البث المباشر

"الفقه المعاصر" في عصر الذكاء الاصطناعي

الثلاثاء 27 مايو 2025 - 14:23 بتوقيت طهران
"الفقه المعاصر" في عصر الذكاء الاصطناعي

قد خلقت التغيرات الاجتماعية والثقافية السريعة توقعات جديدة من الفقه. وتتطلب مواضيع مثل الهندسة الوراثية، الذكاء الاصطناعي، والاقتصاد الرقمي استنتاجات تلتزم بالمبادئ الدينية، وتُعرض بلغة علمية مفهومة للجيل الجديد.

إن رسالة قائد الثورة الإسلامية إلى المؤتمر الذي أقيم بمناسبة مرور 100 عام على إعادة تأسيس الحوزة العلمية في "قم" المقدسة برئاسة الحاج الشيخ عبد الكريم الحائري، وخاصة فيما يتعلق بواجبات الفقه في علاقتها بقضايا اليوم، تقدم نظرة استراتيجية إلى دور الفقه الشيعي في الاستجابة للاحتياجات الفردية والاجتماعية.

وتسلط هذه الفقرة الضوء على ثلاثة محاور رئيسية:

1- الاستجابة العقلانية والعلمية للفقه للاحتياجات العملية

2- مواجهة الظواهر الناشئة والمعقدة

3- تبيين النظرة الواسعة للشارع لمختلف جوانب الحياة الإنسانية في ظل النظام السياسي الإسلامي.

ونتناول في هذه المقالة التحليلية، وبالاستعانة بمصادر موثوقة، دراسة هذه المحاور ونوضح تداعياتها. 

 

الاستجابة العقلانية والعلمية للفقه للاحتياجات العملية

يؤكد قائد الثورة الإسلامية في هذا الجزء على أن الفقه باعتباره جواب الدين على الاحتياجات العملية للفرد والمجتمع يجب أن يقترن بالعقلانية المتطورة للأجيال وأن يحظى بدعم فكري وعلمي متين. وهذا الرأي مستمد من أصول الفقه الجعفري الذي يعتبر العقل أحد مصادر استنباط الأحكام.

أدت في العصر الحالي، التغيرات الاجتماعية والثقافية والتكنولوجية السريعة إلى خلق توقعات جديدة من الفقه. وعلى سبيل المثال، تتطلب مواضيع مثل الهندسة الوراثية، الذكاء الاصطناعي، والاقتصاد الرقمي استنتاجات تلتزم بالمبادئ الدينية، وتُعرض بلغة علمية مفهومة للجيل الجديد.

وهذا يتطلب تعزيز الاجتهاد النشط واستخدام العلوم الإنسانية والتجريبية إلى جانب المصادر التقليدية للفقه. وعلى سبيل المثال، قام مركز البحوث الفقهية في الحوزة العلمية بقم المقدسة، في السنوات الأخيرة، بتشكيل مجموعات متخصصة في مجالات مثل الفقه الطبي والفقه الاقتصادي، محاولاً تقديم إجابات فقهية مدعومة علمياً.

 

مواجهة الفقه المعاصر للظواهر الناشئة والمعقدة

يشير المحور الثاني من هذه الفقرة إلى ضرورة استعداد الفقه للإجابة على الأسئلة غير المسبوقة الناجمة عن الظواهر المعقدة التي تعيشها الحياة الحديثة. وتشمل هذه الظواهر موضوعات مثل الفضاء الإلكتروني، تغير المناخ، والقضايا القانونية الدولية التي لا تتم مناقشتها بشكل مباشر في المصادر التقليدية للفقه.

وللإجابة على هذه التساؤلات فإن الفقه المعاصر يتطلب تطوير أساليب الاجتهاد. ومن الأمثلة الناجحة على هذا النهج يمكن الإشارة إلى الفتاوى المتعلقة بالمعاملات المصرفية، التي استجابت لقضايا معقدة في النظام المصرفي باستخدام قواعد فقهية مثل "قاعدة نفي العُسر والحرج" والاستفادة من آراء الخبراء الاقتصاديين. 

 

تبيين النظرة الواسعة للشارع في ظل النظام السياسي الإسلامي

وأهم ما في هذه الفقرة هو التأكيد على ضرورة توضيح النظرة الواسعة للمشرع إلى مختلف جوانب الحياة الإنسانية في إطار النظام السياسي الإسلامي. لقد أدى قيام الجمهورية الإسلامية إلى نقل الفقه من المجال الفردي إلى المجال الاجتماعي والسياسي الكبير. وهذا يتطلب فهماً عميقاً لفلسفة أحكام الشريعة ومقاصدها.

يقول قائد الثورة في هذا الصدد:

"اليوم، ومع تشكيل النظام السياسي الإسلامي، فإن السؤال الرئيسي هو كيف ينظر الشارع الكبير إلى الأبعاد الفردية والاجتماعية للحياة الإنسانية وأسسها الأساسية؟ من النظر إلى الإنسان ومكانته الإنسانية وأهداف حياته، إلى النظر إلى الشكل المنشود للمجتمع البشري، والنظر إلى السياسة والسلطة والعلاقات الاجتماعية والأسرة والجنس والعدالة وسائر جوانب الحياة. يجب أن تعكس فتوى الفقيه في كل مسألة جزءًا من هذه الرؤية الأوسع."

ويشمل هذا المنظور الواسع مفاهيم مثل الكرامة الإنسانية، العدالة الاجتماعية، والتوازن بين الفرد والمجتمع. وعلى سبيل المثال، في مجال العدالة يعتمد الفقه الشيعي على آيات قرآنية مثل "لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ»" (الحديد: 25). ,يؤكد على ضرورة القسط والعدالة.

وفي هذا الصدد، ينبغي لفتاوى الفقهاء بشأن قضايا مثل توزيع الموارد العامة أو حقوق المرأة أن تعكس هذا المنظور الواسع. وعلى سبيل المثال، فإن فتاوى آية الله السيستاني بشأن حماية حقوق الأقليات في العراق تظهر الاهتمام بمبادئ العدالة والكرامة الإنسانية على المستوى الكلي.

إن المقطع المذكور من رسالة قائد الثورة الإسلامية يقدم خارطة طريق لتحول الفقه الشيعي في مواجهة التحديات المعاصرة. كما أن التركيز على العقلانية العلمية، والاستجابة للقضايا الناشئة، وتفسير الرؤية الكلية للشارع، كلها توضح القدرة الفريدة لـ "الفقه الجعفري" على حكم المجتمع الإسلامي في العصر الحديث.

ولتحقيق هذه الأهداف، يجب على الحوزات العلمية أن تستجيب لهذه المطالب من خلال تعزيز الاجتهاد النشط، وتوسيع التفاعل مع العلوم المعاصرة، وتدريب الفقهاء الشاملين.

وهذا النهج لا يساعد فقط في الحفاظ على صحة الفقه، بل يقدمه أيضاً كدليل عملي للحياة الفردية والاجتماعية في عالم اليوم.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة