للأسف لم يعد مفاجئاً بالنسبة لنا أن تشارك "إسرائيل" في مثل هذه المؤتمرات على اعتبار أن السلطات البحرينية بدأت تعتبر أن "الكيان الصهيوني" هو جزء من نسيج المنطقة ولم يعد كتلة سرطانية غريبة عن بيئتنا العربية والاسلامية، وهذا الكلام تكرر مراراً في كلام المسؤولين البحرينيين، وعلى سبيل المثال اعتبر وزير الخارجية البحريني خالد بن أحمد آل خليفة، في تصريح أدلى به لموقع إسرائيلي خلال مؤتمر المنامة والذي عقد في 25- 26 حزيران من هذا العام في دولة البحرين، اعتبر أن "إسرائيل بلد في المنطقة، وهي باقية بالطبع"، وفي تصريحات سابقة قال آل خليفة، إن "إسرائيل جزء أساسي وشرعي من الشرق الأوسط والشعب اليهودي جزء من تراث المنطقة".
كما ذكرت هيئة البث الإسرائيلي والقناة (13) الإسرائيلية الخاصة بأنه بالفعل قد شارك وفد إسرائيلي ضمن فعاليات المؤتمر البحريني الجديد، وهكذا توفر البحرين للإسرائيليين مناخاً جيداً للتطبيع بهدف نشر هذه الثقافة أو بالأحرى العدوى بين بقية الدول، تمهيداً لإقناع شعوب المنطقة بأن "التطبيع" هو الحل، ولكن حتى اللحظة وإن تراخت بعض الحكومات بالنسبة لهذا الموضوع إلا أن الشعوب لا تزال مستيقظة وتعي تماماً الفرق بين العدو والصديق.
ما هي أهداف مؤتمر البحرين الجديد؟
يبدو أن أمريكا لم يعد بإمكانها تحمّل فكرة تعاظم قدرات إيران على جميع الأصعدة وقدرتها اللامتناهية في تجاوز العقوبات الأمريكية، ناهيك عن عجز واشنطن عن إحداث شرخ داخل محور المقاومة، وجميع مخططات الإدارات الأمريكية المتعاقبة لتدمير هذا المحور باءت بالفشل، لذلك نجد الإدارة الأمريكية الحالية تحاول من جديد التأثير على هذا المحور عن طريق الدول العربية التي تبدي تعاطفاً مع "الكيان الصهيوني" والتي تستطيع واشنطن أن تؤثر في قراراتها، والبحرين مثال ذلك.
من هنا يمكننا القول أن أمريكا هي من تدير هذه المؤتمرات التي تجري في البحرين، والتي غايتها بالنسبة لواشنطن "ضرب عصفورين بحجر واحد"، بمعنى تحشيد العالم للوقوف في وجه إيران وتقديم بلاغات كاذبة ضد إيران لزيادة الضغط عليها وإرضاخها بالتعاون مع قوى إقليمية ودولية بعد أن عجزت واشنطن عن القيام بذلك لوحدها، هذا من جهة، من جهة أخرى التشجيع على التطبيع مع "إسرائيل" عبر هذه المؤتمرات من خلال استقبال وفود "إسرائيلية" والسماح لها بالتجوّل في الدول العربية، وحدث هذا في كل من الإمارات والبحرين وقطر، والغاية الأساسية منه الترويج بأن "الإسرائيليين" "أصدقاء" لهذه الدول وبالتالي نقل هذه العدوى إلى بقية الدول لتحذو حذو هذه البلدان وتبدأ تطبيعها مع الصهاينة.
قيام الإدارة الأمريكية بحشد هذه الدول خلال فترات متقطعة وقصيرة، هو دليل واضح على عجز أمريكا عن تمرير "صفقة القرن"، وتسويقها في المنطقة، وقد تحدّثت عن هذا الموضوع صحيفة معاريف "الاسرائيلية" مؤخراً، حيث جاء في تقرير لها أن الزيارة التي سيقوم بها كوشنر لـ "إسرائيل" وعدد من دول المنطقة تدلل على أنه عاجز عن تسويق الخطة الأمريكية لتصفية القضية الفلسطينية المعروفة باسم "صفقة القرن".
لفتت الصحيفة إلى أن كوشنر فشل فشلاً ذريعاً في إقناع الأطراف المعنية بـ "مزايا" الخطة، مشيرة إلى أن قرار تأجيل إعلان الخطة بعد كل زيارة يقوم بها لـ "إسرائيل" يؤكد فقط فشلها.
وتوقعت الصحيفة أن يضطر كوشنر إلى تأجيل إعلان الخطة في أعقاب الزيارة التي سيقوم بها نهاية الشهر الحالي.
ولفتت الصحيفة إلى أن صعود غانتس للحكم لن يحسّن من فرص تمرير الصفقة، على اعتبار أن قادة حزب "البيت اليهودي" الديني الذين من المتوقع أن يشاركوا في الحكومة القادمة يرفضون "صفقة القرن" ويعتبرونها "نجسة".
وأوضحت أن ما يعزز فرص فشل الصفقة حقيقة أن مؤتمر البحرين الذي ناقش المركبات الاقتصادية للخطة فشل فشلاً ذريعاً في تجنيد الأموال اللازمة "لإغراء" الفلسطينيين بقبول الخطة.
ولفتت إلى أن كوشنر طالب خلال مؤتمر البحرين الدول العربية الخليجية بدعم الخطة اقتصادياً دون أن يطلع قادتها على مركبات الخطة السياسية.
وحسب الصحيفة، فإن الانسحاب الأمريكي من سوريا وتهاوي مكانة أمريكا في المنطقة لا يحسّن من فرص تطبيق الخطة.
وبالرغم من عجز أمريكا عن تطبيق بنود صفقة القرن، نتيجة المقاومة الشديدة للفلسطينيين والعديد من الحكومات العربية الأخرى بما في ذلك الأردن ولبنان، وكذلك الأزمة السياسية في الأراضي المحتلة، إلا أن ترامب لا يزال يحاول تمهيد الطريق لتنفيذ هذه الخطة لأن هذا الأمر سيسهل له الطريق للنجاح في الانتخابات المقبلة، وسيحظى بدعم أكبر من اللوبيات الصهيونية لو تمكّن من القيام بهذه الخطوة التي تبدو أنها مستحيلة.
ما تقوم به البحرين هو طعنة في الظهر للقضية الفلسطينية ولشعبها وللشعوب العربية، ويساهم بزيادة الشرخ بين شعوب المنطقة لمصلحة "إسرائيل"، لأن القضية الفلسطينية هي قضية مركزية للعرب والمسلمين وأي شرخ فيها سيؤثر على الأمن القومي العربي بمجمله.
في الختام.. لا نعلم إن كانت هذه الخديعة الأمريكية الجديدة ستنطوي على بعض العرب والتي غايتها الالتفاف على القضية الفلسطينية وتصفيتها عبر العرب وضدهم، ومن حسن حظ الإسرائيليين أن بعض العرب ينساقون خلف مطالب واشنطن حتى لو كانت هذه المطالب ضدهم ويوقّعون على بياض للإدارة الأمريكية دون حتى أن يعرفوا الخلفيات التي تعمل عليها أمريكا.