السلام عليكم
أنا رائد دباب..
في هذا البودكاست نتحدث عن أمور يعتقد الكثير من الناس أنها حقيقية ولكنها ليست كذلك.
في الحلقة الأولى من هذا البودكاست، تحدثنا عن الادعاء بأن فلسطين كانت أرضًا فارغة قبل وصول اليهود إليها.و كانت الرياح تعصف بهذه الأرض الخالية ولايوجد شيئ سوي الأشواك التي يحركها الريح إلى هنا وهناك ، فقد درسنا هذا الادعاء وأثبتنا عدم دقته وصحته.
وفي هذه الحلقة نتناول أسطورة وخرافة أخرى للإسرائيليين ومؤيديهم من كتاب "عشر خرافات عن إسرائيل"؛ وهي أن اليهود كانوا شعباً بلا أرض.
هذا الادعاء استمرار للكذب الذي جاء في الحلقة السابقة. وفي الواقع، يتم طرح المطالبة بأرض فلسطين الفارغة جنبًا إلى جنب مع اليهود الذين لا أرض لهم. إن الجمع بين هذين الادعاءين يؤدي إلى ظهور المصطلح الشهير "الصهيونية" كمبرر آخر لاغتصاب الأرض الفلسطينية. فالعبارة الشهيرة "أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض".
لكن هل المهاجرون اليهود كانوا شعبا ؟
***************** الموسيقى *****************
يأتي أفضل رد على هذا السؤال وهو" هل كان المهاجرون اليهود شعبا"؟ في كتاب "اختراع الأمة اليهودية " لشلو موساند والذي آجاب عنه بشكل مختصر ودقيق أفضل من أي مكان آخر. حيث يقول مؤلف الكتاب شلو موساند وهو مؤرخ إسرائيلي في كتابه أن معظم اليهود في العالم وفي العصر الراهن قد اعتنقوا الديانة اليهودية وهم لهم أسلاف وأجداد غير يهود.
كما ويوضح شلو موساند أن العالم المسيحي ومن أجل حماية مصالحه الخاصة وفي لحظة معينة من التاريخ الحديث، دعم هذه الفكرة " أن اليهود كانوا شعبا " ويجب أن يعودوا في يوم من الأيام إلى الأرض المقدسة. ومن هذا المنطلق كانت عودة اليهود إلى الأرض المقدسة، إلى جانب بعث الأموات وعودة السيد المسيح (ع) ، كانت جزءًا من الخطة الإلهية لنهاية العالم.
إن نشوء الحركة اللاهوتية والدينية المعروفة بالإصلاحات الدينية في الديانة المسيحية بدأت في الانتشار بين المسيحيين المتصهينين منذ القرن السادس عشر فصاعدًا خاصة بين البروتستانت، وقد خلقت تحالفًا واضحًا بين نظرية المليارية المسيحية الجديدة وتحويل اليهود إلى المسيحية عندما عادوا إلى فلسطين. فالمليارية أو الايمان بالعصر الألفي السعيد أوالحركات الإحيائية تعني عودة السيد المسيح إلى الحياة وحكمه الذي يمتد لألف سنة.
وطرح توماس برايتمان الكاهن الإنجليزي من القرن السادس عشر هذه الفكرة نفسها عندما كتب: "هل يعودون إلى القدس مرة أخرى؟ فلا يوجد شيء أكثر يقينا من هذا وإن أعمال الأنبياء في كل مكان تدل على هذه المسألة وتبينها ".
كما وقال الكاتب البلجيكي تشارلز جوزيف في النصف الثاني من القرن الثامن عشر: " أعتقد أن الشخص اليهودي لا يتوافق مع بقية الأوروبيين، وأينما ذهب فإنه يشكل دائمًا أمة داخل أمة أخرى. فمن وجهة نظري علينا أن نعيد لهم وطنهم الذي طردوا منه وهذا أسهل خيار لنا ليعو دوا إليه جميعا ".
وكما هو واضح تمامًا من نهاية النص، هناك علاقة واضحة بين الأفكار التي تشكل الصهيونية ومعاداة السامية القديمة.
كما ألف الكاتب والسياسي الفرنسي الشهير فرانسوا رينيه دي شاتو بريان (François-René de Chateaubriand) كتاب "سادة اليهود الشرعيين" في نفس الوقت تقريبًا وقد أثرت أفكاره على نابليون بونابرت الذي كان يأمل بغزو الشرق الأوسط في بداية القرن التاسع عشر مع مساعدة الجالية اليهودية في فلسطين، إلى جانب سائر سكان تلك الأرض ووعدهم "بالعودة إلى فلسطين" وإقامة دولة.
وبحسب كلام إيلان بابيه إستنادا إلى وثائق مثل هذه الكتب والمقولات، فإن الصهيونية كانت مشروعًا استعماريًا مسيحيًا أصبح فيما بعد مشروعًا استعماريًا يهوديًا؛ فنرى في هذا الإطار العلامات المشؤومة والمخيفة لكيفية تحول المعتقدات الدينية الأسطورية إلى خطة حقيقية لاستعمار بلد آخر وتجريد أبنائه من ممتلكاته.
وظهرت هذه الخطة الشيطانية لأول مرة في بريطانيا الفيكتورية في عشرينيات القرن التاسع عشر. حيث انطلقت في ذلك الوقت حركة لاهوتية وملكية قوية أرادت وضع عودة اليهود إلى فلسطين في قلب خطة بريطانيا الاستراتيجية للسيطرة على فلسطين وإعادتها إلى العالم المسيحي.
وأصبح هذا النهج أكثر شعبية في بريطانيا خلال القرن التاسع عشر وأثر مباشرة على السياسة الرسمية للمملكة هناك. المنهج الذي كان يقول:
"إن أرض فلسطين تنتظر عودة أبنائها البعيدين عنها والمباشرة بالصناعة والزراعة حسب الإمكانيات الموجودة، لتعود مرة أخرى إلى ازدهارها ومجدها عظمتها العالمية؛ كما كانت أو ضاعها في عهد النبي سليمان".
الكلام الذي استمعتم إليه هولأحد القادة العسكريين البريطانيين.
لكن هذه العملية لم تكن ناجحة حتى حظيت بدعم كامل من الولايات المتحدة.
**************** الموسيقى **************
إن المتابعة البسيطة للتاريخ والأفكار المطروحة، تأخذنا مباشرة من الآباء الواعظين لهذه الحركة إلى أولئك الذين كانوا يملكون القدرة على تغيير مصير فلسطين. فبحسب إيلان بابيه فإن أحد هؤلاء الأشخاص شخص يُدعى شافتسبري.
وكما يعتقد بابيه فإن الكاتب والسياسي الإنجليزي أنطوني آشلي أو إيرل شافتسبري السابع هو من حول المزج الخطير من الحماسة الدينية والحركة الإصلاحية إلى وعد بلفور عام 1917. فهوكان من دعاة عودة اليهود إلى الأراضي المقدسة وكان رئيسًا للجمعية اليهودية في لندن من عام 1848 وحتى وفاته عام 1885.
لقد توصل إلى تحليل مفاده أنه لا يكفي دعم عودة اليهود إلى فلسطين، بل يجب على البريطانيين مساعدتهم في نهب واغتصاب الأراضي الفلسطينية. وقد أقنع شافتسبري الكنيسة الكبرى في بريطانيا وكنيسة المجتمع في القدس بتوفير التمويل الأولي لهذا المشرو ع.
ولابد من الإشارة إلى أنه في هذا المسار ساهم بشكل كبير دعم والد زوجته الذي كان وزيرا للخارجية وهو الذي أصبح فيما بعد رئيسا للوزراء. فشافتسبري كان قد تزوج من ابنة بالمرستون وزير الخارجية البريطاني آنذاك والذي أصبح رئيسا للوزراء لاحقا.
تنبأ شافتسبري بعصر جديد للشعب المختار في مقال بعنوان " استعادة الدولة اليهودية" نُشرت في مجلة كوارترلي ريو يوفي يناير 1839. فكانت هذه أول مقالة تقدم هذا الاقتراح من قبل رجل سياسي إنجليزي بموضوع إعادة توطين اليهود في أرض فلسطين. وقد أصر في مقاله على ما يلي:
" يتعين علي الجميع تشجيع اليهود للعودة إلى فلسطين بأعداد أكبر مما هي عليه الآن، فلابد لهم أن يصبحوا مجددا أسياد اليهود والجليل... على الرغم من أنهم الآن شعب عنيد بقلوب مظلمة وهم غارقون في الانحطاط الأخلاقي ولا يلتزمون بالإنجيل وما ورد فيه. ولكن مع ذلك، فهم ليسوا فقط مستحقين للتحرير والخلاص بل بعودتهم إلى فلسطين ووضع الأساس لظهور المسيح مرة أخرى، فإنهم يلعبون أيضًا دورًا حيويًا لأمل المسيحية في التحرير والخلاص".
وكانت اللوبيات الخفية التي عمل عليها شافتسبري مع رئيس الو زراء البريطاني آنذاك اللورد بالمرسون وهووالد ز جته كما قلنا ، كانت ناجحة وأتت بثمارها. فبالمرسون هذا ولأسباب سياسية وليست دينيية أصبح فيما بعد أحد المؤيدين الداعمين لعودة اليهود وتوطينهم في فلسطين.
فكانت إحدى وجهات النظر أن اليهود يمكن أن يساعدوا في الإطاحة بالإمبراطورية العثمانية. ولذلك وضعت هذه السياسة في أولويات السياسة الخارجية البريطانية. وفي أغسطس عام 1840، كتب رئيس الوزراء البريطاني في رسالة إلى السفير البريطاني في إسطنبول أن السماح لليهود بالعودة إلى فلسطين مفيد ومربح للطرفين، لكل من العثمانيين وبريطانيا.
فمن السخرية والتناقض في هذه الرسالة، إنه ذكر فيها عودة اليهود كإحدى الطرق المهمة للحفاظ على الوضع الراهن وأحد الأسباب المهمة لمنع تفكك الإمبراطورية العثمانية.
فرئيس الوزراء البريطاني كتب في الرسالة أنه من خلال تشجيع اليهود على العودة والبقاء في فلسطين، فإنهم سيجلبون معهم الثروة الكبيرة وهذا سيزيد من الموارد الإقليمية للسلطان ، أي الإمبراطورية العثمانية.
هذه الفكرة كانت مغرية لدرجة ما. حيث بإمكان ثروات اليهود إذا تمت عودتها إلى فلسطين فهي تعزز موقف الدولة العثمانية ضد الأعداء الداخليين والخارجيين كانت خدعة كبيرة. ولكن تكمن في قلب هذه الفكرة كيفية ارتباط الصهيونية بالإمبريالية البريطانية والقضايا الدينية المسيحية التي كانت البنية الأساسية لظهور السيد المسيح مرة أخرى.
ولهذا السبب يُذكر كونت شافتسبري باعتباره " المنظر الرائد للمسيحية الصهيونية في القرن التاسع عشر وأول سياسي كبير حاول تمهيد الطريق لليهود لإقامة وطن لهم في فلسطين ".
وبطبيعة الحال فإن بابيه حذر إلى حد ما في مساواة الصهيونية المعاصرة بما حدث لليهود في القرن التاسع عشر ويعتقد أننا يجب أن نكون حذرين بشأن إعادة قراءة الأيديولوجية المعاصرة أي صهيونية اليوم، من خلال التمعن في ظاهرة القرن التاسع عشر هذه. ومع ذلك فقد تضمنت هذه الظاهرة كل المكونات التي حولت هذه الآراء فيما بعد إلى مبرر لطرد سكان فلسطين الأصليين والمحليين وحرمانهم من حقو قهم الأساسية.
ولذلك ووفقاً للإجراءات التي تم اتخاذها تم افتتاح أول قنصلية بريطانية في القدس عام 1838. وكان جدول الأعمال غير الرسمي لهذه القنصلية تشجيع اليهود للقدوم إلى فلسطين. فكانت القنصلية تعدهم بالحماية. بل وحتى إنها حاولت في بعض الحالات تحويل دينهم إلى المسيحية.
أشهر شخص من بين القناصل البريطانيين الأوائل في القدس هو شخص يدعي جيمس فين. فجعلت شخصية فين ومشاركته المباشرة في هذا الموضوع وضوح خطته لدى السكان الفلسطينيين الأصليين ولم يمكن إخفاء هذه الخطة عنهم.
فقد كتب جيمس فين علنًا عن العلاقة بين عودة اليهود إلى فلسطين والترحيل المحتمل للفلسطينيين نتيجة لهذه العودة وربما كان أول شخص يفعل ذلك. وفي القرن التالي كانت هذه العلاقة في قلب المشروع الاستعماري الصهيوني.
وكان اختلاف الاستعمار التوطيني والذي يشار إليه أيضًا بالاستعمار الاستيطاني عن أنواع الاستعمار الأخرى في نوع هذا الاستعمار، الذي لا يقتصر المستعمرون على السيطرة على السلطة السياسية والتحكم بالثروة المادية للمستعمر فحسب، بل بطرد السكان الأصليين والمحليين للمستعمرة واستقرارهم بدلا عنهم.
تمركز جيمس فين في القدس منذ عام 1845 و إلى 1863. وقد أشاد به المؤرخون الصهاينة فيما بعد لمساعدته اليهود على الاستقرار في فلسطين. فعمل فين بنشاط أكثر من أي أوروبي آخر من أجل الوجود الدائم للغربيين في القدس. وفي هذا المسار كان يشرف علي تنظيم شراء الأراضي والممتلكات لنشاط المبشرين المسيحيين والمصالح التجارية لهم وأيضا المؤسسات الحكومية.
***************** الموسيقى *****************
في ذلك الوقت، كان خط الاتصال المهم الذي ربط الجذور المبكرة للمسيحية الصهيونية والتي كانت بريطانية بشكل عام بالتيار الصهيوني السائد لاحقًا، هو حركة أمناء الهيكل. فكان هؤلاء ينشطون في فلسطين منذ ستينيات القرن التاسع عشر وحتى بداية الحرب العالمية الثانية. وقد انبثقت هذه الحركة الداعية للزهد من حركة في ألمانيا وانتشرت في جميع أنحاء العالم بما في ذلك أمريكا الشمالية. المكان الذي يمكن الشعور بتأثيره على الاستعمار الاستيطاني الأول حتى يومنا هذا.
نمت اهتمامات هذه المجموعة في فلسطين وتطورت خلال ستينيات القرن التاسع عشر. فهم أسسوا "مجتمع المعبد أو مجتمع أمنا الهيكل ". ومن وجهة نظرهم فإن إعادة بناء الهيكل أومعبد اليهود في القدس يعتبر خطوة أساسية نحو تحقيق المخطط الإلهي للفلاح ومغفرة الذنوب. والأهم من ذلك أنهم كانوا يعتقدون إذا استقروا بأنفسهم في فلسطين فيمكنهم تسريع عودة السيد المسيح.
إنهم أسسوا أول مستعمرة استيطانية لهم على جبل الكرمل في حيفا عام 1866 وتوسعوا تدريجياً إلى أجزاء أخرى من فلسطين. وقد منحت العلاقات الودية بين الإمبراطور الألماني والسلطان العثماني في أواخر القرن التاسع عشر زخمًا إضافيًا لمشروعهما الاستعماري التوطيني.
وقد قام الصهاينة الأوائل بتقليد المستوطنات السكنية لهذه المجموعة وأساليبهم التوطينية. ووصف المؤرخون الألمان الجهود الاستعمارية التي بذلتها مجموعة تيمبل بأنها "حملة صليبية صامتة " .
ففي ذلك الوقت كانت الصهيونية حركة تزعم أن مشاكل اليهود الأوروبيين يمكن حلها عن طريق استعمار فلسطين وإقامة دولة يهودية هناك. ولذلك ومع استمرار الاستعمار الاستيطاني لمينتظر بعض زعماء اليهود الاعتراف بالصهيونية عالمياً. فهم بدأوا العيش في فلسطين عام 1882. وفي المصطلحات الصهيونية الخاصة تسمى موجة الهجرة هذه " عَليا الأول " أو" الصعود الأول". أي الموجة الأولى من الهجرة الصهيونية إلى فلسطين والتي استمرت حتى عام 1904.
وكانت الموجة الثانية مختلفة عن الموجة الأولى. وقد تألفت هذه الموجة من الشيوعيين والاشتراكيين المحبطين الذين لم ينظروا إلى الصهي نية كحل للمشكلة اليهودية فحسب، بل اعتقدوا أيضًا أن الصهيونية ستكون رأس سهم الشيوعية والاشتراكية من خلال الاستيطان المشترك في فلسطين.
**************** الموسيقى **************
كانت الحركة الصهيونية بحاجة إلى دعم قوي ، لأن الشعب الفلسطيني كان يدرك تدريجياً أن هذا الشكل الخاص من الهجرة لا يعد بمستقبل جيد لأرضه وبلده. وكان يرى القادة المحليون أن هذه الهجرة سيكون لها تأثيرها السلبي للغاية على مجتمعهم.
وكان مفتي القدس من الشخصيات التي أدركت أن هناك علاقة بين هجرة اليهود إلى القدس وتدنيس المقدسات والحرمات الإسلامية لبلاده على يد الأوروبيين. ولذلك كان على رأس التيار المعارض للهجرة اليهودية وشدد بشكل خاص على العرب الذين يعيشون في فلسطين أن يمتنعوا عن بيع الأرض لهؤلاء المهاجرين لأن امتلاك الأرض من شأنه أن يبرر ادعاء الملكية من قبلهم. بينما المهاجرون إذا لم يستقروا فيمكن اعتبارهم ضمن السياح الدينيين المؤقتين من الناحية القانونية.
لكن هذه الإجراءات جاءت متأخرة للغاية فمع إعلان وعد بلفور في 2 نوفمبر 1917، أصبح شعب فلسطين والعالم على علم بالتحالف بين بريطانيا والصهاينة. فوعد بلفور كان عبارة عن رسالة من وزير الخارجية البريطاني إلى زعماء الجالية اليهودية البريطانية، يعد فيها بالدعم الكامل لإنشاء وطن لليهود في فلسطين.
ففي خلفية هذا الوعد كان هناك مزيج من العقيدة المليارية أو الإيمان بعودة السيد المسيح وحكمه على العالم الذي يدوم لألف عام وأيضا كان يشتمل على كراهية الإسلام.
وكان ديفيد لويد جورج وهومسيحي متطرف ورئيس و زراء بريطانيا في ذلك الوقت، مهتمًا بعودة اليهود إلى فلسطين بناءً على مبادئه الدينية. ومن و جهة نظر استراتيجية، كان هو وزملاؤه يفضلون و جود مستوطنة يهودية على مستعمرة إسلامية في "الأرض المقدسة".
وكان يرى العديد من صناع القرار في بريطانيا أن فكرة إقامة وطن لليهود في فلسطين الإسلامية تتوافق مع المصالح الاستراتيجية لبريطانيا في تلك المنطقة. لذلك عندما احتل البريطانيون فلسطين في الحرب العالمية الأولى سمح التحالف بينهم وبين اليهود ببناء البنية التحتية والقاعدة الأساسية للدولة اليهو دية. وكانت تتم هذه الخطوة في ظل الاهتمام والتعاون الجيد من البريطانيين، وكانت هذه الخطوة محمية بحراب حكم الملك البريطاني.
وقد جلب الاحتلال العسكري لفلسطين واغتصابها الاتجاهات الثلاثة المنفصلة إلى فلسطين مع بعضها ، أي ظهور الصهيونية والعصرالألفي البروتستانتي والأمبريالية البريطانية. وقد أدى اندماج هذه الأيديولوجيات الثلاث مع بعضها إلى تدمير هذا البلد وشعبه خلال العق د الثلاثة التي تلت ذلك.
**************** الموسيقى **************
يتساءل بعض الباحثين عما إذا كان اليهود الذين استقروا في فلسطين كصهاينة بعد عام 1918 هم في الواقع أحفاد نفس اليهود الذين طردتهم الإمبراطورية الرومانية من فلسطين قبل 2000 عام؟.
وقد حاول العلماء الإسرائيليون منذ ذلك الحين إثبات وجود صلة وراثية بين اليهود الذين كانوا يعيشون في هذه الأرض خلال العصر الروماني والمهاجرين اليهود إلى فلسطين اليوم. ومع ذلك فإن الشكوك في هذا الصدد لا تزال قائمة حتى يومنا هذا.
وبحسب إيلان بابيه فإن أساس التحليلات الأكثر جدية في هذا الصدد تم إجراؤها بواسطة باحثي الكتاب المقدس، هم الذين يعارضون جميعًا اعتبار الكتاب المقدس تقريرًا حقيقيًا لهذه الحقائق. بل إن بعض هؤلاء الباحثين شككوا في وجود ما يشبه الأمة في العصر المذكور في الكتاب المقدس.
فهم ينتقدون علمياً ما يسمونه "باختراع إسرائيل الحديثة" وحتى أنهم يعتبرون هذا المشروع من عمل اللاهوتيين المسيحيين المؤيدين للصهيونية. فأحدث المراجعات النقدية التي تحاول تحديد وانتقاد الافتراضات المسبقة حول الأمة اليهودية معروضة في كتابي شلوموساند بعنوان "اختراع الأمة اليهودية" و "كيف اخترعت أرض إسرائيل".
ويستمر بابيه في القول إنه قد لاتكون مشكلة أن تخترع أمة نفسها بنفسها، ولكن المشكلة تصبح حادة إذا أدت رواية ايجاد هذه الأمة إلى عواقب غير إنسانية مثل مذبحة أمة أخرى والتطهير العنصري والقمع وغيرها من الأمور.
ويقول إيلان بابي إن المهم اليوم هو إصرار الكيان الإسرائيلي على اعتباره ممثلاً لجميع اليهود في العالم وأن كل ما يفعله هو من أجلهم ونيابة عنهم.
فحتى عام 1967، كان هذا الادعاء مفيدًا للحكومة الإسرائيلية. وكلما كان يتم التشكيك في سياسات إسرائيل فكان اليهود وخاصة يهود الو لايات المتحدة هم من الداعمين الرئيسيين لها. ولكن اليوم هذه الوحدة تواجه تحديًا كبيرا.
وكانت الصهيونية في أصلها معتقد الأقلية بين اليهود. وكان على الصهاينة الاعتماد على دعم السلطات البريطانية ثم على قوتهم العسكرية لإثبات أن اليهود شعب ينتمون إلى فلسطين، وبالتالي يجب مساعدتهم على العودة إلى هناك.
لكن العالم اليوم غير مقتنع بمقولة "اليهود شعب بلا أرض". فشافتسبري وفين وبالفورد ولويد جورج كانوا معجبين بهذه المقولة لأنها كانت تساعد بريطانيا على الحصول على موطئ قدم في فلسطين. ولكن عندما فقدت هذه الفكرة أهميتها تدريجياً، قرروا التخلي عن أرض فلسطين حتى يتمكن اليهود المهاجرون والفلسطينيون الأصليون والمحليون أنفسهم من حل المشكلة ، بعد 30 عاماً من الحكم المخيب للآمال في فترة القيمومية عليها!.
ولذلك لم يكن اليهود شعب بلا أرض، ولم تكن فلسطين أرضاً فارغة تتسع لليهود التائهين...
نعم!
لقد تم اغتصاب فلسطين في عملية تاريخية شريرة وشيطانية.