البث المباشر

تكريم البنات من منظور نبي الإسلام (ص)

الثلاثاء 14 أكتوبر 2025 - 15:42 بتوقيت طهران
تكريم البنات من منظور نبي الإسلام (ص)

إن التحول الذي أحدثه النبي (ص) في نظرة الناس إلى الفتيات كان في واقع الأمر إعادة تعريف للقيم الإنسانية.

لطالما اعتُبرت قيمة الفتاة ومكانتها في تاريخ الإسلام ضمن قضايا أساسية وحضارية. وفي زمن كانت تعتبر ولادة البنت وصمة عار في المجتمع الجاهلي ، ووصل الأمر أحيانًا إلى دفنها (وأدها) حية، أحدث نبي الإسلام (ص) ثورةً فكريةً وثقافيةً بأفعاله وأقواله وغيّر معيار القيم من الجنس إلى الإيمان والأخلاق والتربية، مُرسيًا بذلك أسس مجتمع جديدٍ قائم على الكرامة الإنسانية.

وعلى عكس التقاليد الشعبية والمعتقدات التمييزية في الماضي، قدم الإسلام وجود البنت كمصدر للخير والبركة. ولم تكن هذه النظرة الإصلاحية مجرد تغيير في العادة، بل كانت إعادة بناء لفكر عميق حول الإنسان وعلاقته بالله؛ نظرة يُعتَبر في ضوئها كلُّ طفل - ذكرا كان أم أنثى - مظهرا من مظاهر إرادة الله ومحبته.

 

ميلاد فاطمة الزهراء (س): بداية تحوّل معنوي

عندما وصلت بشرى ولادة السيدة فاطمة الزهراء (س) إلى نبي الإسلام (ص)، حزن بعضُ مَن حوله من ذوي العقلية القديمة الجاهلة. لكن النبي (ص) أجاب بابتسامةٍ وهدوء:

"ما بالُكُم؟ هذه البنت ريحانة أشمُّ عطرها ورزقها عند الله".

هذه الجملة القصيرة والعميقة رسمت الحدود بين التفكير الجاهلي والفكر الإلهي. وفي الواقع، وجَّه النبي الأكرم (ص) بقوله هذا نظرة الإنسان من المظهر الخارجي إلى الحقيقة الروحية، واعتبر ولادة البنت علامةً على رحمة الله وفضله.

من هذا المنظور، يُقدِّم القرآن الكريم في سورة الكوثر المباركة ولادة السيدة فاطمة الزهراء (س) على أنها "خير كثير". تعبيرٌ يُشير إلى البركة الروحية، تربية جيلٍ صالح، والهداية الدائمة. فالفتاة في نظرة الله سبحانه وتعالى مصدر خير وطهارة، والأسرةُ التي تُقدّر هذه النعمة تغمرها الرحمة الإلهية.

إنّ التحوّل الذي أحدثه النبيّ الأعظم (ص) في النظرة إلى الفتيات كان في الواقع إعادة تعريف للقيم الإنسانية.

ففي آية مؤثرة، يُصوّر القرآن الكريم وجها حزينا وكئيبا لرجل يخجل من ولادة الفتاة:

«وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ» (نحل/58).

كما أنه جاء في آية أخرى:

«يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ»"(الشورى: 49).

يشير عز وجل في هذه الآية، إلى أن قول الأنثى جاء مقدما على الذكر؛ نقطة دقيقة تُبيّن عدم وجود فرق في جنس الأبناء.

 

دليل كرامة البنات في السنة النبوية

تُؤكّد أحاديث كثيرة في السنة النبوية على مكانة البنات. كما جاء في فحوى حديث مروي عن رسول الله (ص):

"من كانت له ابنة فأحسن إليها، أنقذها الله من نار جهنم".

وجاء في فحوى حديث آخر:

"اثنتان من البنت ستر من النار، وثلاث وجبت الجنة للوالدين".

هذه الكلمات ليست مجرد وعود عاطفية؛ بل تُحدّد منظومة تربية وأخلاق. فمعيار القيمة ليس في وجود ابنة، بل في طريقة تعاملها معها وتربيتها. فكل والد يُعنى بابنته بالعدالة والمحبة، يكون في الواقع قد أطاع أمر الله، وأفاض الرحمة الإلهية على بيته.

وينص القرآن الكريم صراحة على:

«لَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ»" (الإسراء: 31).

هذه الآية تحذيرٌ لكل زمان ومكان، بأن القلق على المستقبل أو الفقر لا ينبغي أن يؤدي إلى قلة الحب أو ظلم الأبناء.

إن رزق كل إنسان، سواء كان أنثى أو ذكرا، مُقدّر في التقدير الإلهي. وقد بيّن النبي (ص) بأفعاله أن البنت ليست عبئا على الحياة، بل هي وسيلة للرزق والرحمة.

 

المسؤولية الاجتماعية في تكريم البنات

تتجلى الأبعاد الاجتماعية لهذه النظرة في فحوى قول نبي الرحمة (ص):

"من كان له ثلاث بنات فأقرضوه وأحسنوا إليه."

هذا الأمر ليس مجرد توصية فردية؛ بل هو تعبيرٌ عن المسؤولية الجماعية للمجتمع الإسلامي تجاه كرامة الأسر التي لديها بنات. فالمجتمع الذي تُحترم فيه البنات هو مجتمعٌ تترسخ فيه جذور الإحسان والعدالة.

كما ورد في مضمون حديث مروي عن أهل البيت (ع):

"من قضى حوائج ثلاث بنات، رزقه الله ثلاثة حدائق في الجنة".

وهذا الكلام يعكس فحوى الآية الكريمة:

﴿مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ﴾ (البقرة: ٢٤٥)، حيث يعد الإنفاق في سبيل الله سببا لمضاعفة النعم.

إذن يُعدّ البيت الذي فيه بنت بيتًا تنزل فيه الملائكة. كما جاء في فحوى حديث مروي عن نبي الإسلام (ص) بهذا الصدد:

«ينزل على بيت فيه فتاة كل يوم اثنتي عشرة بركة».

هذه البركة ليست مادية فحسب، بل روحية وعاطفية أيضًا، فالفتاة تُحوّل أجواء الأسرة إلى روضة من الهدوء والسلام بعطفها ومحبتها وإيمانها.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة