الملفت ان تجربة العالم المرة مع الاتفاق النووي الايراني، اثبتت زيف ادعاء الدول التي كانت ومازالت، تزعم الحرص والسهر على النظام الدولي، فهذه الدول وفي مقدمتها أميركا، سقطت سقوطا مدويا في امتحان تحمل المسؤولية الدولية، كما انكشف طغيان وذلة اميركا في آن واحد، طغيان لفرض ارادتها على الالم اجمع انطلاقا من قدراتها الاقتصادية، وذلة لانكشاف حجم هيمنة اللوبي الصهيوني على القرار الاميركي، الى الحد الذي جعل اميركا تابعا للقرار "الاسرائيلي".
يمكن استثناء، ولو بشيء من التسامح، روسيا والصين، من باقي الاطراف الاخرى الموقعة على الاتفاق النووي، بسبب مواقفهما، وان بدت خجولة، من التفرعن الاميركي، اما القوى الاوروبية الثلاث، فرنسا وبريطانيا والمانيا، فقد بدت عارية تماما عن اي غطاء سيادي، وهي تقف امام اميركا، رغم كل ما تملكه من امكانيات اقتصادية، كان يمكن ان تفرض احترامها على اميركا، اذا ما امتلكت بالمقابل ارادة سياسية، او حتى نوايا سلمية في حدودها الدنيا، ازاء الاتفاق النووي.
ايران التي منحت العنجهية الاميركية، والتسويف الاوروبي، والتردد الروسي الصيني، عاما كاملا، لتعيد تلك الاطراف، شيئا من المصداقية لدورها على الساحة الدولية، وان تستعيد شيئا من كرامتها التي داست هي عليها باقدامها، ولكن دون جدوى ، بل ان كل تلك الاطراف استعذبت هذه الادوار، بعد ان اخذت تنظر الى صبر ايران، على انه دثار تغطي به طهران، استسلامها امام اكثر الادارات الاميركية تطرفا وعنصرية وهوسا في فرض ارادتها على الاعداء والاصدقاء.
ايران التي تتسم سياستها بالحكمة والحنكة والكياسة، فاجأت الجميع، باعلانها تقليص التزاماتها الطوعية في اطار الاتفاق النووي، ولم تحسب لا لسوقية ترامب، ولا لجنون مستشاره للامن القومي بولتون، ولا لبلطجة وزير خارجيته بومبيو، ولا لالاعيب الاتحاد الاوروبي، ولا للموقف المتفرج للصين وروسيا، حسابا، منطلقة من مصلحتها القومية، ومتسلحة بالقانون الدولي، وبقوة ردعها.
اتخذت ايران اجراءات تحت سقف الاتفاق النووي، اي انها قلصت تعهداتها بالتزامات تقيدت بها من جانب واحد ، دون ان يفرضها عليها الاتفاق، منها انها ستزيد حجم انتاج اليورانيوم المخصب بنسبة 3.67 الى 4 اضعاف، اي انها ستتخطى مستوى 300 كغم ، وهو مستوى تعهدت ايران بانها لن تتخطاه،، وجرت عمليات صيانة اساسية لمفاعل اراك للماء الثقيل وهو جاهز لزيادة طاقته الانتاجية اكثر من 130 كغم في الفترة المقبلة، اما فيما يخص التخصيب فهناك سيناريوهان اثنان، الاول ان يكون بنسبة اكثر من 3.67 بالمائة لتغطية حاجة مفاعل بوشهر، اي 5 بالمائة، او لتغطية حاجة مفاعل طهران اي 20 بالمائة.
كل هذه الاجراءات التي اتخذتها ايران، لا تنتهك الى الان الاتفاق النووي بشهادة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ويمكن ان تعود عنها، اذا ما نفذت الاطراف الاخرى التزاماتها، وفي حال تمادت اميركا في غيها، والاتحاد الاوربي في تسويفه، وروسيا والصين في التنظير دون عمل، فان الاجراءات الايرانية ستتصاعد، دون ان يكون لهذا التصعيد من سقف، وعندها لن يكون هناك من يلوم ايران.
العالم كله يسخر من المسؤولين الاميركيين، الذين يطالبون ايران بعدم انتهاك الاتفاق، وضرورة الالتزام به، بينما اميركا هي اول من انتهك الاتفاق وخرج منه، وهو موقف يكشف الفوضى وعدم وجود اي استراتيجية اميركية في التعامل مع الموضوع النووي الايراني، فاميركا هي آخر من يحق لها الحديث عن المصداقية والالتزام والتهدات واحترام الاتفاقيات والمعاهات الدولية.
ايران وضعت القوى العالمية الكبرى الخمس امام مسؤولياتها، فاما ان تتصرف كدول عظمى ويكون لها كلمة في النظام العالمي الذي تحاول اميركا وضعه في جيبها، واما ان تكف عن توجيه التحذرات والنصائح لايران، الجانب الذي تعامل بكل شفافية وصدق ومسؤولية مع الاتفاق النووي، فاما ان يكون العالم يسير على شرعة تكون القوة فيه للحق، واما ان يكون العالم غابة، يكون الحق فيه للقوة، وعندها لن تكون هذه القوة بالتاكيد، حكرا على اميركا والقوى العالمية الخمس الكبرى.
ماجد حاتمي ـ العالم