ترامب اتّهم الهند بفرض ضرائب عالية على السّلع الأمريكيّة، واليابان بعدم امتلاك السّلاح للدّفاع عن نفسها والاعتماد على الولايات المتحدة مجّانًا، وألمانيا بالشّيء نفسه، وتركيا بشراء صواريخ “إس 400” الروسيّة في تعارض مع السّلاح الأمريكيّ، وخاصّةً طائرة “إف 35” مُهدّدًا بفرض عُقوبات.
استراتيجيّة ترامب المِحوريّة في هذه القمّة مُحاولة إبعاد روسيا عن الصين، وتشكيلها تحالف دوليّ ضد إيران، ولكنّ الخطر الأكبر الذي يُشكّل صُداعًا استراتيجيًّا له ولبِلاده على المدَيين القصير والمُتوسّط هو صُعود الصين كقوّةٍ اقتصاديّة وعسكريّة تُهدّد بإسقاط الولايات المتحدة من عرشها كالقُوّة الأعظم في الوقت الرّاهن.
أمريكا استطاعت الإطاحة باليابان كقُوّةٍ اقتصاديّة مُنافسة، ولكنّها تبدو غير قادرة على فِعل الشّيء نفسه مع الصين، التي يقول خُبراء استراتيجيّون عالميّون إنها ستُصبح القوّة الأعظم عالميًّا وتُزيح أمريكا إلى المرتبة الثانية في غُضون عشر سنوات، أو أكثر قليلًا.
مايك بومبيو، وزير الخارجيّة الأمريكي، يقود التيّار الذي يُطالب بالمُواجهة مع الصين لمنعها من تحقيق هذا الهدف داخِل الإدارة الأمريكيّة، وقام بجولة أوروبيّة الشهر الماضي للتّحذير من هذا الخطر الصيني على العالم الغربي، وقال بالحرف الواحد في مؤتمر صحافي في لاهاي إنّ الصين تُريد أن تكون القوّة الاقتصاديّة والعسكريّة الأعظم المُسيطرة على العالم، خاصّةً في مجالات الاستِطلاعات، وتكنولوجيا الذّكاء الصّناعي، والاتّصالات وضرَب مثَلًا بشركة “هواوي” التي تُشكّل خطرًا جديًّا على الولايات المتحدة.
الصين في المُقابل لم ترفع الرّايات البيضاء في مُواجهة تهديدات ترامب وحربة الاقتصاديّة، وباتت تُركّز على وضع خطّة مُحكمة لإنهاء هيمنة أمريكا ودولارها على اقتصاد العالم، وتسعى لتشكيل تحالف في هذا الصّدد يضُم روسيا والهند وتركيا واليابان التي رفضت مُقاطعة شركة “هواوي” وإن بدرجةٍ أقل.
التّلفزيون الرسمي الصيني بدأ يُهيء مُواطنيه لهذه الحُروب ببث أفلام عن الحرب الكوريّة، أمّا الصّحف الصينيّة، مثل صحيفة الشعب، فتنشر وبصورةٍ لافتةٍ افتتاحيّات تتحدّث عن العدوان الأمريكيّ، وضرورة الدّفاع عن الكرامة الوطنيّة الصينيّة.
لقاء القمّة الذي من المُقرّر أن ينعقد يوم السبت بين الرئيس الصينيّ شي جين بينغ سيكون الأهم، لأنّه سيأتي في ذروة الحرب التجاريّة، وتهديدات ترامب بفرض ضرائب تصل إلى 25 بالمِئة على حواليّ 325 مليار دولار من الصّادرات الصينيّة إلى أمريكا، ووضع شركة “هواوي” العِملاقة على القائمة السّوداء، ممّا أدّى إلى انخفاض مبيعاتها بحواليّ 40 بالمِئة.
ترامب مهّد لهذا اللّقاء بإطلاق حملة من الأكاذيب كعادته دائمًا أبرزها القول إنّ الزعيم الصيني طلب هذا اللّقاء لأنّ الاقتصاد الصيني ينهار، بينما يُؤكّد جميع الخُبراء أنّ الاقتصاد الصيني أكثر صلابةً من أيّ وقتٍ مضَى، ولا توجد أيّ مُؤشّرات على هذا الانهِيار.
الخُبراء المُراقبون لهذه القمّة يتوقّعون التوصّل إلى هدنةٍ مُؤقّتةٍ، تُؤجّل الحرب التجاريّة لعدّة أشهر، أمّا حُروب ترامب الأُخرى الأصغر حجمًا ضِد الهند وتركيا وإيران واليابان وألمانيا فمن المُتوقّع أن تعطي نتائج عكسيّة، أيّ توحيد هذه الدول في مُواجهة الغطرسة الأمريكيّة بصُورةٍ أو بأخرى، وعدم التّجاوب مع مساعي ترامب لتشكيل تحالف لخوض حربٍ ضِد إيران، التي قال إنّها ستكون حربًا قصيرةً، مُلمّحًا إلى ضرباتٍ جويّةٍ “جراحيّةٍ” تستهدف بعض المُنشآت النوويّة الإيرانيّة وقواعد للصواريخ الباليستيّة، ولكنّها ضربات لن تكون بدون رد قويّ، مثلما أكّد المسؤولون الإيرانيّون.
الرئيس ترامب يُحاول أن يكون نجم قمّة العشرين بسبب الحرائق التي أشعلها، والعُقوبات التي فرضها هُنا وهُناك، ولكنّنا لا نستبعِد أن تحرق هذه الحُروب أصابعه، وتُوحّد مُعظم هذه الدول التي تُسيطر على 85 بالمِئة من اقتصاد العالم ضِد بلاده وهيمنتها العالميّة، والعِبرة دائمًا بالنّتائج العمليّة على الأرض، وليس للتّهديدات البهلوانيّة.
الرئيس الصيني شي جين بينغ سيكون هو النّجم الحقيقيّ الصّاعد عسكريًّا واقتصاديًّا، وسيتربّع على كُرسي عرش العالم بعد الإطاحة بأمريكا.. والأيّام بيننا.
عبد الباري عطوان - رأي اليوم