كربلاء صحراء قاحلة تفتقر الى ابسط مقومات الحياة احيتها دماء الطهر والفضيلة والرشاد..! الارض تكتسب قدسيتها من خلال مواقف ساكنيها! بامكانها ان تبني مجدا خالدا وتؤسس لحضارة عريقة او أن تعيش في واد الذل والهوان تفتقد الى الروح الحية التي تنجب الشهداء وتعانق القمم الشماء!
اختلط الدم الزاكي المراق ظلما سنة احدى وستين للهجرة مع تراب تلك الارض فاهتزت وربت وأنبتت من كل رحم طاهر زكي حرا أبيا يأبى الظلم والقهر والاستبداد ويروم الحرية والانعتاق!
في اليوم العاشر من شهر محرم الحرام وقف الركب الحسيني المؤلف من اثنين وسبعين راجلا وفارسا مع ثلة من اهل بيت النبوة يقودهم سيد الشهداء وسبط الرسول وابن الوصي وقرة عين البتول، وقف امام جيش عرمرم يقدر بأكثر من ثلاثين الفا مؤججا بالسلاح جهزه طاغية العصر الدعي ابن الدعي عبيد الله ابن زياد يروم البيعة لسيده يزيد بخلافة المسلمين بالقوة والاكراه..!
وقف الامام الحسين عليه السلام لالقاء الحجة على القوم الذين أبوا الانصياع لصوت الحق والاستماع الى خطبه وخطب اصحابه الذين انذروا القوم بغضب الجبار المتعال ان اقدموا على ارتكاب حماقتهم بقتل سيد شباب اهل الجنة والامام المفترض الطاعة الحسين عليه السلام!
فكأنما اراد الله تعالى أن يظهر حقيقة ايمانهم المزيف فختم على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة! فتمادوا وطغوا وارتكبوا ابشع جريمة في التاريخ البشري، عند ذلك لم يبق للحسين عليه السلام خيارا الا المواجهة فنادى باصحابه الميامين قوموا الى الموت الذي لابد منه يرحمكم الله!
ثلاث ساعات فقط من بعد ظهر عاشوراء حسمت الموقف وانتهى كل شي! ثلاث ساعات غيرت وجه التاريخ وقلبت صفحاته، ترجمت ما جرى من قتل وحرق للخيام وسبي لال بيت المصطفى عليهم صلوات ربي في مواقف مفجعة تدمي القلوب وتدمع العيون!
ثلاث ساعات اختصرت المسافات وقربت الزمن رسم فيها ابطال الوغى ورجال الميدان لوحة العز والشرف والتضحية والاباء لوونوها بلون دمهم الزاكي لتبقى حية خالدة في قلب كل حر شريف! ولتثبت للاجيال ان الانسان مهما طغى وتجبر فأنه ماّله الهلاك والسقوط يلعنه الله ويلعنه اللاعنون!
أن للحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تخمد أبدا، قول الوحي الرسالي الخالد جده الرسول الاكرم صلى الله عليه واله!
فالحسين عليه السلام الامتداد الطبيعي لرسالة جده الخاتمة... لن ولم يتمكن كل زنيم وطاغ أن ينال منها مهما أوتي من قوة لان الله تعالى تكفل بها وبحفظها الى يوم الدين.
أما مواقف وريثة الشرف وربيبة العز وصوت الحسين الهادر اخته العقيلة الشامخة زينب الكبرى ذكرها التاريخ بكل شرف وسجد اىمؤرخون لها بكل فخر، زينب عليها سلام الله بالرغم من مصابها الجلل وقفت بكل أقتدار على جسد اخيها السبط الشهيد في ظهيرة يوم عاشوراء رافعة يديها الى السماء... ربنا إن كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى! إنه العشق والذوبان في ذات الله! زينب بنت الليث العلوي والسيف البتار أمير المؤمنين علي وقفت امام طاغية بني أمية عندما سألها، كيف رأيت صنع الله بكم؟ قالت وكلها ثقة وايمان وكبرياء [مارأيت الا جميلا]!
ستبقى عاشوراء حية في قلوب الاحرار وسيدها السبط الشهيد منارا للثوار وتبقى زينب قدوة وأسوة لكل النساء تشع بنور جدها وأبيها وتنير موقفها صحف التاريخ بنور الصبر والبلاء والمحن والتضحية والفداء، ويبقى نور أخيها ودمه الزاكي صرخة الحق على مدى الزمان.
طارق الخزاعي