بعد مرور العراق من مرحلة داعش الصعبة وتهديد الوحدة العراقية، نشهد الآن موجةً جديدةً من الأزمة في هذا البلد، ليس لديها من الأساس مطالب وعملية محددة.
ترافقت احتجاجات المواطنين العراقيين مع ردود فعل مختلف الشخصيات والتيارات السياسية، جزء من النخبة السياسية في البلاد ومن خلال دعمهم لحكومة "عادل عبد المهدي"، يريدون استمرار الحكومة لعملها وعودة الهدوء ووقف الاحتجاجات على الفور.
بخلاف هذه المجموعة، تطالب بعض النخب السياسية باستقالة عادل عبد المهدي من قيادة المنطقة الخضراء، وإجراء انتخابات برلمانية المبكرة في البلاد.
في هذه الأثناء، دعا زعيم التيار الصدري في العراق "مقتدى الصدر" الحكومة العراقية الحالية إلى التنحي، مطالباً بإجراء انتخابات برلمانية مبكرة تحت رعاية الأمم المتحدة، كما حثّ أعضاء تحالف "سايرون" على تعليق أنشطتهم البرلمانية.
كذلك، قال حيدر العبادي زعيم تحالف "النصر" ورئيس الوزراء العراقي السابق، في رسالة مفتوحة على الفيسبوك، إلى الشعب والقوى السياسية: إنه "لضمان عدم انسداد الأفق أمام الإصلاحات التي يطالب بها الشعب، تتم الدعوة لانتخابات مبكّرة لتشكيل حكومة دستورية شرعية قادرة على القيام بمهامها الوطنية بسقف زمني لا يتجاوز 2020".
الحقيقة هي أنه بعد طلب هذين الزعيمين السياسيين العراقيين البارزين، السؤال المطروح الآن هو أن استقالة الحكومة وإجراء انتخابات مبكرة في هذه المرحلة، إلى أي مدى يمكن أن تكون فعّالةً ولمصلحة الأمن القومي واستتباب الأمن في العراق؟
ردّاً على هذا السؤال، يمكن القول إن الوضع السياسي وعملية الاحتجاجات في العراق لا يختصان بأي حال بحكومة أو شخص معين يمكن لاستبعاده أن يحل القضية في الظاهر.
والحقيقة هي أن العراق وعلى الرغم من كل القضايا التي تنتظره، لديه ديمقراطية لائقة نسبياً وانتخابات نزيهة مقارنةً بالدول العربية الأخرى التي لديها نظام دكتاتوري، ويُسمح فيه للنخب بتداول السلطة.
لذلك، فإن مطلب جزء من المتظاهرين الذي يمكن أن يعزى إلى تبعيتهم للقوى الأجنبية، ليس فقط إقالة شخص ما، بل يرتبط أيضاً بالإصلاح الشامل للبنية السياسية والاقتصادية.
من ناحية أخرى، ينبغي للمرء أن يسأل ما إذا كانت الانتخابات المبكرة ستؤدي إلى الاستقرار وتلبية مطالب المحتجين أم لا؟ وبعد إجراء الانتخابات، هل ستحلّ قضايا مثل البطالة والفساد الإداري والنظام الاقتصادي المعيب وما إلى ذلك؟
الحقيقة هي أن استبعاد عادل عبد المهدي في الوقت الحالي لن يساعد فقط في حل الاحتجاجات في العراق، بل ستزيد من الالتهاب السياسي ويسبب المزيد من الأزمات للحكومة.
كما أن الانتخابات المبكرة في الوقت الحاضر التي طالب بها المواطنون وأعربوا عن استيائهم من أداء النظام السياسي بالطريقة الأكثر شدةً، ليس فقط ستستغرق وقتًا طويلاً، بل ستكون مكلفةً أيضاً للحكومة، كذلك، فإن إجراء الانتخابات في الوقت الحاضر يمكن أن يزيد التوترات والصراعات بين الأحزاب السياسية.
مع ذلك، فإن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو، ما هي الاستراتيجية التي ينبغي اتخاذها لحل المشكلة والاستجابة لمطالب المحتجين؟
للإجابة على هذا السؤال، يمكن اعتبار بيان آية الله السيستاني "خارطة طريق" للحكومة وجميع التيارات السياسية، وفي الواقع، فإن قبول الأخطاء وأوجه القصور ومحاولة معالجتها في مختلف الأبعاد بطرق عملية، هي الاستراتيجية التي يمكن اعتبارها منطقيةً وعمليةً.
إن الهدم والتعطيل عمل بسيط وسهل يمكن لأي شخص القيام به، ولكن البناء والإصلاح قضية أشار إليها بيان آية الله السيستاني.
يدين بيان آية الله السيستاني العنف الذي استهدف المتظاهرين وقوات الأمن والسعي إلى إثارة الفوضى والقلاقل.
وجاء في البيان: إن "هناك اعتداءات مرفوضة ومدانة على المتظاهرين السلميين وعلى القوات الأمنية"، مضيفاً إن الاحتجاجات "خلّفت عشرات الضحايا وأعداداً كبيرةً من الجرحى والمصابين والكثير من الأضرار على المؤسسات الحكومية وغيرها، في مشاهد مؤلمة ومؤسفة جداً"، وإن الإصلاحات أصبحت ضرورةً في البلاد، وعلى المسؤولين اتخاذ إجراءات عملية في هذا الصدد.
كما دعا أحمد الصافي ممثل آية الله السيستاني السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية الثلاث إلى اتخاذ خطوات أساسية لتنفيذ إصلاحات حقيقية، وقال إن البرلمان يتحمّل مسؤوليةً أكبر في هذا الصدد.
وأضاف: "المرجع السيستاني يطالب من سنين بمحاربة الفساد ولم يتحقق شيء"، مؤكداً أننا في هذا الصدد اقترحنا تشكيل لجنة من الأفراد المهرة والفعّالة خارج الحكومة لاتخاذ خطوات عملية لحل المشكلات، من خلال مراقبة ورصد الظروف السائدة في البلاد.
وتابع: تم تجاهل الاقتراح في ذلك الوقت، ولكن النظر فيه يمكن أن يكون حلّاً جيداً في الظروف الحالية.
الحقيقة هي أن بيان آية الله السيستاني في الوقت الذي ينتقد فيه بشدة أداء النخبة السياسية، يقدّم لحكام البلد الحل العملي وخريطة الطريق للانتقال من الأزمة، وهذا ما جعل رئيس الوزراء العراقي يعلن ترحيبه بالبيان، بحيث ردّاً على بيان آية الله السيستاني حول الوضع الحالي في البلاد، أكد عادل عبد المهدي أن "المرجعية الدينية برهنت مرةً أخرى أنها صمام الأمان والمنار الذي يرسم طريق الهداية في أيام المحن".
موقع "الوقت"