هل سمعتم قبل هذا بلقب خاتَم الفقهاء والمجتهدين؟ وهل تعلمون من هو صاحب هذا اللقب؟.
والأغرب من ذلك هل تعرفون أن صاحب هذا اللقب هو ليس عراقي ولا حجازي ولا لبناني ولم يكن من علماء الرعيل الأول من المسلمين؟ بل هو من مدينة دزفول بمحافظة خوزستان الإيرانية ومن علمائنا المتأخرين من القرن الثالث عشر الهجري.
الشيخ مرتضى الأنصاري، واشتهر أيضا بلقب الشيخ الأنصاري والشيخ الأعظم.
ولد في مدينة دزفول في يوم الغدير الثامن عشر من ذي الحجة من سنة ألف ومائتين وأربع عشرة.
تصدى للمرجعية بعد وفاة المرجع محمد حسن صاحب الجواهر في سنة ( 1299 للهجرة).
يُعتبر كتاباه الرسائل والمكاسب من الكتب الأساسية في الدراسة الحوزوية، والفقهاء الذين أتوا بعده من تلامذته قاموا بتطوير منهجه وآثاره عبر إضافة شروح وتعليقات عليها.
كان يدرّس في مسجد الهندي في النجف الأشرف، فيحضر مجلس درسه أكثر من أربعمائة عالم وطالب، وقد أخذ عنه وتخرج به عدد كبير من المشاهير، منهم: السيد حسين بن محمد الكوهكمري، والسيد محمد حسن الشيرازي، وحبيب اللّه بن محمد علي الرشتي، وأبو القاسم بن محمد علي النوري الكلانتري، وعبد الحسين بن نعمة الأسدي الطريحي، ومحمد حسن بن جعفر الآشتياني، ومحمد رضا بن محمد هادي الهمداني النجفي.
كتب الكثير في حقه وتكلم الكثير عنه نورد لكم نماذج من هذه الأقوال:
قال الدكتور السنهوري - وهو يتحدث عن كتاب «المكاسب»-:
لو وقفت عليه قبل تأليفي لكتاب «الوسيط» لغيّرت كثيرا من الأسس التي بنيت عليها.
قال والي العراق ـ عندما سأله السلطان العثماني ـ عن الشيخ: هو والله الفاروق الأعظم.
النائب السياسي لبريطانيا، قال - عندما رآه في الصحراء قاصداً زيارة سلمان الفارسي: أقسم بالله هو عيسى بن مريم أو نائبه الخاص.
قال أُستاذه الشيخ أحمد النراقي في إجازته له: «وكان ممّن جدّ في الطلب، وبذل الجهد في هذا المطلب، وفاز بالحظ الأوفر الأسنى، وحظي بالنصيب المتكاثر الأهنى، من ذهن ثاقب وفهم صائب، وتدقيق وتحقيق ودرك عائر رشيق، والورع والتقوى، والتمسّك بتلك العروة الوثقى، العالم النبيل والمهذّب الأصيل، الفاضل الكامل والعالم العامل
قال الشيخ حسين النوري الطبرسي: «ومن آثار إخلاص إيمانه وعلائم صدق ولائه ـ أي جابر بن عبد الله الأنصاري ـ أن تفضّل الله تعالى عليه، وأخرج من صلبه مَن نصر الملّة والدين بالعلم والتحقيق والدقّة، والزهد والورع والعبادة والكياسة، بما لم يبلغه مَن تقدّم عليه، ولا يحوم حوله مَن تأخّر عنه، وقد عكف على كتبه ومؤلّفاته وتحقيقاته كلّ مَن نشأ بعده من العلماء الأعلام والفقهاء الكرام.
ترجع معظم شهرة الشيخ الأنصاري إلى تجديده في علمي الفقه وأصول الفقه فقد دخلتا مرحلة جديدة؛ وذلك بفضل دقّة وتعمّق الشيخ الفائقتين في المسائل.
للأنصاري عشرات المؤلفات والرسائل الأخرى مطبوعة ويمكن للباحث الاستفادة منها والعثور عليها، منها: كتاب الطهارة، كتاب الصلاة، كتاب الصوم، كتاب الخمس، أحكام الخلل في الصلاة، الوصايا والمواريث، القضاء والشهادات، رسالة فتوائية بالفارسية سماها صراط النجاة، رسالة في الرضاع، حاشية على موضوع الاستصحاب من «القوانين» للمحقّق أبو القاسم القمي، رسالة في الاجتهاد والتقليد، ورسالة في العدالة، وغير ذلك.
قد قامت منظمة الإعلام الإسلامي بعقد مؤتمر عالمي في مدينتي قم المشرفة، ودزفول بمناسبة الذكرى المئوية الثانية لميلاد الشيخ الأنصاري، وتصدّت لطبع ونشر آثاره وطبع له طابعا خاصا تكريما له.
يروى أن الشيخ الأنصاري قرر بعد عودته من العراق إلى إيران السفر والترحال بين بعض المدن الإيرانية بهدف الإفادة من علمائها، وبما أنّه ـ ولمدة طويلة ـ كان بعيداً عن أمه؛ فلذا لم تأذن له بهذه الرحلات، والشيخ احتراماً لرأيها أخّر سفره حتى تأذن له. فبعد إصرار الشيخ قررت أمه أن تستخير له بالقرآن الكريم، فظهرت هذه الآية:
"وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ".
وبهذا اطمئن قلب الوالدة، وأذنت له أن يتابع مشواره العلمي.
لم يورث الشيخ مرتضى الأنصاري مالاً، فوجد حين وفاة 17 توماناً، وكان هذا المبلغ يعادل بالتحديد دينه الذي كان عليه، فما كان أهله يملكون تكاليف تجهيزه ودفنه وإقامة المجلس على روحه، بالتالي أحد المتبرعين الخيّرين تقبل تلك التكاليف ونفقات، وهكذا كانت نهايته.
توفي سماحته في 18 جمادى الآخرة سنة 1281 هـ، ودفن في المشهد الغروي على يمين الخارج من الباب.