اتخذت إيران والصين، بصفتهما دولتين تربطهما علاقات تاريخية وحضارية عميقة، ومن الأمثلة على ذلك التعاون على طريق الحرير الذي يعود تاريخه إلى 2000 عام، خطوات فعالة في السنوات الأخيرة لتعزيز التعاون الاقتصادي في مختلف المجالات، بما في ذلك الطاقة والبنية التحتية والتجارة والتكنولوجيا والاستثمار المشترك.
وفرت التطورات العالمية والأحداث الجيوسياسية، ووصول ترامب إلى السلطة كرئيس منتخب للولايات المتحدة، وحرب الـ 12 يومًا بين إيران والكيان الصهيوني، أسسًا لتعاون أوثق بين البلدين.
صرح السفير الصيني لدى طهران في مقابلة بأننا نرغب في التعاون مع إيران لخلق اقتصاد عالمي أكثر مرونة. نحن على استعداد للعمل مع الجانب الإيراني لتطوير تعاون الحزام والطريق، ودفع الأجندة الاقتصادية والتجارية في إطار منظمة شنغهاي للتعاون (SCO) ومجموعة بريكس وغيرها من الأطر متعددة الأطراف، وخلق اقتصاد عالمي أكثر مرونة من خلال التعاون الدولي الوثيق.
حاليًا، أصبح التعاون الاقتصادي بين إيران والصين أحد القضايا المهمة في مجال العلاقات الدولية، والذي جذب الكثير من الاهتمام في السنوات الأخيرة، وقد عززت الوثيقة الشاملة التي مدتها 25 عامًا بين البلدين، والموقعة في عام 2021، آفاق التعاون بين البلدين.
يُعد قطاع الطاقة أحد أهم جوانب التعاون الاقتصادي بين إيران والصين. وأن إيران، بصفتها أحد أكبر منتجي النفط والغاز في العالم، والصين، بصفتها أكبر مستهلك للطاقة، لديهما مصالح مشتركة في هذا الصدد.
كانت الصين أكبر مشترٍ للنفط الإيراني في السنوات الأخيرة، ويستمر هذا التعاون في إطار عقود طويلة الأجل. من ناحية، يمكن لإيران زيادة إنتاجيتها من خلال الاستفادة من التقنيات الصينية المتقدمة في مجال استخراج وتكرير النفط والغاز. والأهم من ذلك، أن العقوبات الأمريكية لم تتمكن من تدمير هذا التعاون.
شهد اتجاه التجارة بين البلدين اتجاهاً تصاعدياً نسبياً في العقد الماضي، وفقاً لإحصاءات التجارة العالمية. فقد زادت الصين، بصفتها أكبر شريك تجاري لإيران، من وارداتها من السلع مثل النفط والبتروكيماويات والمنتجات الزراعية، ومن ناحية أخرى، وضعت إيران أيضاً على جدول أعمالها استيراد سلع مثل الآلات والمعدات الإلكترونية والمنتجات الصناعية من الصين.
ووفقاً للخبراء، فإن التعاون الاقتصادي بين إيران والصين، بالنظر إلى قدرات البلدين، يمكن أن يؤدي إلى تعزيز العلاقات الثنائية وزيادة قوتهما الاقتصادية على المستويين الإقليمي والعالمي.
ونظرًا لأن التعاون الاستراتيجي بين إيران وثاني أكبر اقتصاد في العالم يتطلب بناء علاقة رابح- رابح تتماشى مع مصالح وقيم البلدين، وأن إمكانية إعادة صياغة العلاقات بينهما لا تزال قائمة، فمن خلال جمع آراء الخبراء، هناك مقترحات لتعميق التعاون في مجال النقل والترانزيت بين البلدين والتي تشمل ما يلي:
أ) التعاون في تطوير ميناء الشهيد رجائي:
في إطار التعاون المباشر بين إيران والصين، يتطلب وجود الصين في موانئ جنوب البلاد، بما في ذلك ميناء الشهيد رجائي، مراجعة عمليات التعاون طويلة الأمد لاستغلال محطات الشهيد رجائي، ووجود شركات الشحن الصينية في هذا الميناء، وتحويله إلى مركز رئيسي لموانئ غرب آسيا.
ب) بناء جسر الخليج الفارسي - قشم:
هناك تعاون آخر في الموانئ الجنوبية للبلاد وهو بناء جسر الخليج الفارسي - قشم بطول 2.2 كيلومتر، والذي يوفر اتصالاً بين أكبر جزيرة في إيران والبر الرئيسي. بالإضافة إلى فوائد تسهيل نقل البضائع والركاب وتقليل وقت السفر، فإنه يوفر لنا الفرصة لتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بين جزيرة قشم والمناطق الأخرى في إيران. وستحول الصين، التي لديها أعلى معدل لدخول السفن في الخليج الفارسي، جزيرة قشم إلى مركز لحركة السفن والتزود بالوقود في غرب آسيا.
ت) لعب دور في مبادرة الحزام والطريق الصينية (BRI):
لإيران دوران بارزان في مبادرة الصين، التي تم تقديمها في عام 2013؛
أولاً، يمكنها إنشاء طريق الصين-أوروبا بريًا، مثل عصر طريق الحرير (يقلل هذا الطريق من وقت نقل البضائع من 40 يومًا بحريًا إلى حوالي 15 يومًا بريًا ويحول إيران إلى مركز عبور أوراسي. والأهم من ذلك، أن هذا الممر لا يمر عبر الطرق البحرية التي تسيطر عليها الأسطول الأمريكي (مثل مضيق ملقا وقناة السويس) وهو أكثر مقاومة للعقوبات الأمريكية والتهديدات العسكرية).
والدور الثاني هو وجود إيران في أحد الفروع الستة لمبادرة الحزام والطريق، والتعاون الثلاثي الصيني، وممر الصين-آسيا الوسطى-غرب آسيا، والذي يشمل ميناء شهيد رجائي وتطوير قشم.
ث) ربط الصين بغرب آسيا من شرق إيران:
إن الاتصال البري الذي يكون بعيدًا عن متناول الأمريكيين الذين لديهم نفوذ على مضيق ملقا هو استراتيجية أخرى، وهناك طريقان؛
أولا، الاتصال بالممر الاقتصادي الصيني الباكستاني الذي تبلغ قيمته 60 مليار دولار، وثانيا، الاتصال عبر ممر واخان في أفغانستان (قبل بعض الوقت، نقل حساب البريكس عن شي جين بينج قوله إن الاتصال بين الصين وإيران عبر أفغانستان يمثل فرصة فريدة ومستمرة).
ج) تطوير المناطق الاقتصادية الخاصة بهدف الإنتاج المشترك والترانزيت
إن إنشاء مجمعات لوجستية ومناطق اقتصادية خاصة في نقاط رئيسية ومرغوبة في البلاد (من الأفضل إدراجها ضمن استراتيجيات المشاريع الأربعة السابقة)، بدعم مالي وتقني من الصين، سيجعل من إيران مركزًا لتجهيز وتعبئة وتوزيع السلع في المنطقة. في الواقع، بالإضافة إلى زيادة فرص العمل والدخل، ستضيف هذه المراكز قيمةً للسلع التي تمر عبر إيران، وتقلل من اعتماد المنطقة على البنية التحتية الغربية.
نزع سلاح أمريكا من خلال ربط الشرق بالغرب دون وسطاء
سيُحوّل تنفيذ هذه المشاريع الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى طريق سريع حيوي للتجارة العالمية، ويُتيح إمكانية تجاوز العقوبات والضغوط الأمريكية. ومن خلال الاعتماد على هذه الطرق، ستُقلل الصين أيضًا من اعتمادها على الطرق البحرية التي تسيطر عليها الولايات المتحدة، وتضمن أمنها في مجالي الطاقة والتجارة.
في الواقع، لن يُجرّد هذا التعاون الاستراتيجي الولايات المتحدة من أدوات الضغط الاقتصادي والعسكري فحسب، بل سيُنشئ أيضًا نظامًا جديدًا في الجغرافيا السياسية الإقليمية، حيث ستكون إيران والصين اللاعبتين الرئيستين فيه.