مكان الواقعة
حصلت المعركة بين جيش مسلم بن عقبة والثائرين على ظلم يزيد بن معاوية في منطقة الحَرّة منطقة من مناطق المدينة المنوّرة، ولذلك سُمّيت الواقعة بواقعة الحَرّة.
تاريخ الواقعة
۱۳ محرّم ۶۳ﻫ.
وفد المدينة إلى يزيد بن معاوية
على أثر الأخبار التي وردت إلى المدينة المنوّرة والتي تتحدّث عن استهانة يزيد بالإسلام والمسلمين، ذهب وفد من أهل المدينة برئاسة عبد الله بن حنظلة الأنصاري ـ الذي يُعرف أبوه بغسيل الملائكة ـ إلى مقرّ الحكومة في الشام، واطّلعوا على أعمال يزيد عن قرب، ورأوا بأعينهم ما يقوم به من هتك لحرمة الإسلام والمسلمين.
رجوع الوفد إلى المدينة
عاد الوفد إلى المدينة المنوّرة ونقلوا لأهلها ما شاهدوه في الشام، وأخذوا يحثّون الناس على الثورة والتمرّد على يزيد، فوقف عبد الله بن حنظلة ـ وكان شريفاً فاضلاً عابداً ـ أمام أهل المدينة وخاطبهم: «فوالله ما خرجنا على يزيد حتّى خفنا أن نُرمى بالحجارة من السماء، إنّه رجل ينكح الأُمّهات والبنات والأخوات، ويشرب الخمر، ويدع الصلاة»(۱).
محاصرة الثوّار والي المدينة
اجتمع الثوّار وقرّروا محاصرة والي المدينة الأُموي عثمان بن محمّد بن أبي سفيان، وكذلك دور بني أُميّة الذين استنجدوا بالإمام زين العابدين(عليه السلام)، ووضعوا نساءهم وأطفالهم في بيته لحمايتهم من الأذى، ففتح الإمام(عليه السلام) لهم بيته وآواهم.
إرسال الجيش الأُموي
وصلت أخبار الثورة في المدينة إلى مسامع يزيد، فأرسل جيشاً بقيادة مسلم بن عقبة المزني لإخماد الثورة، ومعه ثلاثين ألف مقاتل، وأوصاه بما يلي: «ادعُ القوم ثلاثاً، فإن أجابوك وإلّا فقاتلهم، فإذا أُظهرت عليهم فأبحها ـ أي المدينة المنوّرة ـ ثلاثاً، فما فيها من مال أو رقّة أو سلاح أو طعام فهو للجند»(۲).
وصول الجيش الأُموي
وصل الجيش إلى المدينة المنوّرة، ودار قتال عنيف بين الثوّار المدافعين عن الإسلام، وبين الجيش الأُموي، فاستُشهد أغلب المدافعين، ومنهم القائد عبد الله بن حنظلة، وطبقاً لأوامر يزيد أمر مسلم بن عقبة جنوده باستباحة المدينة المنوّرة، فهجموا على بيوت الناس الآمنين، وقاموا بقتل الأطفال والنساء والشيوخ، وأسروا آخرين.
نتائج الواقعة
كانت النتائج النهائية لهذه الواقعة المأساوية كما يلي:
۱ـ إبادة مَن حضر من البدريين بالكامل.
۲ـ أُبيد من قريش ومن الأنصار سبعمئة رجلاً.
۳ـ أُبيد من الموالي والعرب عشرة آلاف.
فضائح الجيش الأُموي
روى المؤرّخون في الفضائح التي قام بها جيش مسلم بن عقبة الشيء الكثير، منها: أنّ جنوده وقعوا على النساء، حتّى قيل: إنّه حملت ألف امرأة في تلك الأيّام، وعن هشام بن حسّان: «ولدت ألف امرأة من أهل المدينة من غير زوج»(۳).
وقال أبو معشر: دخل رجل من أهل الشام على امرأة نفساء من نساء الأنصار ومعها صبي، فقال لها: هل من مال؟ قالت: لا والله ما تركوا لي شيئاً، فقال: والله لتخرجن إليّ شيئاً أو لأقتلنّك وصبيّك هذا.
فقالت له: ويحك إنه ولد ابن أبي كبشة الأنصاري صاحب رسول الله(صلى الله عليه وآله)، ولقد بايعت رسول الله(صلى الله عليه وآله) معه يوم بيعة الشجرة على أن لا أزني ولا أسرق ولا أقتل ولدي ولا آتي ببهتان افتريه، فما أتيت شيئاً، فاتّق الله. ثمّ قالت لابنها: يا بني، والله لو كان عندي شيء لافتديتك به.
قال: فأخذ برجل الصبي والثدي في فمه، فجذبه من حجرها فضرب به الحائط، فانتثر دماغه في الأرض، قال: ولم يخرج من البيت حتّى أسود وجهه، وصار مثلاً(۴).
البيعة للطاغية يزيد
دعا مسلم الناس إلى البيعة ليزيد على أنّهم خول له، يحكم في دمائهم وأموالهم وأهليهم ما شاء، فمَن امتنع من ذلك قتله، وطلب الأمان ليزيد بن عبد الله بن ربيعة بن الأسود، ولمحمّد بن أبي الجهم بن حذيفة، ولمعقل بن سنان الأشجعي، فأُتي بهم بعد الوقعة بيوم، فقال: بايعوا على الشرط، فقال القرشيان: نبايعك على كتاب الله وسنّة رسوله، فضرب أعناقهما. فقال مروان: سبحان الله! أتقتل رجلين من قريش أُتيا بأمان؟ فطعن بخاصرته بالقضيب، فقال: وأنت والله لو قلت بمقالتهما لقتلتك!(۵).
وعندما جيء إليه بالإمام زين العابدين(عليه السلام) لم يطلب منه البيعة، بناءً على وصية كان قد أوصاه بها يزيد بن معاوية، الذي يبدو أنّه لم يرد أن يجدّد الوقائع الأليمة، التي ظلّت في أذهان المسلمين عمّا أوقعه بآل البيت(عليهم السلام) في كربلاء من القتل والأسر.
مخالفة وصيّة النبيّ(صلى الله عليه وآله) بأهل المدينة
خرج جيش مسلم بن عقبة من المدينة المنوّرة محمّل بالغنائم بعد أن اعتدى على أعراض النساء، متّجهاً نحو مكّة، ضارباً عرض الجدار وصيّة النبيّ(صلى الله عليه وآله) بمدينته الحبيبة، حيث قال(صلى الله عليه وآله): «مَن أخاف أهل المدينة ظلماً أخافه الله، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً»(۶).
اعتراف ابن كثير بخطأ يزيد
قال ابن كثير في البداية والنهاية: «وقد أخطأ يزيد خطأً فاحشاً في قوله لمسلم بن عقبة أن يبيح المدينة ثلاثة أيّام، وهذا خطأ كبير فاحش، مع ما انضم إلى ذلك من قتل خلق من الصحابة وأبنائهم، وقد تقدّم أنّه قتل الحسين وأصحابه على يدي عبيد الله بن زياد.
وقد وقع في هذه الثلاثة أيّام من المفاسد العظيمة في المدينة النبوية ما لا يُحدّ ولا يُوصف، ممّا لا يعلمه إلّا الله عزّ وجلّ، وقد أراد بإرسال مسلم بن عقبة توطيد سلطانه وملكه، ودوام أيّامه من غير منازع، فعاقبه الله بنقيض قصده، وحال بينه وبين ما يشتهيه، فقصمه الله قاصم الجبابرة، وأخذه أخذ عزيز مقتدر»(۷).
ــــــــــــــــــــــــ
۱٫ تاريخ مدينة دمشق ۲۷ /۴۲۹.
۲٫ تاريخ الطبري ۴ /۳۷۲.
۳٫ عمدة القاري ۱۷ /۲۲۰. البداية والنهاية ۸ /۲۴۱.
۴٫ الإمامة والسياسة ۱ /۱۸۴.
۵٫ الكامل في التاريخ ۴ /۱۱۸.
۶٫ مسند أحمد ۴ /۵۵. المعجم الكبير ۷ /۱۴۳.
۷٫ البداية والنهاية ۸ /۲۴۳.
بقلم: محمد أمين نجف