البث المباشر

أزمة الطاقة في لبنان.. استغلال الكهرباء لإحياء الاستعمار

الثلاثاء 19 أغسطس 2025 - 08:16 بتوقيت طهران
تنزيل

فيديوكاست- إذاعة طهران: فيديوكاست خاص يسلط الضوء على أزمة الطاقة والكهرباء في لبنان، حيث يضطر الشعب إما إلى الانتظار لساعات طويلة لتوصيل الكهرباء الحكومية، أو تحمل تكاليف باهظة لشراء معدات توليد الطاقة الشمسية.

إلى جانب الدمار والخراب الناجمين عن الهجمات الوحشية للكيان الصهيوني، يعاني الشعب اللبناني من أزمة أخرى تعود جذورها، إلى التدخل الاسرائيلي والتحريض على الحروب، مما زاد من صعوبة الحياة على اللبنانيين.

تمر أيام لا تصل فيها الكهرباء الحكومية إلى المنازل إلا من ساعة إلى ثلاث ساعات، مما يترك المستشفيات غير متأكدة من توفر الطاقة اللازمة للأنشطة الطبية واستخدام الأجهزة الحيوية. كما يواجه المطار والميناء نقصاً في الكهرباء في خضم أزمة اقتصادية وركود تجاري.

هذا هو الوضع الراهن في لبنان، حيث يضطر الشعب إما إلى الانتظار لساعات طويلة لتوصيل الكهرباء الحكومية، أو تحمل تكاليف باهظة لشراء معدات توليد الطاقة الشمسية، أو البحث عن الديزل لتشغيل مولدات خاصة عالية الاستهلاك في سوق يندر فيه الوقود.

وقد بلغ معدل التضخم في أسعار الديزل حوالي 600% في عام 2022. الآن، يُنفق في المتوسط 44% من إجمالي دخل كل أسرة لبنانية على الكهرباء، ويصل هذا الرقم إلى 88% لدى الأسر ذات الدخل المحدود.

 

- كيف وصلت عروس الشرق الأوسط إلى هذا الوضع؟

- لماذا، بعد سنوات من بدء هذه الأزمة، لا أحد يتحرك لحلها؟

- ما هي الإجراءات التي اتخذتها الحكومات التي تدّعي دعم الشعب اللبناني لتحسين الوضع؟

- ما دور الكيان الصهيوني، والتدخل الأجنبي، والتنافسات السياسية، والسياسات الحكومية الخاطئة في هذا الوضع؟

 

هنا نريد الإجابة على هذه الأسئلة بأفضل ما نستطيع

 

نقص في تجديد وتطوير البنية التحتية

على الرغم من شوارعها الجميلة، ومقاهيها النابضة بالحياة، ومناظرها السياحية الساحرة، إلا أن لبنان لم يُجدّد بنيته التحتية منذ سنوات، والعديد من محطات توليد الطاقة في لبنان، مثل محطة الجية الحرارية، إحدى أكبر محطات توليد الطاقة في البلاد، يتجاوز عمرها خمسين عاماً، وفي بعض الحالات، مثل محطة رشميا الكهرومائية، يتجاوز عمرها تسعين عاماً! وقد انخفضت كفاءة هذه المنشآت القديمة بشكل ملحوظ.

في الوقت نفسه، لم تواكب قدرات إنتاج الطاقة في لبنان احتياجات البلاد المتزايدة، مما أدى إلى فجوة كبيرة.

 

الدمار الناجم عن هجمات وتدخلات الكيان الصهيوني وعدم الاستقرار السياسي المزمن

بعد البدء في بناء هذه البنى التحتية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، أدت الحرب الأهلية الكارثية التي استمرت خمسة عشر عاماً والهجمات المدمرة للكيان الصهيوني إلى توقف بناء وصيانة هذه البنية التحتية، مما ألحق أضراراً بالغة بهذه المنشآت.

ورغم جهود إعادة بناء البنية التحتية في مطلع القرن الجديد، وبعد دحر العدو من الجنوب، أدى عدم الاستقرار السياسي، واستمرار الاحتلال، والهجمات العسكرية الصهيونية، إلى تدمير البنية التحتية اللبنانية، وخاصة في مجال إنتاج وتوزيع الكهرباء، مما أدى إلى حلقة مفرغة من الدمار وإعادة الإعمار.

وقد دفع هذا الدمار الحكومات المختلفة إلى عدم التفكير في التدابير الأساسية وطويلة الأجل، وتكريس المزيد من طاقتها لقضايا تافهة وسريعة السداد.

 

أسعار الكهرباء لا تواكب التضخم و إفلاس شركة EDL

منذ منتصف التسعينيات، لم ترتفع أسعار الكهرباء في لبنان بما يتماشى مع التضخم وتكلفة إنتاجها وتوزيعها، وذلك بسبب السياسات الشعبوية للحكومات اللبنانية المتزعزعة، وبالتالي، عاماً بعد عام، كان يُنفق جزء متزايد من ميزانية الحكومة على تغطية عجز إيرادات شركة كهرباء لبنان.

وفي السنوات الأخيرة، تم إنفاق ما يقارب نصف إجمالي الدين الوطني للحكومة اللبنانية على تعويض هذا العجز غير المعقول، مما يمنع الحكومة من الاستثمار في مشاريع التنمية والبنية التحتية، بما في ذلك في قطاع الطاقة. يمكن القول إن هذه السياسة غير الملائمة هي أحد الأسباب المهمة لإفلاس الحكومة اللبنانية مالياً.

 

التنافس الفئوي والاستغلال الشخصي

على مدى العشرين عاماً الماضية، طُرحت خطط عديدة لإصلاح وإعادة بناء قطاع الطاقة اللبناني على نطاق واسع، إلا أن هذه الخطط عرقلتها فصائل سياسية مختلفة بدوافع فئوية وطائفية.

وتوالت مشاريع بناء محطات طاقة جديدة، لكنها أصبحت مجرد أدوات للاستغلال الشخصي والفئوي، دون أن تحقق في نهاية المطاف أي فائدة تُذكر للشعب اللبناني أو الاقتصاد.

 

الأزمة الاقتصادية، والعقوبات الأمريكية، وانفجار مرفأ بيروت

منذ عام 2019، ومع انهيار العملة الوطنية اللبنانية، تفاقمت أزمة الطاقة في البلاد، ولم تعد الحكومة قادرة على تغطية التكاليف الباهظة لاستيراد الوقود وتوليد الكهرباء وتوزيعها.

أدى تزايد عدم الاستقرار السياسي وعجز الفصائل السياسية اللبنانية عن تشكيل حكومة إلى إبعاد السياح ورؤوس الأموال الأجنبية، مما فاقم الأزمة.

كما أوقفت العقوبات الأمريكية على سوريا خطط نقل الغاز من مصر ونقل الوقود من إيران، فشل مشروع محطات الطاقة العائمة المستأجرة، الذي كان يُنفذ بالتعاون مع تركيا، والذي كان من المفترض أن يضيف طاقة إنتاجية جديدة إلى إنتاج لبنان من الكهرباء، بسبب عجز الحكومة عن سداد تكاليفه، فعادت السفن إلى تركيا.

كان انفجار مرفأ بيروت عام 2020 الضربة القاضية للاقتصاد اللبناني المتهاوي، في خضم الأزمة، أعلنت إيران استعدادها لإرسال الوقود إلى لبنان لتخفيف وطأة المشكلة، وتم إرسال عدة شحنات وقود إلى البلاد.

كما قدمت إيران عدة مقترحات لإعادة إعمار البنية التحتية للكهرباء في لبنان والاستثمار فيها، لكن هذه المقترحات أوقفتها جهات تابعة لدول غربية مثل فرنسا والولايات المتحدة، بالإضافة إلى جهات تابعة لحكومات نفطية عربية، بذريعة منع النفوذ الإيراني في لبنان ومخاوف من العقوبات الأمريكية.

 

المساعي الغربية والعربية لاستعمار لبنان

في الوقت نفسه، لم تُقدم هذه الدول، التي تُهاجم الشعب اللبناني بتصريحاتها ومواقفها، أي مقترحات جوهرية أو إجراءات فعّالة لتخفيف معاناة الشعب اللبناني جراء أزمة الكهرباء.

رأت الدول العربية النفطية في ذلك فرصةً لزيادة نفوذها وقدرتها على المناورة في المشهد السياسي اللبناني المعقد، وكانت أي مساعدة مشروطة بتلبية مطالبها وزيادة تدخلها في السياسة الداخلية اللبنانية.

خلال العقدين اللذين سبقا الأزمة، طلبت الحكومات اللبنانية من حكومات غربية، مثل فرنسا والولايات المتحدة، ومؤسسات دولية، بما في ذلك صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، المساعدة في حل أزمة الطاقة، لكن الرد كان أنه للحصول على المساعدة، يتعين على لبنان تغيير نفسه بما يتناسب مع مطالبها.

سعت هذه الدول والمؤسسات إلى ترسيخ نفوذها في لبنان مقابل المساعدات والاستثمارات، واشترطت أي إجراء باستسلام المقاومة الشعبية للاحتلال الإسرائيلي، واحتجزت الكهرباء رهينة للاستسلام.

سعت الحكومات الغربية والعربية إلى زيادة نفوذها وهيمنتها على لبنان، بينما سعت الفصائل السياسية إلى ترسيخ سلطتها ومنع منافسيها من الوصول إلى السلطة، سعياً وراء الاستغلال الشخصي والعرقي للمشاريع، مما فاقم المشاكل بشكل أو بآخر.

في هذه الأثناء، يعاني الشعب اللبناني ويلات المعاناة، ويحرم نفسه من فرصة أساسية كالكهرباء الحكومية. هذا التكتل الداخلي الخبيث رفض أي يد ممدودة بصدق إلى لبنان، كاليد الإيرانية، ولم يُعر اهتماماً لرفاهية الشعب اللبناني وتحسين معيشته.

يتطلب تجاوز هذه الأزمة وتحسين الوضع وحدة الشعب اللبناني ومختلف فئاته حول مصالحه واستقلاله، حتى يتسنى، بتعاون الحكومات اللبنانية الصديقة والرحيمة، تجديد البنية التحتية للكهرباء في البلاد وإضافة قدرات جديدة إليها، مع الحفاظ على استقلال لبنان، وتصحيح نقاط الضعف الهيكلية في قطاع الطاقة بما يتوافق مع احتياجات الشعب ومصالحه. هذا الإصلاح، بدوره، سيساعد على تحسين الوضع المالي للحكومة وتحفيز الاقتصاد اللبناني.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة