ففي كلمته هاجم الرئيس روحاني اميركا في عقر دارها ووصفها بأنها تمارس الارهاب في حصارها لايران، وقد جدد روحاني موقف الجمهورية الاسلامية الرافض لأي تفاوض مع اميركا الا بعد رفع العقوبات عن بلاده وعودة واشنطن الى اتفاقية الملف النووي، واكد روحاني (أن أمن المنطقة لن يستتب إلا بخروج القوات الأميركية منها) رافضا تشكيل اي قوات متعددة الجنسية لحماية ما يسمى امن الملاحة في الخليج معتبرا (أن تشكيل أي تحالف أمني تحت قيادة قوات أجنبية يعد تدخلا في شؤون المنطقة)، كما طرح الشيخ روحاني مبادرة بديلة لما يروج له الامريكان والصهاينة والسعودية بشأن ما يسمونه حماية الملاحة في الخليج (الفارسي) ومضيق هرمز، حيث دعا جميع دول منطقة الخليج (الفارسي) للانضمام إلى مبادرة (تحالف الأمل من أجل السلام في مضيق هرمز والذي يقوم على اساس التفاهم المتبادل وعدم الاعتداء واحترام سيادة الدول).
ولم تشهد نيويورك تراجع المواقف الامريكية بشأن الأزمة فقط بل شهدت ايضا تقدما واضحا في سعي الاوربيين الى حل الازمة بالتفاهم ، وقد اوحى الموقف الاوربي بوجود انحياز نسبي للرؤية الايرانية وابتعاد واضح عن خيارات الرئيس الامريكي دونالد ترامب السابقة في التصعيد، وكان خطاب الرئيس الفرنسي ماكارون يحمل خلاصة الموقف الاوربي لتبني مسار للتهدئة والحوار ، فيما شهدت الأزمة ايضا تحولا مهما عندما اعلن رئيس وزراء باكستان عمران خان بأن الرئيس الامريكي ترامب وولي العهد السعودي محمد بن سلمان طلبا منه ترتيب وساطة مع ايران لتسوية الأزمة، الا ان ترامب قال ان خان هو الذي يرغب في ذلك واضاف انه يؤيده في هذا المسعى، ثم قال نحن موجودون هنا في نيويورك ولدينا وقت ويمكن ان نتفاهم ...
في المسار نفسه يقول مراقبون ان الموقف العراقي في نيويورك تمثل بكلمة الرئيس برهم صالح الذي دعا الى تسوية الأزمة بين ايران والولايات المتحدة بالحوار ، وحرص العراق على السلام الشامل في المنطقة وتجنب التوتر. واستعداد بغداد للقيام بوساطة بين اطراف الأزمة، وقد ربط البعض بين كلمة برهم صالح والزيارة السريعة التي قام بها رئيس الوزراء عادل عبد المهدي الى السعودية الاربعاء، وكأن اجواء نيويورك تدفع كل الاطراف الى انهاء التوتر والاعتراف ببراعة الادارة الايرانية للازمة وتحويلها الخطر الى فرصة للمرة الالف ، فالايرانيون مع حياكتهم لخطوط مفاوضات مستقبلية كانوا يعمدون بثبات الى تحسين موقفهم التفاوضي بالضرب في مناطق الازعاج الرمادية والسوداء بتناوب مدروس ، وهم مدركون بدقة لنقطة ضعف جبهة العدو المتمثلة باعتماد دول الخليج (الفارسي) واسرائيل كليا على مزاج ترامب وغطرسته، في وقت هم يعرفون عدم قدرته على خوض مواجهة سياسية واعلامية صبورة على المدى البعيد نظرا لطبيعته الانفعالية وضيق الوقت، فأن مفاجآت الصراع الانتخابي في اميركا بدأت تجتاح ترامب وتدوخه بشكل مبكر ، ومنها اتهامه بأنه يريد جر اميركا وحلفاءها الى حرب غير مبررة في الخليج (الفارسي)، ومنها اعلان الديمقراطيين في الكونغرس بدء اجراءات اقالة ترامب من منصبه على خلفية كشف مكالمة ترامب مع نظيره الاوكراني والاستعانة به لتفعيل ملف قضائي في اوكرانيا يتعلق بابن جو بايدن منافسه الديمقراطي الاقوى من اجل اسقاطه، وسوف تشهد الايام المقبلة مناظرات بين الحزبين يستعد لها الديمقراطيون بقوة لكشف ملفات ستضع ترامب في اكثر من مأزق، اذن يبدو وضع ترامب الحالي غير ملائم للمضي قدما في مغامرته مع ايران واصبح مرجحا ان الأزمة تسير نحو التهدئة وكانت اجتماعات الجمعية العامة في نيويورك قد اظهرت على هامشها هذا التحول المهم.
بقلم / حافظ آل بشاره