البث المباشر

المرأة ودورها في بناء الأسرة والمجتمع عند قائد الثورة

الثلاثاء 4 نوفمبر 2025 - 16:25 بتوقيت طهران
المرأة ودورها في بناء الأسرة والمجتمع عند قائد الثورة

تُجبر العديد من الرؤى ووجهات النظر الغربية والحديثة المرأة على الاختيار بين "النجاح المهني" و"الالتزام الأسري"، مما تسبب في الكثير من التوترات النفسية والاجتماعية.

يوجد في سياق التطورات الاجتماعية والثقافية المعاصرة، تحدٍ يتمثل دائما في كيفية مواءمة دور المرأة المحوري والمؤثر في الساحة العامة والاجتماعية مع أدوارها الأكثر أصالة، ألا وهي الأمومة وكون وصفها كالزوجة، ومنع الصراع بين هذين المجالين.

هذه القضية ليست قضية نسائية بحتة فحسب، بل تُعتبر أيضًا المفتاح الرئيسي لسلامة أساس الأسرة وديناميكية المجتمع الإسلامي حيث تُجبر العديد من الرؤى الغربية والحديثة المرأة على الاختيار بين "النجاح المهني" و"الالتزام الأسري"، مما تسبب في الكثير من التوترات النفسية والاجتماعية. ويكمن حل هذا التحدي في الفهم الصحيح لمكانة المرأة الوجودية في النظام الإسلامي.

يعتبر الإسلام المرأة كائنة ذات إمكانيات غير محدودة، ولخلقها غايات وأهداف سامية. ووفقاً للقرآن الكريم، ينبغي للمرأة البقاء في منزلها قدر الإمكان، بعيداً عن أعين الغرباء، لتؤدي دورها المحوري في ترسيخ دعائم الأسرة، بما في ذلك أداء دور الزوجة والأم على أكمل وجه.

ولكن دور المرأة في العصر الحالي لا يقتصر على الحدود المنزلية، بل امتد، بفعل الظروف الاجتماعية والاحتياجات المستجدة، إلى أعمق طبقات المجتمع. ولا شك أن وجود المرأة في مجالات كالطب، التربية، علم النفس، الإدارة الثقافية، وحتى البحث الاستراتيجي، أمرٌ لا ينكر.

أما مبدأ التميز في المنظور الإسلامي فهو عبارة عن أن هذا الوجود له معنى في إطار كرامة المرأة وعفتها ورسالتها الإلهية. وفي مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، لا ينبغي أن يكون هذا التوسع في الدور على حساب تقويض أساس المجتمع، ألا وهو الأسرة. فالتوازن هو مفتاح حل هذه المعادلة المعقدة.

يقول قائد الثورة الإسلامية فيما يتعلق بسمات السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام):

"إن فاطمة الزهراء (عليها السلام) امرأة إسلامية، امرأة في أعلى مراتب المرأة الإسلامية، أي في مستوى القيادة، ولكن المرأة نفسها التي كان من الممكن أن تكون نبية من حيث الفضائل والمناقب والحدود الوجودية، فهي أيضًا أم، زوجة وربة منزل؛ يجب أن تفهموا ذلك".

ومن النقاط المحورية في كلام قائد الثورة الإسلامية أن المرأة التي تتمتع بأعلى مراتب الفضائل لا تزال حاضرة بصفتها أمًا وزوجة وربة منزل. وهذا التواجد ليس واجبًا مفروضًا ومذلًا، بل هو اختيار واع يُظهر كمالها الإنساني. ويعتمد كمال المرأة الإسلامية على النجاح في أداء جميع أدوارها.

لم تكن السيدة الزهراء فاطمة (عليها السلام) أعظم سيدة في العالم فحسب، كونها ابنة النبي الأكرم (ص) وزوجة الإمام علي (عليه السلام)، بل ربّت في الوقت نفسه إمامي الحسن والحسين (عليهما السلام).

إن هذا الجمع، أي بلوغ الكمال المطلق مع أداءٍ كاملٍ لأدوار الأسرة، هو أول درسٍ عظيم في التوازن. لذلك، لا ينبغي أبدًا تحديد الدور الاجتماعي للمرأة الإسلامية بما يُقلل من مركزية الأسرة وأهميتها. ففي الإسلام، تُعدّ الأسرة أصغر مؤسسة اجتماعية، وإذا كانت سليمة، كان المجتمع سليمًا أيضًا.

يُعرّف الإسلام دور الأم بأنه الركيزة الأولى لبناء المجتمع. فإذا استطاعت الأم تربية جيل صالح ملتزم ثاقب البصيرة، فقد أدّت في الواقع أعظم خدمة سياسية واجتماعية.

وتتم هذه التربية من خلال النقل المباشر للقيم، تهيئة بيئة عاطفية آمنة، واتباع الأم قدوة عملية للأطفال. ومع أن عظمة فاطمة الزهراء (عليها السلام) تفوق إدراكنا، إلا أن ما تجلّى في حياتها الظاهرية يُظهر أن تحمل المسؤوليات الأسرية الجسيمة (كإدارة المنزل، رعاية الأبناء، وخدمة والدها الجليل) لم يعق نموها الروحي فحسب، بل كان في حد ذاته أساسا لتقدمها وظهور هذه الكمالات.

إن إحدى الدوافع الفكرية في المجتمعات الحديثة هي محاولة لخلق تناقض وتباين زائف ووهمي بين أدوار المرأة داخل المنزل وخارجه.

وهذه النظرة، التي غالبًا ما تتجذر في النظم الاقتصادية الرأسمالية والفردية، تعتبر ضمنيًا أن التقدم أو النجاح في المجال الاجتماعي مرهون بتجاهل أو التقليل من شأن أدوار الأم والزوجة. وفي هذا الإطار، يُعرّف المنزل بأنه سجن، ودور الأمومة بأنه عائق أمام "حرية" المرأة.

لكن النظرة الإسلامية، المستندة إلى حقيقة خلق المرأة والوظائف الوجودية، تعتبر هذين المجالين متكاملين، ولا تضحي بأي منهما في سبيل الآخر. وهذان المجالان وجهان لعملة واحدة، غايتهما الأسمى تربية إنسان متوازن.

إذا لم تتم تربية المرأة بصورة صالحة في بيتها، فسينهار المجتمع الذي هو نتاج تلك الأسرة.

ومن ناحيةٍ أخرى، إذا حُرمت المرأة من جميع طاقاتها الفكرية والعملية في المجتمع، فسيُحرم المجتمع من ديناميكية وتأثير نصف طاقاته البشرية.

لذلك يُمكننا الاستفادة من هذه الطاقات، بناء على الأطر التي وضعتها الشريعة للمرأة ذات الصفت الإلهية.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة