ويعتبر هذا القرار من أهم قرارات السيادة والاستقلال الوطني في تاريخ مصر والشعوب العربية والإفريقية التي كانت تتطلع للتحرر من قيود الاستعمار الغربي المقيت.
وكانت عملية تأميم قناة السويس في 28 تموز/ يوليو 1956 ردا على قرار القوى الدولية وفي مقدمتها الولايات المتحدة وبريطانيا والبنك الدولي بسحب مشروع تمويل السد العالي، في وقت كانت فيه مصر بأمس الحاجة لبناء السد العالي، وذلك للأسباب التالية، وأهمها:
1 ـ بحسب الإحصائيات حينذاك كان أكثر من 70 في المئة من بيوت مصر تعاني من الظلام ولم يصلها الكهرباء.
2 ـ احتياج مصر للطاقة الكهربائية وذلك لإنجاز المشروعات الاقتصادية كمشاريع مصانع الحديد والصلب وغيرها من المشروعات.
3 ـ زيادة حجم الرقعة الزراعية أيضا مع تزايد أعداد المصريين.
4 ـ إنقاذ محافظات مصر من موجات الفيضان التي كانت تهدم قرى بأكملها في موسم الفيضان.
فكان مشروع بناء السد العالي ذا أولوية بالغة وهو ما عرضت الولايات المتحدة في بادئ الأمر تمويل المشروع ثم انسحبت.
وعقب انسحاب واشنطن بأيام انسحبت بريطانيا والبنك الدولي من المشروع بعد محاولتهم فرض وصايا على الدولة المصرية في قراراتها السياسية والاقتصادية.
قرار الانسحاب الغربي من مشروع بناء السد العالي اعتبرته مصر إهانة لا يمكن القبول بها، وعلى خلفية هذه الإهانة قرر الزعيم الراحل جمال عبد الناصر تأميم شركة قناة السويس البحرية لتكون شركة مساهمة مصرية لتمويل مشروع بناء السد العالي.
فكرة إنشاء قناة السويس لتربط بين البحرين المتوسط والأحمر لم تكن فكرة وليدة عهد سعيد باشا نجل محمد علي باشا في منتصف القرن التاسع عشر، وإنما هي فكرة قديمة إعادة الحملة الفرنسية طرحها مع احتلالها مصر في عام 1798 إلا أن المشروع توقف بعد توصية من مهندسي الحملة استندت إلى أن منسوب البحر الأحمر أعلى من نظيره المتوسط بحوالي متر ونصف المتر الأمر الذي قد يترتب عليه أن تغرق مصر في حالة حفر تلك القناة.
وعقب نجاح محمد علي في تثبيت أركان حكمه في مصر أعاد عدد من المهندسين الفرنسيين طرح الفكرة عليه وحينها وافق محمد علي بشرطين الأول أن تضمن القوى الدولية حيادية الملاحة في قناة السويس وأن تكون بعيدة عن كل الصراعات.
ثاني شروط محمد علي تمثل في أن تقوم مصر بتمويل مشروع القناة من خزانة الدولة المصرية وتكون القناة مصرية خالصة بنسبة مئة في المئة وهو ما رفضته القوى الغربية الرفض الغربي رد عليه محمد علي بعبارته التاريخية "لا أريد بسفورا في مصر".
يعتبر مضيق البسفور واحدا من أهم المضايق المائية في العالم وشهد صراعا كبيرا بشأنه بين القوى الاستعمارية على عهد ترنح الدولة العثمانية وبداية انهيارها".
وبعد وفاة محمد علي ووصول محمد سعيد باشا إلى الحكم نجح صديقه ديليسبس في إقناعه بفكرة إنشاء قناة السويس وتم إنشاء القناة بسواعد مصرية حيث اشترك في حفر القناة نحو 25 في المئة من أبناء مصر.
وعقب افتتاح القناة التي سال في مجراها المائي دماء 120 ألف شاب مصري قبل أن تسيل في المياه بدأت الضغوط الدولية على نظام الخديو إسماعيل والذي استدانت مصر على عهده مبالغ طائلة من القوى الغربية تتزايد وترتب على ذلك بأن باعت مصر حصتها في قناة السويس لتسديد ديونها.
وفي مطلع القرن العشرين وفي عام 1910 حاولت الشركة مد امتياز سيادتها على قناة السويس، وهو ما تصدت له القوى الوطنية بزعامة محمد فريد، وتم على أثار ذلك اغتيال بطرس غالي الذي كان يدعم فكرة مد الامتياز للشركة الأجنبية لمدة 50 عاما تنتهي في عام 2008.
وكلف البرلمان حينها كلا من طلعت باشا حرب وسمير باشا صبري بوضع تقرير حول مد الامتياز وقام حرب وصبري بالتصدي لهذه الجريمة بحسب تعبيرها وأجهدا المشروع بعد الحملة التي قام بها محمد فريد في أوروبا ضد تلك الفكرة.
وتستمر حلقات نضال الشعب المصري للحفاظ على حقوقه المسلوبة وفق إعلان الرئيس جمال عبد الناصر تأميم قناة السويس حاول القوى الغربية عقد العديد من المؤتمرات في اغسطس وسبتمبر عام 1956 لحصار مصراقتصاديا وإجبارها على إلغاء قرار التأميم وهو ما رفضه ناصر مرددا أعمال التأميم من أعمال السيادة ولا يحق لأي شخص التدخل في السيادة المصرية.
وفي نهاية أكتوبر 1956 شنت كلا من فرنسا وبريطانيا وإسرائيل عدوان على مصر وهو ما عرف بالعدوان الثلاثي وانتفضت مصر جيشا وشعبا ليتصدوا لذلك العدوان وإجهاض المؤامرة الفرنسية البريطانية الإسرائيلية على مصر.
ومع صمود مصر في مواجهة العدوان عليها أعلنت روسيا أنها سوف تتدخل لإجبار كل من بريطانيا وفرنسيا على إنهاء العدوان على مصر وهنا تحركت الولايات المتحدة لتجبر حلفاءها على قبول وقف إطلاق النار ووقف العدوان على مصر لإضاعة الفرصة على الاتحاد السوفيتي كي لا يوقع هزيمة نكراء بحق واشنطن.
وبذلك تكون العبارة التي رددها الشعب المصري "تأمم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية"، واحدة من أهم العبارات في تاريخ هذا الشعب الأبي.
من هذا التاريخ يجب على شعوبنا الاسلامية ان تأخذ الدروس والعبر، وخلاصة ذلك أن الاستكبار العالمي وعلى رأسه الولايات المتحدة الامريكية وشياطينها في واشنطن لا تريد لهذه الشعوب الخير والتقدم في أبسط الامور بل تعمل على نهب خيراتها وإذلالها.
ويشاهد العالم اليوم السلوك الاجرامي المخالف لكل القوانين الدولية والمصحوب بالخداع السياسي والتشويه الاعلامي للحقائق الذي تمارسه ما يسمى بالقوى الكبرى لاسيما في منطقة غرب آسيا من خلال تجنيد العملاء لتمرير مخططات إستكبارية الغرض منها إذلال الشعوب ونهب الخيرات.
وتتصدى الجمهورية الإسلامية الايرانية كأكبر قوة أقليمية لإفشال هذه الخطط الإستكبارية بالإعتماد على قدرتها الذاتية، ومساندة الشرفاء من أبناء شعوب المنطقة.