البث المباشر

هكذا تخترق إسرائيل مشاريع المياه في دول الخليج الفارسي!

السبت 1 نوفمبر 2025 - 14:07 بتوقيت طهران
هكذا تخترق إسرائيل مشاريع المياه في دول الخليج الفارسي!

تعمل الشركات الإسرائيلية على تحويل أزمة المياه في دول الخليج الفارسي إلى أداة نفوذ طويلة الأمد.

تُحوّل الشركات الإسرائيلية أزمة المياه في دول الخليج الفارسي إلى أداة نفوذ طويلة الأمد، وذلك من خلال عقود تحلية المياه التي تُعيد تعريف مفهوم "السيادة العربية" من الداخل، بهدوء ودقة.

بينما يُركّز اهتمام وسائل الإعلام على الاتفاقيات العامة والدبلوماسية، يُرسّخ الكيان الصهيوني موقعًا حاسمًا في أهمّ بقاع العالم العربي والشرق الأوسط، ألا وهو إمدادات المياه، من خلال مشاريع تحلية المياه وأنظمة التناضح العكسي.

على سبيل المثال، في شبه الجزيرة العربية، حيث تنهض المدن الذكية والمشاريع العملاقة مثل "نيوم" من تحت الرمال، وتُخصّص مئات المليارات من الدولارات لتحقيق أحلام مستقبلية، تكمن حقيقة جوهرية وراء كل هذه الوعود؛

"فبدون ماء، لا يوجد مستقبل".

 

دبلوماسية المياه

في أكثر مناطق العالم جفافًا، يُعدّ الأمن المائي مرادفًا للأمن القومي. إلا أن الدول العربية لم تُطوّر حتى الآن بنيةً تحتيةً تكنولوجية محلية تُمكّنها من الوصول إلى موارد المياه بشكلٍ مستقل، وأصبحت تدريجيا تعتمد على الخبرات التقنية الأجنبية، وخاصةً من إسرائيل.

إن كيان الاحتلال، الذي نشأ في مناخ قاحل بلا مياه ونصف الأرض التي يحتلها (في فلسطين) عبارة عن صحراء، يتنازع على موارد المياه مع جيرانه في الأردن وسوريا ولبنان منذ عقود، بل ويحلم حتى بتحويل مجرى مياه النيل.

ولكن منذ البداية، واستنادًا إلى استراتيجية "إزهار الصحراء" التي وضعها أول رئيس وزراء للكيان، ديفيد بن غوريون، لصحراء النقب، استثمرت إسرائيل في تقنيات المياه، محوّلةً نفسها إلى "وادي السيليكون لتقنيات المياه".

عند التقاء عطش الخليج الفارسي الدائم وتفوق إسرائيل التكنولوجي، يتشكل شرق أوسط جديد، حيث يتدفق "التطبيع الناعم" ليس في الخطابات السياسية، بل في الأنابيب وأنظمة تحلية المياه.


التبعية من خطوط الأنابيب إلى السياسة


لم يعد تطبيع علاقات الدول العربية مع إسرائيل يقتصر على التعاون العسكري أو الاستخباراتي؛ بل أصبح يتم من خلال بوابات اقتصادية وتكنولوجية، وخاصةً تقنيات المياه الحيوية.

ولفهم عمق هذا التأثير، لا بد من فهم أزمة المياه في الخليج الفارسي.

تعتمد المملكة العربية السعودية وجيرانها بشكل شبه كامل على موارد المياه الأحفورية والمحلاة. وعقود من الاستغلال الزراعي المفرط تستنزف موارد المياه الجوفية التي لا يمكن تعويضها، مما يجعل تحلية المياه السبيل الوحيد لاستدامة النمو السكاني، التوسع العمراني الهائل، ومشاريع مثل رؤية المملكة العربية السعودية 2030 أو خطة الكويت للتنمية 2035.

إلا أن طرق تحلية المياه التقليدية تأتي بتكلفة باهظة:

"استهلاك الوقود الأحفوري، تصريف مياه الصرف الصحي شديدة الملوحة في الخليج الفارسي، وتدمير النظم البيئية البحرية".

لذلك، يتسارع السباق العالمي لإيجاد تقنيات قادرة على إنتاج كل متر مكعب من المياه بأقل استهلاك للطاقة، أقل تكلفة، وأقل ضرر بيئي، وتقود تل أبيب هي رائدة.

بالنسبة لصانعي القرار في الرياض، الكويت، أبو ظبي، المنامة، والدوحة، تُعدّ الأرقام والكفاءة أهم من الاعتبارات السياسية. فعندما تُوفّر التكنولوجيا الإسرائيلية ملايين الدولارات من تكاليف الطاقة وتضمن موارد مائية مستدامة لمشاريع مثل "نيوم"، تُصبح جنسية المهندسين مسألة ثانوية.

 

نموذج الكونسورتيوم: طريق إسرائيل للتغلغل في الدول العربية

على الرغم من العقبات السياسية، وجد الكيان الصهيوني سبيلاً للتغلغل. لا تزال الرياض تربط التطبيع بـ"مبادرة السلام العربية" وقيام دولة فلسطينية، ولا تزال الكويت تحظر العقود مع الكيانات الإسرائيلية بموجب قانون صدر عام ١٩٦٤.

لكن نموذج "الكونسورتيوم" يتجاوز هذه الخطوط الحمراء. فالحكومة السعودية، من خلال شركة مملوكة للدولة تُدعى SWPC، تُجري مناقصة دولية. وتتولى شركة محلية مثل "أكوا باور" (ACWA Power) المشروع، ثم تتدخل شركات هندسية عالمية كمقاولين. وفي هذه المرحلة، تدخل شركات إسرائيلية في العقد والمشروع كمقاولة رئيسية، دون الكشف عن أسمائها الحقيقية.

تُعدّ شركة "IDE" إحدى هذه الشركات التي تعمل في الدول العربية والإسلامية عبر وسيط سويسري يُدعى "سويس واتر" (Swiss Water)، وتُخفي هويتها الإسرائيلية. وقد نفّذت هذه الوسيطة مشاريع بملايين الدولارات في دول مثل قطر والكويت والمملكة العربية السعودية واليمن وليبيا والجزائر وتونس وأفغانستان وباكستان.

ومن جملة المشاريع البارزة يمكن الإشارة إلى مشروع تحلية مياه البحر الأحمر في المملكة العربية السعودية، مشروع بحر العرب الضخم في باكستان، وعدة مشاريع في الكويت وسلطنة عمان.

 

جُبِيل 3A؛ التقاء التطبيع والأنابيب

يُعد مشروع "جُبِيل 3A" في المملكة العربية السعودية من أكبر وحدات تحلية المياه في العالم بطاقة 600,000 متر مكعب يوميًا. وتُعتبر شركة أكوا باور السعودية المالك الرئيسي للمشروع في ظاهر الأمر، وكن خلف الكواليس، تم تنفيذ التصميم والتنفيذ من قبل اتحاد مكون من شركة Power China، شركة Abengoa الإسبانية، وشركة IDE الإسرائيلية.

وفي هذه المعادلة، تحل الرياض مشاكل إمدادات المياه، ويتمكن الكيان الإسرائيلي من الوصول إلى السوق السعودية الكبيرة دون أي متاعب سياسية.

وما يبدو "تفاهمًا تقنيًا" نظريًا هو في الواقع نوع من التطبيع الوظيفي، حيث أصبح المهندسون والأنظمة الإسرائيلية الآن جزءًا غير مرئي ولكنه حيوي من شبكة إمدادات المياه في المملكة العربية السعودية، وخاصة في المناطق الشرقية الغنية بالنفط من البلاد.

 

شبكة المياه الكويتية، مثالٌ على النفوذ الصهيوني الناعم

تُعدّ الكويت، المعروفة بمعارضتها الشديدة للتطبيع مع إسرائيل، مثالاً آخر على هذا النمط.

فلسنوات، كانت الشركات الإسرائيلية حاضرةً في منشآت تحلية المياه في شرق وغرب الدوحة، في الكويت؛ وهذا التواجد للشركات ليس بشكل مباشر بالطبع، بل من خلال مناقصات دولية ووسطاء.

هذا المثال أوضح من الحالة السعودية:

"فحتى الدولة التي تُعارض التطبيع رسميًا أصبحت تعتمد على التكنولوجيا الأجنبية نظرًا لعجزها عن امتلاك القدرات والمعرفة المحلية".

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة