ولكن هل كان هناك يد أخرى إلى جانب أمريكا تحاول كسب الوّد السعودي؟ وهنا يمكن القول بأن السؤال الذي يتبادر إلى الأذهان، لماذا لم يعد بمقدور واشنطن حلب البقرة السعودية؟ وبدلا من الولايات المتحدة إلى اين ستذهب الرياض؟
لماذا لم يعد بمقدور الولايات المتحدة حلب البقرة السعودية المزيد من الاموال؟
تشير جميع الأدلة إلى أنه بعد مرور أربعة عقود علي إنهيار الهيمنة الامريكية على إيران، حان الوقت لإنهيار الركيزة الثانية لهيمنة واشنطن في المنطقة. يذكر أن أبناء الشعب الايراني تمكنوا بعدما إنهار نظام الشاة السابق من طرد الخبراء والقادة العسكريين الامريكيين الذين كانوا يديروا شؤون الحكم في طهران في ذلك الوقت. وفي وقتنا الحالي تشير العديد من الاحداث الميدانية بأن ضعف الولايات المتحدة يرجع إلى حمايتها للمملكة العربية السعودية التي قامت بالكثير من المجازر وخلقت العديد من الازمات في المنطقة ولهذا فإن البيت الابيض لا يريد أن تستمر الرياض في خلق الكثير من الفوضى في المنطقة.
وفي فترة رئاستي "أوباما" و"ترامب" ظهرت بعض الادلة الواضحة التي تؤكد بأن سياسة واشنطن تجاه الرياض تغيرت. فعلى الرغم من أن الرياض وواشنطن كانتا في السابق متفقتان حول العديد من القضايا الكبرى والحساسة التي تتعلق بالمنطقة، إلا أنهما خلال الفترة الاخيرة دخلتا في صراع حول بعض القضايا التي تهم المنطقة وتعد قضية الاتفاق النووي مع إيران احدى القضايا التي خلقت فجوة بين واشنطن والرياض. في الواقع، لقد كانت المملكة العربية السعودية تأمل في أن تستمر واشنطن في حماية مصالحها التي حددتها لنفسها في المنطقة، لكن واشنطن تخلت عنها.
وإذا كان الرئيس الامريكي السابق "باراك أوباما" رمزا لعدم الرغبة، فإن الرئيس الحالي "دونالد ترامب" رمزا لعدم القدرة. وحول هذا السياق، كشفت العديد من المصادر الاخبارية بأن واشنطن خلال عهد "ترامب"، فشلت في التستر على جريمة القتل التي قام بها ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" في حق الصحفي السعودي المعارض "جمال خاشقجي" في القنصلية السعودية في اسطنبول ولم تتمكن واشنطن أيضا من انتشال الرياض من مستنقع اليمن أو تمويل الرياض للدخول في حرب أخرى في المنطقة. ولهذا السبب، حث الرئيس الامريكي "ترامب" الرياض مرارًا وتكرارًا على أنه إذا أرادت الرياض من الولايات المتحدة أن تدعمها في حرب أخرى، فسيتعين عليها دفع جميع تكاليفها. يذكر أن لجنة الخبراء أشارت يوم الاثنين الماضي مرة أخرى في تقريرها الذي ارسلته إلى مجلس الامن بالجرائم التي ارتكبتها قوات تحالف العدوان السعودي في اليمن.
للحفاظ على بقاء المملكة العربية السعودية تحت مظلة الولايات المتحدة، وضع "ترامب" استراتيجية جديدة لتشجيع الرياض بالاستمرار في تنفيذ جميع المطالب الامريكية في منطقة غرب آسيا، لكن تلك الاستراتيجية لم تنجح حتى الآن.
يذكر أن الرئيس "ترامب" بذل الكثير من الجهود أيضًا لتعزيز العلاقات الودية بين صهره، "جاريد كوشنر" و"بن سلمان"، حتى لا يفقد ثقة الرياض. لكن الآن وبعد الحرب في سوريا، أصبحت الحرب في اليمن أيضًا انعكاسًا ثانياً لفشل مشاريعهم المشتركة ومن المرجح أن تكون "صفقة القرن" هي الانعكاس الثالث لفشل مشاريعهم المشتركة في المنطقة.
إلى أين ستذهب الأموال السعودية؟
إن الصين هي المرشح الأكثر أهمية لزيادة التعاون الاقتصادي مع المملكة العربية السعودية. في الأساس، لقد أدى توسع القوة الصينية والروسية في المنطقة إلى تسريع عملية خروج المملكة العربية السعودية من تحت المظلة الأمريكية، وهنا تشير العديد من الاحداث إلى أن المملكة العربية السعودية تميل إلى توسيع التعاون الاقتصادي مع الصين بدلاً من الانخراط في عواقب مؤلمة نتيجة للتعاون السياسي مع الولايات المتحدة.
وحول هذا السياق، كشفت العديد من المصادر الاخبارية بأنه في التاسع من مارس عام 2017، قال "شي جين بينغ" بعد لقائه العاهل السعودي وولي العهد السعودي إن نتائج المحادثات "تجاوزت توقعاتنا". وفي فبراير من هذا العام، تم التوقيع على اتفاقية اقتصادية وتجارية بقيمة 28 مليار دولار بين البلدين وتم الاتفاق أيضا على زيادة صادرات السعودية النفطية إلى الصين، والتي سيتم تكريرها في المصفاة الصينية المزمع إنشاؤها خلال الاشهر القليلة القادمة. وهذا الامر ذو أهمية كبيرة وذلك لأن مبيعات النفط إلى الولايات المتحدة كانت عاملاً رئيسياً في توثيق العلاقات بين البلدين، لكن الإحصاءات تشير إلى أن الولايات المتحدة اشترت كميات أقل من النفط في عام 2018 مما كانت عليه في خلال السنوات الماضية.
الخلاصة
إن كل هذا لا يعني أنه سيكون هناك انهيار قريباً للعلاقات السياسية أو الاقتصادية بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، أو أن المملكة العربية السعودية، التي تعتمد بشكل حصري على الولايات المتحدة، ستصبح مستعمرة صينية ! ولكن النقاش هنا يدور حول انخفاض مستوى اعتماد المملكة العربية السعودية الاقتصادي على الولايات المتحدة، الامر الذي سوف يؤدي إلى تغيير ظروف تعاونها السياسي في المنطقة وهنا يمكن القول بأنه لدى المملكة العربية السعودية خيارات أخرى لتوسيع علاقاتها الاقتصادية، بما في ذلك مع روسيا والهند. وفي وقتنا الحالي تعيش الولايات المتحدة في مأزق ومع تصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، يحص "ترامب" بشكل متزايد حلفاء واشنطن في المنطقة على وقف تسريع تعاونهم الاقتصادي مع الصين وذلك لانه يخشى من تراجع قوة الولايات المتحدة في المنطقة وذهاب شركاء واشنطن الاقتصاديين إقليميين نحو الصين.