في السلفادور "معدات تجسس تكتيكية" وتوفير 94 كاميرا فيديو على شكل ربطة عنق، وقبعة، وزر قميص، وساعة اليد، وذاكرة USB، وقلم وغيرها، وفي وثيقة أخرى كشفت "ويكيليكس"، بأن السفارة الأمريكية في كولومبيا طلبت أيضاً كاميرات تجسس مماثلة، وبعد انتشار هذه الوثائق، طلبت الحكومة الصينية من الحكومة الأمريكية أن ترد على جميع تلك الوثائق التي كشفها موقع "ويكيليكس" والمتعلقة بطلب سفاراتها شراء برامج تجسس حديثة.
إيران تمكّنت في وقت مبكر من القضاء على برامج التجسس الأمريكية
نظراً لموقعها الاستراتيجي واحتياطياتها الكبيرة من الطاقة، كانت منطقة غرب آسيا دائماً واحدة من أهم أهداف التجسس والتخريب والتدخل التي قامت بها أمريكا خلال العقود الماضية، حيث إن معظم دول هذه المنطقة المهمة تُدار من قبل السفارات الأمريكية الموجودة فيها، ولكن جمهورية إيران الإسلامية كانت إحدى الدول التي لديها العديد من التجارب مع هذه التدخلات، من الانقلاب على رئيس الوزراء المنتخب ديمقراطياً محمد مصدق في عام 1953 ووصولاً إلى التخطيط الذي كان يُدار من داخل السفارة الأمريكية في طهران لإفشال الثورة الإسلامية، كما أن أمريكا كانت متورطة أيضاً في انقلاب "نزوجة" وانقلاب "كورتاج" ومشكلات الصحراء التركمانية والديمقراطيين الأكراد والأقلية العربي والبلوشي واغتيال الزعماء الثوريين، وكل هذه الحماقات الأمريكية أدّت في نهاية المطاف إلى انفجار الشارع الإيراني في وجه الاستكبار العالمي وقيام بعض الطلاب الإيرانيين في عام 1979 باقتحام السفارة الأمريكية في طهران وإغلاق مركز التجسس هذا إلى الأبد.