يعتبر ارتفاع سعر الدولار ومخاوف مسؤولي الحكومة العراقية من نقص الأموال وعدم دفع رواتب الموظفين والتعاون مع بعض البلدان إضافة إلى مئات المخاوف الأخرى، قضايا يواجهها المسؤولون العراقيون محاولين تسويتها. لماذا؟.
من الواضح أن موارد النقد الأجنبي، باعتبارها أحد أهم العوامل في النمو الاقتصادي والتنمية، والتي تلعب دوراً أساسياً في الاستقرار السياسي والاجتماعي للبلدان. ومن ثم، فإن سيطرة البلدان على مواردها من النقد الأجنبي تضمن لها التجارة الحرة مع شركائها، وسهولة تلبية احتياجات شعوبها الأساسية، وزيادة استقرارها السياسي.
في الوقت نفسه، فإن عدم سيطرة أي بلد على هذه الموارد يؤدي إلى عدم استقراره السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ما يقلل أيضاً من مصداقية ذلك البلد الدولية واستقلاله في اتخاذ القرارات والتصرف على أساس مصالحه الوطنية. ولذلك تسعى البلدان إلى زيادة مواردها من النقد الأجنبي، كما تسعى إلى إدارتها بشكل كامل.
في هذا السياق، يحتل العراق الذي يمتلك أكثر من 100 مليار دولار من احتياطيات النقد الأجنبي، المرتبة الثالثة بين الدول العربية، وتأتي دول مثل قطر والكويت في المرتبتين الخامسة والسابعة بعد العراق.
بالرغم من ذلك فإن الاقتصاد العراقي هو أكثر ضعفاً وأقل تطوراً من بعض بلدان المنطقة التي تمتلك احتياطيات أقل من النقد الأجنبي.
يرى الخبراء أن العراق، رغم امتلاكه لموارد كبيرة من النقد الأجنبي، إلا أنه لا يمتلك القدرة على اتخاذ القرارات والعمل بناء على مصالحه واحتياجاته الوطنية بسبب افتقاره للسيطرة على هذه الموارد.
والسؤال الآن هو:
لماذا يعجز العراق عن إدارة موارده من النقد الأجنبي بشكل مستقل كواحدة من أهم أدوات النمو والاستقرار الاقتصادي والسياسي؟.
بعد غزو العراق للكويت عام 1990، فرض مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عقوبات على البلاد، ووافق على برنامج النفط مقابل الغذاء ضد العراق في القرار رقم 986.
وبموجب هذا القرار، يستطيع العراق تصدير منتجاته النفطية، ولكن العائدات سوف تُحفظ في حساب لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لاستخدامها في استيراد الغذاء والدواء.
بعد احتلال العراق عام 2003 وتشكيل حكومة ائتلافية مؤقتة تحت إشراف الولايات المتحدة في إطار قوات متعددة الجنسيات في البلاد، واستناداً إلى قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1483، تولت الولايات المتحدة المسؤوليات التنفيذية والتشريعية والقضائية للحكومة العراقية حتى 28 يونيو/حزيران 2004 .
وبموجب القرار رقم 1483، كانت سلطة التحالف المؤقتة مسؤولة عن إدارة صندوق تنمية العراق، الذي حل محل برنامج النفط مقابل الغذاء التابع للأمم المتحدة. ومن بين مهام هذا الصندوق تمويل إعادة إعمار العراق وتلبية احتياجات الشعب العراقي من الغذاء والدواء، وتوفير المعدات لقوات الأمن العراقية، ورواتب القوات المدنية العراقية، ونفقات الوزارات الحكومية المختلفة.
لكن بعد صياغة الدستور وتشكيل الحكومة العراقية في عام 2007، واصلت الولايات المتحدة مراقبة وتدقيق مصادر الدخل تحت عناوين مختلفة، مثل مكافحة المتمردين والقاعدة وتمويل الإرهاب.
بناء على ذلك، تقوم الولايات المتحدة ومنذ عام 2003 بالحفاظ على إيرادات النفط العراقي في بنكها المركزي، بل وتتلقى نفقاتها من الحكومة العراقية. الأمر الذي يضع جزءاً كبيراً من الإدارة المالية للبلاد في أيدي الولايات المتحدة، ويجعل من الصعب على الحكومة العراقية الوصول إلى إيراداتها.
إن هيمنة الولايات المتحدة على التدفقات المالية للعراق قد أدت إلى تدمير الاستقلال المالي للبلاد في تطوير التجارة مع البلدان الأخرى، كما أن أي معارضة للسياسات الأميركية تؤدي إلى مشاكل في النظام المالي العراقي.
لقد بلغت الوقاحة إلى درجة أن الولايات المتحدة، في السنوات الأخيرة، وتحت ستار مكافحة الفساد ومكافحة تمويل داعش، قامت بتوفير العملة اللازمة داخل العراق على شكل أوراق نقدية كل أسبوعين، كما يتم توفير العملة اللازمة لشركات القطاع الخاص من خلال الحوالات المالية لاستيراد السلع من بنك التجارة العراقي.
على سبيل المثال، بعد سقوط صدام في عام 2003، كان العراق من أجل تلبية احتياجات شعبه يقوم بالمبادلات التجارية مع إيران وسوريا. لكن الحكومة الأميركية، بغض النظر عن هذه الاحتياجات الاقتصادية، وبعد زيادة حجم هذه التجارة واستخدام نفوذ هيمنتها على موارد النقد الأجنبي في العراق، فرضت قيوداً على التجارة الحرة بين البلدين في منتصف عام 2022.
الأمر الذي أدى إلى ارتفاع سعر الصرف في العراق من 1470 ديناراً في عام 2022 إلى 1570 ديناراً مطلع عام 2023، والذي إنتهى إلى احتجاجات شعبية في البلاد.
في الواقع، فإن أميركا ومن خلال هذه الإجراءات ضحّت بمصالح الحكومة والشعب العراقي ومن أجل الحفاظ على مصالحها وسياساتها. ومنذ ذلك الحين، أصبح هناك فرق في السعر بين سعر الدولار في السوق والتحويلات المصرفية.
وهكذا نجحت الولايات المتحدة في جعل تحويل الأموال عبر شبكاتها المصرفية الخاضعة للمراقبة أقل تكلفة من الطرق الأخرى.
وفي مثل هذا الظرف التجاري، إذا أراد تاجر عراقي التجارة مع إيران، فإنه بحاجة إلى شراء الدولار بسعر أعلى بنسبة 15%، وهو ما يدفعه الشعب العراقي.