أردوغان يعلم أن إنشاء مثل هذه المنطقة يعدّ أمراً محفوفاً بالمخاطر والخوض في غمار هذا الموضوع قد يكلف الجانب التركي الكثير الكثير، ولكن أردوغان عالق بين فكي كماشة، وبين مجموعة خيارات أحلاها مرُّ، فمن جهة الجيش السوري يتقدّم نحو إدلب وهو يعلم أن تحرير هذه المدينة أصبح قاب قوسين أو ادنى، وأن الجماعات المسلحة التي يدعمها لن تستطيع إيقاف تقدّم الجيش السوري، خاصة أن حلفاء دمشق يقفون إلى جوارها في عملية تحرير إدلب، ومن جهة أخرى أمريكا لا تريد أن يقضي اردوغان على الأكراد لكونهم حليف واشنطن الرئيس في سوريا وورقتها الأخيرة، وأي مساس بهم سيعرّض العلاقة التركية الأمريكية لخطر محتوم، وقد قالها الرئيس الأمريكي دونالد صراحة في تصريحاته، عندما غرد على التويتر، قائلاً: "سندمّر تركيا اقتصادياً إذا هاجمت الأكراد".
من جهة أخرى لا يستطيع أردوغان مواجهة الجيش السوري بشكل مباشر، لان هذا الأمر سيكلفه الكثير من الضحايا وبالتالي سينعكس هذا الأمر عليه مباشرة في الداخل التركي، خاصة وأنه لم يعد يملك نفس الشعبية التي كان يملكها قبل عدة سنوات وانتخابات اسطنبول خير دليل على ذلك، ومن جهة ثانية يشكل اللاجئون ضغطاً كبيراً عليه، وفي حال حرر الجيش السوري محافظة إدلب بالكامل سيكون أردوغان في ورطة حقيقية، في حال نزح عدد كبير من السوريين نحو الأراضي التركية، لذلك هدد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بإعادة فتح الطريق أمام المهاجرين إلى أوروبا، إذا لم تحصل أنقرة على الدعم الكافي لخطتها لإقامة منطقة آمنة شمال سوريا.
وبخصوص تقدّم الجيش السوري نحو إدلب رجّحت وكالة الأناضول التركية خلال خبر تحليلي أن يكون القرار الروسي بوقف إطلاق النار، جاء نتيجة للضغوط التركية، خلال زيارة الرئيس رجب طيب أردوغان الأخيرة لموسكو، وليس تماشياً مع رغبة المبعوث الأممي جير بيدرسون، الذي طالب من خلال إحاطته لمجلس الأمن، بوقف إطلاق النار والبدء بالعملية السياسية.
وخوف اردوغان من تحرير إدلب دفعه للقول، إن إدلب تتعرّض لسيناريو مشابه لما تعرّضت له مدينة حلب نهاية 2016.
وأضاف، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء التشيكي أندري بابيس في أنقرة: "إدلب تتعرض للتدمير رويداً رويداً، فكما دمّرت حلب وسوّيت بالأرض فإن إدلب تتعرض لسيناريو مشابه وبنفس الطريقة".
وأضاف: "لسنا بصدد طرد اللاجئين عبر إغلاق أبوابنا، لكن كم سنكون سعداء لو نستطيع المساعدة في إحداث منطقة آمنة (في سوريا) وننجح في ذلك".
وكان مركز المصالحة الروسي قد أعلن دخول وقف إطلاق النار في إدلب حيّز التنفيذ ابتداءً من السبت الماضي.
وحول المنطقة الآمنة أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عزم بلاده على البدء فعلياً بإنشاء المنطقة الآمنة شرق الفرات بسوريا حتى الأسبوع الأخير من شهر سبتمبر.
وقال أردوغان: "مصممون على البدء فعلياً بإنشاء المنطقة الآمنة شرق الفرات بسوريا وفق الطريقة التي نريدها، حتى الأسبوع الأخير من شهر سبتمبر/أيلول".
وأوضح أردوغان أن أنقرة ترغب في إنشاء المنطقة الآمنة بالتنسيق مع واشنطن، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن تركيا ستقوم بما يلزم بإمكاناتها في حال تعثّر التنسيق بين تركيا وأمريكا.
اتفاق واشنطن وأنقرة على إقامة منطقة آمنة شمال سوريا يبقي الكثير من الأسئلة دون إجابة، فبينما يتحدّث مراقبون عن كونها فرصة "لتخلص" تركيا من لاجئيها السوريين، يخشى الأكراد تبادلاً سكانياً يغيّر مستقبل المنطقة على المدى الطويل.
ويرى الأكراد أن تركيا تحاول اللعب بالنار والقيام بسيناريو مشابه لما حصل في عفرين وتوسيع حدودها واستغلال الحرب في سوريا لمصالحها الخاصة.
ويخشى الأكراد في شمال سوريا وحكومة دمشق من أن هجوماً عسكرياً جديداً سيكون هدفه إعادة توطين سكان المنطقة.
ولا تزال ذكريات ما حدث في عفرين حاضرة في أذهان ساكنيّ الشمال السوري، وهو آخر هجوم عسكري تركي جرى في كانون الثاني/ يناير 2018 على المدينة الواقعة في الجزء الغربي من شمال سوريا.
يتذكر محمد بكير، المحلل في مركز "روش آفا" للدراسات الاستراتيجية، الأثر المدمّر لهذه العملية العسكرية بالقول: "بعد العملية العسكرية كانت هناك عمليات خطف وطلب فِدى ونهب وسلب، حيث طُرد الأكراد من مدينة عفرين واُستبدلوا بعائلات الجهاديين".
ويوضح بكير أن هذا التبادل السكاني يمكن أن يدمّر الاستقرار والأمن في المنطقة على المدى الطويل.
في مقابل ذلك يبدو أن واشنطن وأنقرة لم تتفقا على مساحة المنطقة العازلة، فقد قال وزير الدفاع التركي أكار مطلع الأسبوع الحالي أن المنطقة يجب أن يتراوح عمقها بين 30 و40 كيلومتراً، وهو ضعف ما أعلنت عنه واشنطن.
موقع "الوقت"