كل هذا البلاء والعناء وما زال هناك من ينتظر أن تثمر شجرة الزقوم عنبا ورمانا ولحم طير مما يشتهون!!.
أمتنا حلت بها الشيخوخة المبكرة من هول ما لاقته من الطغاة المجرمين إلا أنها لم تمت فكانت بحق كما قال سبحانه (يوما يجعل الولدان شيبا).
من لا يصدق أن أمتنا شاخت مبكرا وربما ماتت فليقرأ قوله تعالى (اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ).
جاء صعود نجم الخليج بثرائه النفطي وقحطه الأخلاقي ثمرة مباشرة للهزيمة المرة التي منيت بها مصر عام 67 ومن ثم فشل الرهان الناصري على صعود قومي من المحيط إلى الخليج–لبيك عبد الناصر- والنتيجة من يومها وإلى الآن خريف صهيوهابي ما يزال متربعا على عرش القوة في المنطقة وإلى أجل لا نراه بعيدا!!.
حاول سدنة الخريف الصهيوهابي الطويل خلال الأربعين عاما الماضية وتحديدا منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران إعادة الإمساك بكامل خيوط القوة عبر الحروب المتوالية إلا أن شيئا من ذلك لم ينجح في تحقيق هذه الغاية.
بقي خليج النفط مصدرا رئيسا للثروة في المنطقة والعالم وهو ما أدى لاجتماع الطامعين والناهبين والحالبين حول الضرع الخليجي, مما ساعد على تنامي وهم القوة الزائف لدى مبس ومبز وهو ما جرهم للانتحار على أبواب صنعاء.
الذي منح شيوخ الخليج هذا الإحساس ودفعهم لخوض هذه المغامرة الانتحارية الفاشلة كان رغبتهم في تكريس أنفسهم كلاعبين أقوياء وكبار وسط عالم من الضعفاء خاصة بعد هزيمة 1967 التي كرستها معاهدات السلام المشئومة مع الكيان الصهيوني وكأن هذا حق طبيعي ومنطقي بخلاف الحقائق فامتلاك الثروة لا يمنح صاحبه القوة اللازمة لفرض إرادته على من حوله.
من الطبيعي وقد أحس الحلف الصهيوهابي بالخطر الذي تمثله إيران وحلفاؤها الطبيعيين أن يندفع للإمساك بما اعتقدوه الفرصة الأخيرة بدلا من انتظار الموت وتقديم (تنازلات) تدريجية مثل القبول بدور لأنصار الله في اليمن أو الكف عن محاولاتهم العبثية للقضاء على حزب الله في لبنان وغيرها من (التنازلات) التي لا تعدو كونها تسليما بالواقع ورضى بالقضاء والقدر فليس بوسع آل سعود ولا غيرهم معاندة حركة التاريخ أو افتراض أن الرضوخ للوهابية ولو تلك المعدلة هو قدرنا الذي يرد!!.
لم تنبع الرغبة في تدمير إيران من مجرد أسباب عقائدية بل من الرعب الشديد من ظهور نظام منافس بديل يحل محل النظام الناصري الذي لم يصمد أمامهم طويلا (15 عام فقط)قبل أن يجهز عليه الحلف الصهيوهابي.
بعد الضربة القاصمة التي تلقتها المملكة الوهابية في أبقيق دخل الخليج إلى مرحلة التشقق والانهيار بعد أن سقطت هيبة المملكة وفقدت قدرتها على التحكم في أسعار النفط الذي طالما استخدمته كسلاح لتأديب المتمردين على الهيمنة الأمريكية!!.
المملكة الوهابية هي قاطرة الخليج بأسره وهزيمتها تعني انهيار هذه المنظومة التي خلفها الإنجليز وراءهم وقد أضحى انهيارها مسألة وقت ليس إلا.
ليس فقط هذه المنظومة هي التي ستنهار بل ستأخذ معها كل توابعها الذين راهنوا على الدعم الخليجي وهو ما ينبغي التحسب له منذ الآن.
لم يعد الخليج حلم الباحثين عن الثراء أو حتى فرصة كسب للرزق وهذا مآل طبيعي لتاريخ حافل بالجرائم والقتل وسفك الدماء، لم يستثن أحدا ولا حتى حجاج بيت الله الحرام ولا حرمات المسلمين أو مراقد أهل البيت عليهم السلام فقد جمع هؤلاء في سجلاتهم شتى صنوف الإجرام وكان من الحتمي أن يلحق بهم العقاب الإلهي المستحق.
ولكم أن تتخيلوا المشهد السياسي في المنطقة بل في العالم كله بعد خروج آل سعود مهزومين في هذه الحرب – هذا لو اكتفى آل سعود بما تلقوه من ضربات وأوقفوا حربهم الآن ولا أراهم يفعلون!!.
وإذا كانت هزيمة مصر عام 1967 قد رسمت خارطة المنطقة والعالم لأكثر من خمسين عاما فما بالك بهذا الحدث المزلزل؟!.
إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا قريبا!!.
(وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ * فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ * وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ *أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ * فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ).
دكتور أحمد راسم النفيس