البث المباشر

أزمة الوقود في سوريا.. من خلفها؟

الثلاثاء 9 ديسمبر 2025 - 17:53 بتوقيت طهران
تنزيل

فيديوكاست- إذاعة طهران: فيديوكاست خاص يتحدث عن أزمة الوقود التي لا تثقل كاهل المواطنين السوريين فحسب، بل يعرقل أيضا سير العديد من الخدمات العامة، وخاصة في قطاعات حيوية مثل الصحة والعلاج ولكن من خلفها؟.

منذ سنوات طويلة، أصبح الوقوف في طوابير ممتدة لساعات بل لأيام من أجل ملء خزان الوقود أو تأمين المحروقات للتدفئة والطهي جزءاً اعتيادياً من حياة السوريين اليومية.

هذا الواقع لا يثقل كاهل المواطنين فحسب، بل يعرقل أيضاً سير العديد من الخدمات العامة، وخاصة في قطاعات حيوية مثل الصحة والعلاج.

وفي ظل هذه الظروف الصعبة، اضطر كثير من الناس إلى اللجوء إلى وسائل بديلة لتأمين الدفء في فصل الشتاء، مثل حرق الحطب أو روث الأبقار أو بقايا الزيتون.

أما في ما يتعلق باستخدام السيارات، فقد أجبر بعضهم على ترك مركباتهم نهائياً، في حين يقف آخرون في طوابير طويلة لأيام متواصلة، بينما يضطر البعض الآخر إلى شراء البنزين من السوق السوداء بأسعار باهظة، إذ يتجاوز ثمن خزان الوقود الواحد في السوق الحرة 50 دولاراً أمريكياً.

ولم تقتصر آثار أزمة الوقود على الحياة اليومية فقط، بل امتدت إلى القطاع الصحي أيضاً، حيث تعاني المستشفيات والمراكز الطبية من نقص حاد في الوقود يمنعها من تقديم خدماتها العلاجية بشكل كامل للمرضى، ما يفاقم معاناة المواطنين في مختلف أنحاء البلاد.

في خضم هذه الأزمة، دخل المعنيون بمستقبل سوريا، وعلى رأسهم الجمهورية الإسلامية الإيرانية، على خط أزمة نقص الوقود في البلاد.

فمنذ بدايات هذه الأزمة، لعبت إيران دوراً محورياً في تخفيف الضغط عن سوريا من خلال تزويد مصفاة بانياس – التي تبلغ طاقتها الإنتاجية 140 ألف برميل يومياً – بجزء من احتياجاتها من النفط الخام، إذ كانت تصدّر يومياً نحو 100 ألف برميل من النفط إلى سوريا.

غير أن هذه المساعدات كانت تتم في وقت لم تكن دمشق قادرة على دفع تكاليف النفط المستورد، ما أدى في نهاية المطاف إلى تراكم ديون على سوريا لصالح إيران بلغت نحو 30 مليار دولار أمريكي.

وفي المقابل، لم تتوقف الولايات المتحدة والكيان الصهيوني عن استهداف ناقلات النفط الإيرانية المتجهة إلى ميناء بانياس السوري، إذ تمّت مهاجمة بعضها وتوقيف البعض الآخر، إلا أن هذه الإجراءات لم تنجح في وقف دعم إيران لسوريا في مجال تأمين الوقود الضروري للشعب السوري.

من جانب آخر، حاولت الحكومة السورية آنذاك مواجهة الأزمة من خلال تطبيق نظام الحصص وتفعيل نظام ذكي لتنظيم توزيع البنزين، بهدف ترشيد الاستهلاك ومنع تشكّل الطوابير الطويلة أمام محطات الوقود.

غير أن هذا الإجراء، رغم نجاحه في تقليص الطوابير المادية الظاهرة، لم يسهم كثيراً في تحسين مستوى معيشة المواطنين أو التخفيف من معاناتهم اليومية.

وهنا يبرز سؤال جوهري..

"كيف لدولة كانت حتى عام 2011 من مصدّري النفط، أن تصبح اليوم عاجزة عن تلبية أبسط احتياجات شعبها من الوقود؟.

للإجابة عن هذا السؤال، لا بد أولاً من استعراض الوضع الحالي لاحتياطات وإنتاج النفط السوري.

إذ تُقدّر إجمالي احتياطيات النفط في سوريا بحوالي 2.5 مليار برميل، ووفقاً للإحصاءات، كانت البلاد تنتج في عام 2011 نحو 386 ألف برميل من النفط يومياً، معظمها من حقول العمر في دير الزور، والرميلان والسويدية في محافظة الحسكة.

من أصل 386 ألف برميل من النفط التي كانت سوريا تنتجها يومياً قبل اندلاع الأزمة، كان يتم تصدير نحو 109 آلاف برميل بقيمة تقدّر بـ4 مليارات دولار سنوياً، وكانت 90% من هذه الصادرات تتجه إلى دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في أوروبا أما الكمية المتبقية فكانت تُستخدم لتلبية الاحتياجات المحلية، ولا سيما لتشغيل مصفاتي حمص وبانياس اللتين تبلغ طاقتهما التكريرية 110 آلاف برميل و140 ألف برميل يومياً على التوالي، ولذلك لم يكن الشعب السوري يعاني من أي أزمة وقود في تلك الفترة.

لكن مع اندلاع الأزمة عام 2011 وما رافقها من تدمير واستيلاء على عدد من الحقول النفطية من قبل الجماعات الإرهابية المدعومة من قوى خارجية، شهد إنتاج النفط السوري انخفاضاً حاداً، ما أدى إلى ظهور أزمة وقود خانقة، خصوصاً في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة في دمشق.

وتشير التقارير الرسمية إلى أن منذ عام 2011 حتى عام 2023، تسبب تدمير المصافي وخطوط الأنابيب، ونهب الموارد النفطية من قبل القوات الأمريكية وحلفائها، إضافة إلى العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، بخسائر تجاوزت 155 مليار دولار للاقتصاد السوري المنهك من الحرب.

وقد تفاقمت هذه الأوضاع بعد التدخل العسكري الأمريكي المباشر عام 2015، حيث انخفض الإنتاج النفطي السوري من 385 ألف برميل يومياً في عام 2010 إلى ما بين 30 و40 ألف برميل فقط في عام 2024.

ويُذكر أن الحد الأدنى لاحتياجات المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة المركزية يبلغ نحو 130 ألف برميل يومياً، ما يوضح حجم العجز الكبير في تأمين الوقود.

بين عامي 2013 و2014، كانت فصائل الجيش الحر وجبهة النصرة تسيطر على معظم الحقول الواقعة شرق نهر الفرات، قبل أن تستولي تنظيمات داعش لاحقاً على أهم الحقول النفطية مثل الشاعر، والتيم، والعمر.

ومنذ عام 2015، سيطر التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة بمساعدة قوات سوريا الديمقراطية، تحت ذريعة محاربة الإرهاب، على أغلب الحقول النفطية في محافظات الحسكة ودير الزور والرقة، ولا تزال هذه السيطرة مستمرة حتى اليوم.

والأخطر من ذلك أن نحو 90% من الموارد النفطية و45% من الموارد الغازية السورية تقع حالياً تحت سيطرة قوات SDF والجيش الأمريكي، ما يجعل دمشق عاجزة عن استثمار مواردها الطبيعية لتلبية حاجات مواطنيها الأساسية.

على الرغم من سقوط الحكومة السورية في عام 2024 و تسلُّم الجماعات الإرهابية المدعومة من الولايات المتحدة وتركيا وقطر والسعودية زمام السلطة – وهي الدول التي كانت منذ اندلاع الأزمة عام 2011 من أبرز داعمي الجماعات الإرهابية في قتل ونهب ثروات الشعب السوري – فإن المناطق النفطية ما زالت تحت الاحتلال الأمريكي وتحت سيطرة القوات التابعة له والمدعومة من قبله.

هذا الواقع يكشف أن الهدف الحقيقي للاحتلال الأمريكي لشمال شرق سوريا لم يكن محاربة الإرهاب ولا دعم الجماعات السورية المنادية بالانفصال والمعارضة للحكومة المركزية آنذاك، بل كان الاستيلاء على الثروات الغنية من النفط والغاز السوريين.

ولذلك لا فرق فعلياً بين أن يكون بشار الأسد في الحكم أو أن يتولاه إرهابي مثل الجولاني، فالمحتل يسعى وراء الموارد لا وراء الشعارات السياسية.

وفي الوقت نفسه، ومع سقوط حكومة بشار الأسد، راجت توقعات كثيرة بأن الأزمة السورية قد تقترب من نهايتها، غير أن الجماعات الإرهابية التي استولت على الحكم قامت بخطوة غريبة تمثّلت في رفع أسعار المشتقات النفطية، ما أدى إلى اندلاع موجة من الاحتجاجات الشعبية، وأسقط الأوهام التي تشكّلت لدى بعض السوريين بأن رحيل الأسد وخروج البلاد من محور المقاومة سيؤدي إلى تحسن الأوضاع المعيشية. بل على العكس، ازدادت الأوضاع سوءاً وتعقيداً.

لذلك، فإن السبيل الوحيد لخلاص الشعب السوري من واقعه المأساوي الراهن – سواء على الصعيدين السياسي والعسكري أو الاقتصادي، ولا سيما في مجال الطاقة وتأمين الوقود – هو طرد قوات الاحتلال الأمريكي وحلفائه من الأراضي السورية، واستعادة السيطرة الكاملة على مقدرات البلاد.

وبمجرد تحقيق هذا الهدف، سيكون بإمكان السوريين، كما كانوا قبل أزمة عام 2011، إدارة مواردهم النفطية بأنفسهم، وتأمين احتياجاتهم من الطاقة، والخروج من أزمتهم الحالية.

كما سيسمح لهم ذلك بـ استئناف تصدير النفط والغاز، وتحقيق عائدات مالية يمكن من خلالها إعادة إعمار ما دمّرته الحرب وبناء وطنهم من جديد.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة