قُتل خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول، بالثاني من أكتوبر الماضي، في قضية هزت الرأي العام الدولي وأثارت استنكاراً واسعاً لم يتوقف حتى اليوم، في وقت لا تزال فيه المملكة تتحفظ على ذكر مكان الجثة.
وقبل أشهر نشرت المفوضية الأممية لحقوق الإنسان تقريراً أعدته مقررة الأمم المتحدة الخاصة بالإعدام خارج نطاق القضاء، أغنيس كالامارد، من 101 صفحة، حمّلت فيه كبار المسؤولين في السعودية المسؤولية عن قتل خاشقجي عمداً.
وأكدت المقررة الأممية وجود أدلة موثوقة تستوجب التحقيق مع مسؤولين سعوديين كبار، بينهم ولي العهد محمد بن سلمان. وذكر التقرير أن "مقتل خاشقجي يعد إعداماً خارج نطاق القانون، تتحمل مسؤوليته السعودية".
كما أوضحت أن العقوبات المتعلقة بمقتل خاشقجي يجب أن تشمل ولي العهد السعودي وممتلكاته الشخصية في الخارج، داعية الرياض إلى الاعتذار من أسرة خاشقجي أمام الرأي العام، ودفع تعويضات لها.
وفي احدث تطورات القضية نشرت صحيفة "صباح" التركية تسريبات تتعلق بالتحقيقات من الجانب التركي، ومنها ما نشرته، يوم أمس الأربعاء، عن شهادة من مواطن سعودي قدمها في السفارة التركية في العاصمة الأيرلندية دبلن.
وأوضحت الصحيفة، أن أحد المواطنين السعوديين اتّصل، بعد جريمة قتل خاشقجي في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، بالسفارة التركية في دبلن، لتقديم شهادته بعد معلومات حصل عليها من أصدقائه العاملين في الاستخبارات السعودية، مبيناً أنّ أوامر ارتكاب جريمة خاشقجي أُصدرت من ولي العهد السعودي.
وفي التفاصيل التي رواها أنّه "قبل أسبوع من قتل حاشقجي، وصل إلى تركيا طبيب سعودي اختصاصي تخدير يُدعى صالح الناشع، ودخل بجواز سفر أردني مزوّر، وأجرى تحضيرات للمواد الطبية التي يحتاج إليها لتنفيذ الجريمة، وبعدها بأسبوع وصل سعود القحطاني إلى تركيا، وفي الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول، أُدخل خاشقجي إلى الغرفة، ومن أجل تخديره، حقن بـ100 مليغرام من من الـ"كيتامين"، وبعدها بـ5 مليغرامات من الـ"ميدازولام"، وأخيراً بـ200 مليغرام من "البروبوفول".
وأضاف: "على الرغم من هذه الأدوية لم يتمكنوا من تخديره، وقد تقيأ خاشقجي نتيجة "البروبوفول".
ولفتت الصحيفة إلى أنّ الشخص المعترف قال بعدها: "لم يكشف لي أصدقائي بعدها تفاصيل ما حدث".
واضاف الشاهد السعودي أنّ "الاستخبارات السعودية كانت على دراية وبتعاون مع الجريمة"، وادعى أنّ بن سلمان "كان يفضّل أن يتم تخدير خاشقجي ونقله كما جرت عمليات اختطاف المعارضين في أوروبا، ولكن لم يتم ذلك"، مبيّناً أنّ خاشقجي اتُهم بأنّه عميل مزدوج سعودي أمريكي، كُلّف بالتقرب والدخول إلى جماعة "الإخوان المسلمين"، ولكن مع بدء انتقاد السلطات السعودية، "صدر قرار قتله من قبل محمد بن سلمان"، حيث تم إدراج هذه المعلومات في أرشيف الاستخبارات التركية، مع الحاجة للتأكد منها، وفق الصحيفة.
ولفتت الصحيفة إلى أنّ المعلومات الواردة أيضاً من المحاكمة التي جرت قبل أشهر في السعودية، تظهر سلسلة من الأكاذيب أوردتها الاستخبارات السعودية من أجل حماية بن سلمان، فوجهت التهم لعناصر منهم "بقتل مواطن دون سبب، وتقديم تقارير كاذبة، وتضليل السلطات السعودية، واستخدام المنصب لغايات سيئة، وخيانة الأمانة".
واستدركت أنّ محاولات حماية بن سلمان والعسيري، تدحضها التسجيلات الصوتية لما قبل الجريمة بساعة في القنصلية، حيث تكشف كيفية القتل وآلية التخلص من الجريمة، كما أنّ كاميرات المراقبة في مطار أتاتورك، تؤكد وصول المتهم المسؤول عن فريق الاغتيال منصور أبو حسين، مع مسؤول الاستخبارات السعودية في تركيا أحمد المزيني.
وتوعدت الصحيفة بنشر تسريبات جديدة في الأعداد القادمة عن التحقيقات الجارية، ومنها تفاصيل التحقيقات التي جرت في ولاية يالوفا المجاورة لإسطنبول، حيث ظهرت مزاعم بدفن الجثة بإحدى الفيلات في تلك الولاية.
كما كشفت صحيفة "صباح" يوم الثلاثاء، عن تفاصيل جديدة تكشف للمرة الأولى حول ما جرى في القنصلية السعودية بمدينة إسطنبول قبل عملية قتل خاشقجي.
ونشرت الصحيفة الحوارات التي دارت بين أعضاء "فريق القتل" السعودي، بعد العثور عليها من أحد "التسجيلات"، في الفترة الممتدة بين 28 سبتمبر و2 أكتوبر 2018، أي "يوم مقتل خاشقجي".
وتظهر التسجيلات أيضاً حوارات بين أعضاء الفريق حول خطة تنفيذ عملية قتل خاشقجي، بحسب الصحيفة.
وقالت الصحيفة: إن "التسجيلات أظهرت تلقي القنصل العام السعودي محمد العتيبي أوامر حول جريمة القتل من مكتب المستشار السابق في الديوان الملكي السعودي سعود القحطاني".
وذكرت أن "الموظف في القنصلية السعودية، شفيع المزيني، قام بإرسال رمز عاجل إلى الرياض، عند حضور جمال خاشقجي إلى القنصلية يوم 28 سبتمبر 2018".
وتابعت أن "حواراً جرى بين المزيني وقائد مجموعة التفاوض في الفريق ماهر المطرب، في الساعة 14:22 و 14:27 من اليوم نفسه".
وأكدت الصحيفة أنه "قبل يوم واحد من وصول خاشقجي، أي في 27 سبتمبر 2018، قامت وحدات استخباراتية تقنية بإجراء فحص تقني داخل القنصلية السعودية، بحثاً عن "أجهزة تنصت"، لكنها لم تعثر عليها".
ودعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في يونيو الماضي، لمحاسبة قتلة خاشقجي من أعلى الهرم إلى أسفله وإلى ضرورة عدم تغييب قضية مقتل خاشقجي عن الأجندة الدولية.
وكشفت وثيقة إماراتية سرية مستندة إلى تقييمات ومعلومات المخابرات الإماراتية، إن بن سلمان، الذي خلصت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) والمحققون الأتراك إلى أنه أمر بقتل خاشقجي، يريد إغلاق هذا الفصل في أقرب وقت ممكن قبل بدء حملة إعادة انتخاب ترامب.
يشار إلى أن ترامب دعم بن سلمان في خضم الضجة الدولية التي أعقبت مقتل خاشقجي ورفض طلبا من الأمم المتحدة لإجراء تحقيق من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) في مقتله، قائلا إنه سيعرض مبيعات أسلحة واشنطن للخطر.
وتكشف الوثيقة الإماراتية أن الجهود السعودية لإغلاق القضية تتركز على إقناع أبناء خاشقجي بقبول الدية (التسوية المالية) وبالتالي التخلي عن حق "القصاص" من قتلة والدهم.
وأشارت إلى أن السلطات السعودية تخطط أيضا لاستغلال فتاوى السلطة الدينية في المملكة لإغلاق القضية.