وفي هذه الفترة الحالية، حيث بات التطبيع قاعدة والمقاومة إرهابا، لا ينفك الإعلام العبري عن محاولة سبر غور شخصية السيد نصر الله، والذي حول تنظيم حرب عصابات مقاوم إلى جيش بكل ما تحمله هذه الكلمة من معان، وبات، بحسب قادة الاحتلال، الجيش الثاني من حيث القوة في الشرق الأوسط، طبعا بعد جيش الاحتلال.
وللتدليل على عمق المعضلة التي يعيشها الكيان، قيادة وشعبا، نورد التالي: جاء في كتاب المدنيات للطلاب اليهود في المدارس الرسمية عن الأمين العام لحزب الله، والذي أصدره المربي الإسرائيلي، يوني غراف، بمصادقة من وزارة المعارف، جاء ما يلي: “حسن نصر الله، معروف كشخصية كاريزماتية خارقة، إذْ أنه يشدد دائما على تلقي المعلومات عما يجري في الكيان، ولهذا السبب فإنه يعرف جيدا المجتمع الإسرائيلي، والحساسيات التي تعتريه، بالإضافة إلى إلمامه بالخارطة السياسية الإسرائيلية، ويستغل هذه المعلومات من أجل تمرير الرسائل التي تحمل في طياتها تأثيرا كبيرا من الناحية النفسية… في خطاب ألقاه في بلدة بنت جبيل، بعد انسحاب إسرائيل من لبنان عام 2000، شبه المجتمع الإسرائيلي لبيت العنكبوت، الذي يمكن بسهولة بالغة تدميره”.
وبحسب صحيفة (هآرتس) العبرية، فإن حرب حزب الله النفسية، كانت فعالة لدرجة أفقدت جنود الجيش الإسرائيلي إيمانهم بقدراتهم، لافتة في الوقت عينه إلى أن حزب الله سمح لنفسه الاستخدام البارع والماهر للدعاية ببقائه كمجموعة صغيرة نسبيا تخوض الحرب بفعالية، ولقد تعلم التنظيم أنْ يقوم بتضخيم تهديداته بمهارة، بطريقة تجعل تلك التهديدات “إنجازات” عسكرية في حد ذاتها، كما أكدت الصحيفة.
الصحيفة التي اختارت لتحليلها صورة من فيديوغراف كان قد نشره موقع “العهد” الإخباري حول المواقع النووية الإسرائيلية والأهداف المحتملة في الحرب المقبلة، حذرت في الوقت عينه من فعالية الحرب النفسية التي يشنها حزب الله.
وتابعت قائلة: يستغل حزب الله الخوف الإسرائيلي من تكرار الخسائر التي تكبدها من أجل البقاء في حرب الاستنزاف التي اندلعت بين عامي 1985 و2000 في جنوب لبنان، مشيرة إلى أنه خلال تلك السنوات، قتلت مجموعاته عددا صغيرا نسبيا من الجنود الإسرائيليين، 235 قتيلا في 6058 عملية، ومع ذلك، فقد ضاعف الحزب من تأثيرها من خلال بث مقاطع فيديو عن هجماته، والتي أعادت وسائل الإعلام الإسرائيلية تداولها، كما قالت.
ووفقا لتقديرات كاتب المقال دافيد داوود سيستفيد حزب الله في أي “نزاع مستقبلي” من تأثير “تهديداته الكابوسية” والتي تتجاوز، كما رأت الصحيفة، قدراته الحالية مثل فتح الجليل، أوْ إمطار إسرائيل بالصواريخ الدقيقة، أوْ ضرب حاويات الأمونيا بحيفا، ومفاعل ديمونا النووي، من دون حتى تنفيذ أي منها أوْ حتى تنفيذها جزئيا، كما قال الكاتب.
علاوة على ذلك، يقر الكاتب بأن حزب الله نجح بإقناع المجتمع الإسرائيلي أن جنوب لبنان هو مقبرة الجيش الإسرائيلي، مع عدد هائل من الضحايا، وهذا بدوره منع الجيش الإسرائيلي من اتخاذ الخطوات الضرورية، وإنْ كانت مكلفة، لاقتلاع مجموعات حزب الله المسلحة.
وبذلك فإن الخوف المقيد من الخسائر، وليس قدرات الحزب القتالية الفائقة، كانت أهم العوامل التي أدت إلى هزيمة إسرائيل في نزاع جنوب لبنان، والتي ردعتها عن إجراء غزو بري واسع النطاق في حرب لبنان الثانية صيف العام 2006، على حد قوله.
وساقت الصحيفة قائلة إن تهديدات حزب الله المبالغ فيها تهدف لمنع إسرائيل من استغلال تمدد الحزب المفرط في سورية، لتوجيه ضربة قاضية له، وبهذه الطريقة، يمكن للحزب بدء نزاع في المستقبل بشروطه الخاصة، في الوقت الذي يختاره، عندما يكون أقوى، ويمكنه أخذ زمام المبادرة، مشيرة إلى أن مصلحة حزب الله الرئيسية تكمن في تخويف المجتمع الإسرائيلي من تكاليف الحرب وعواقبها، من أجل بناء معارضة شعبية لأي تدابير يقدم الجيش الإسرائيلي عليها ضده، كما زعمت.
واختتمت الصحيفة: لن يحتاج حزب الله إلا إلى الاستيلاء على عدد من المواقع العسكرية على الحدود الإسرائيلية أو البلدات الصغيرة، واختطاف أو قتل الرهائن، ونشر فيديو عن علمه المزروع على الأراضي الإسرائيلية، وعندها سيشعر الجنود الإسرائيليون بالإحباط، وأن جهودهم الحربية غير مجدية لحماية المدنيين، وسوف يدعون حكومتهم إلى إنهاء الحرب، وستبقى ذكرى هذه الهجمات بمثابة رادع ضد أي نزاع مستقبلي مع حزب الله “غير المهزوم”.
زهير أندراوس ـ رأي اليوم