منذ عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي، شهدت معادلات توازن القوة والنظام الجاهز في غرب آسيا تحولاً جذرياً.
ووفقاً للنظرية الواقعية لهوبز ونظرية توازن القوى لهانز مورغنث، عندما يتعرض النظام الإقليمي لهجوم من قبل القوى الوسطى الناشئة، فإن تعريفات توازن القوى والتحالفات المعدة مسبقاً تدخل أيضاً في التغيير، وعندما تخلق القوى الوسطى الناشئة بنية مثيرة للقلق فإن موازنة القوى لا يقتصر على إحداث تحول جوهري فحسب، بل تحتاج التحالفات التقليدية إلى إعادة النظر وتشكل حرب مباشرة بين قوى التوازن في الماضي والحاضر بحيث يحل التوازن الجديد محل التوازن الماضي.
لكن، ونظراً للقضايا الجيوسياسية للمنطقة وتحول العوامل العسكرية، فضلاً عن تغير التحالفات التقليدية السابقة، فإن هذه المواجهة المباشرة لا تحصر المواجهة في المواجهة العسكرية المباشرة خاصة إذا كانت البنية العسكرية لأحد طرفي هذه المواجهة مبنية على النظام الجديد لمنطقة الردع والآخر مبني على القدرة على الردع.
وكانت عملية طوفان الأقصى، التي شكلت هجومًا فريدًا ضد القوات الصهيونية، بداية هذه التغييرات في النظام الإقليمي، الذي يضم الآن، بعد عام، العديد من الجهات الفاعلة الإقليمية وخارج المنطقة؛ الجهات الفاعلة تتراوح بين محور المقاومة من الخليج الفارسي إلى البحر الأبيض المتوسط والقوى الأوروبية والأمريكية. العناصر التي تنقسم إلى فئتين: عناصر وقائية وعناصر تدابير مضادة.
وعلى سبيل المثال، القوة الصاروخية لحماس أو الجهاد الإسلامي أو أنصار الله في اليمن أو القوات الشيعية العراقية واللبنانية ليست بالضرورة قوة ردع، ولكن بسبب تضرر النظام الإقليمي، فقد كانت قادرة على تشكيل تحد مهم للإجراءات المضادة للقوات الصهيونية.
إن هذه القدرة على اتخاذ إجراءات مضادة، إلى جانب القدرات الاستخباراتية والعملياتية لجمهورية إيران الإسلامية، قد أجبرت الكيان الصهيوني على الدخول في هذه اللعبة ووضعتها بعد ذلك تحت ضغط على عدة جبهات.
من الطبيعي أن تسعى القوى الإقليمية وخارجها إلى تحقيق التوازن مع مصالحها الوطنية القصوى في خضم هذا الوضع الالتهابي الحتمي الحالي، ولكن في هذه الأثناء، يجب على الولايات المتحدة أن تنفق أقصى قدر من المال للحفاظ على البنية الرادعة للكيان الصهيوني من أجل تحقيق الحد الأدنى من المصالح بعد ذلك.
ومن ناحية أخرى، لا تحتاج الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى التكلفة القصوى للحفاظ على التدابير المضادة لقوى المقاومة، وترى إمكانية سهلة لتحقيق أقصى قدر من النفعية بعد تحقيق التوازن.
ومع ذلك، فقد توصل الطرفان المتنازعان، أي الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية الإيرانية، إلى تفاهم متبادل وقوة متبادلة من أجل تحقيق أقصى قدر من توازن المصالح. ومن أجل إدارة بعضهم البعض، يجب عليهم تعزيز هيمنتهم العسكرية والاستخباراتية على المنطقة.
وبمعنى آخر، توصلت الأطراف إلى أن المواجهة المباشرة غير ممكنة وأن إدارة هذا الوكيل هي وحدها القادرة على توفير مصالحها.
الآن أصبحت ظروف المنطقة هي ظروف الفوضى، وظروف الفوضى هذه يمكن أن تجلب نظاما وتوازنا جديدا للمنطقة بناء على نظرية هوبز للتوازن الإقليمي، والتي ذكرناها سابقا، لا يمكن إلا بحرب أو أزمة أو صراع. وكما كانت الفوضى التي شهدتها أوروبا بعد الحرب العالمية الأولى والركود الاقتصادي الدولي، فإن الحرب العالمية الثانية جعلتها أقرب إلى التوازن وأنشأت نظاما جديدا في العالم. وعلى الرغم من التغيرات في المعدات العسكرية والتقدم الهيكلي للاستراتيجيات المعلوماتية والعملياتية للحرب ومكافحة الأزمات مثل الحرب العالمية الثانية، إلا أنها بعيدة عن العقل، لكن حدوث هذا العامل سيؤدي إلى نظام جديد وإنه توازن مألوف ومنسق مع الاستراتيجيات العسكرية والعملياتية الحالية في العالم، وهو أمر لا مفر منه.
وفي غضون ذلك، تدرس جمهورية إيران الإسلامية أيضًا القضايا التي أثيرت سابقًا، ويمكن أن يكون الهدوء السياسي بعد انتخابات عام 2024 هو المحور الإقليمي الرئيسي لهذا التوازن الناشئ. وعلى الجانب الآخر أيضًا، يمكن أن تكون المشاكل والاحتجاجات الداخلية للكيان الصهيوني والالتهاب السياسي للولايات المتحدة سببًا لصعوبة لعب دور في خلق هذا النظام الجديد وتوازن القوى في المنطقة.
يجب على العملاء الذين يؤسسون النظام الجديد وتوازن القوى في المنطقة أن يهيمنوا بشكل عام على القوة الإضافية التي تتجاوز بقية اللاعبين في المنطقة. وأيضًا عدد العناصر الجانبية قيد الدعم، مما سيقلل لاحقًا من تكلفة إرساء النظام وتوازن القوى الجديدة. وفي هذا الصدد، فإن الجمهورية الإسلامية الإيرانية، باعتبارها العامل الرئيسي والمحور الأول لإقامة نظام جديد في المنطقة، لا تحتاج إلى صراع مباشر، وتستطيع الحصول على أكبر قدر من الموارد بأقل تكلفة.
إن هجوم اليمن على تل أبيب بصاروخ فرط صوتي بعيد المدى قطع مسافة 2100 كيلومتر في أقل من 12 دقيقة يمكن أن يبشر بأن عناصر المقاومة ضد الكيان الغاصب لم تعد تعتمد فقط على التدابير المضادة، بل القدرة على إطلاق صواريخ فوق صوتية يمكن أن تشير إلى أن قوات أنصار الله، أو بالأحرى الجيش الوطني اليمني، تحولت من قوة معاملات إلى قوة تحويلية. وهذا يعني أنها لا تمتلك القدرة على اتخاذ التدابير المضادة فحسب، بل لديها أيضًا القدرة على تنفيذ العمليات الوقائية.
وهناك العديد من هذه الحالات التي وجهت ضربات قاتلة للكيان الصهيوني في الأسابيع القليلة الماضية. حالات مثل استهداف الوحدة 8200 التابعة لذلك الكيان من قبل محور المقاومة في لبنان، وإسقاط طائرتين مسيرتين من طراز RQ_9 فوق اليمن، والإجراءات المضادة الحدودية بين لبنان والكيان الصهيوني.
وبطبيعة الحال، على الجانب الآخر، تمكن الكيان الصهيوني أيضًا من الانتقام. من استشهاد السيد حسن نصر الله المقاوم إلى القائد الشهيد نيلفروشان. ورغم أن هذه الإجراءات المضادة بين محور المقاومة والكيان الصهيوني دخلت مرحلة جديدة من الردع بعد وقوع عملية الوعد الصادق 2، إلا أنه يبدو أن الكيان الصهيوني لا يريد أو لا يستطيع أن يتجاوز هذه المرحلة. لأنه بدلاً من اتخاذ إجراء مضاد، تحول هذا الكيان مرة أخرى إلى الاغتيالات العمياء والعمليات دون أهداف عسكرية والتي أسفرت عن سقوط العديد من الضحايا المدنيين.
وبالنظر إلى القضايا المطروحة بشأن ضرورة حرب إقليمية واسعة النطاق لإقامة نظام جديد والتكاليف اللازمة، فضلا عن تكثيف الإجراءات المضادة لردع أطراف اليمن ولبنان والكيان الصهيوني، فإن لدى الجمهورية الإسلامية الإيرانية هذه الفرصة، وبتكلفة أقل مقارنة بتكلفة الطرف الآخر، ومن خلال زيادة نسبة الردع، يمكنها أن تهيمن على المحور الرئيسي لهذا التحول في توازن القوى في المنطقة.
وعلى غرار وكالة الولايات المتحدة الأمريكية في نهاية الحرب العالمية الثانية، التي تكبدت أقل التكاليف مقارنة بحلفائها الأوروبيين والشرقيين، وحصلت في المقابل على أكبر قدر من الموارد والامتيازات في إنشاء نظام وتوازن قوى جديد وقدمت نفسها على أنها رئيسة العالم.
والآن لدى الجمهورية الإسلامية الإيرانية هذه الفرصة لإشراك الكيان الصهيوني الغاصب على عدة جبهات وجعله يائساً ومعزولاً، لتكون نقطة النهاية لوجود هذا العار في المنطقة ومن ثم بداية العدالة والنظام وتوازن القوى الجديدة في المنطقة.
وكالة إرنا