مقال نشر في صحيفة نيويورك بوست بعنوان "إيران على وشك أن تصبح نووية بفضل بايدن". فهو يحاول، من خلال ادعاءات مبالغ فيها وغير مثبتة، تقديم صورة زائفة عن الوضع النووي الإيراني وتأثير سياسات إدارة بايدن على هذه القضية.
فإن هذا المقال مليء بالأرقام والادعاءات التي ليست كاذبة فحسب، بل مصممة أيضًا بطريقة متحيزة لخلق الخوف وعدم الثقة بين الشعب الأمريكي.
وجاء في بداية المقال: "تستطيع إيران إنتاج أكثر من اثنتي عشرة قنبلة نووية حتى نهاية إدارة بايدن". ومن الواضح أن هذا الادعاء، الذي لا يستند إلى أي دليل علمي أو وثائقي، يحاول جعل الوضع يبدو خطيرًا للغاية.
ووفقا لتقارير دولية موثوقة، فإن إيران لا تملك القدرة على إنتاج الأسلحة النووية، وهي تخضع لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وبالإضافة إلى ذلك، أعلنت إيران مراراً وتكراراً أن برنامجها النووي سلمي بحت، وأنها لا تنوي تطوير أسلحة نووية.
وكذلك تدعي صحيفة نيويورك بوست قائلة:
" إن طهران قامت بتخصيب أكثر من 6200 كيلوغرام من اليورانيوم إلى مستويات 5% و20% و60%". ورغم أن هذه الأرقام قد تكون صحيحة من الناحية الفنية، فإن نقطة مهمة يتجاهلها المقال هي أن تخصيب اليورانيوم إلى هذه المستويات لا يعني بالضرورة اقترابه من إنتاج قنبلة نووية. فلإنتاج سلاح نووي فلابد من تخصيب اليورانيوم إلى مستوى أعلى من 90%، وهو المستوى الذي لم تبلغه إيران بعد، ومثل هذا التحرك سوف يواجه عواقب وخيمة تحت الإشراف الدولي.
وهناك ادعاء كاذب آخر في المقال وهو أن: "إيران تمتلك الآن أكثر من 7400 جهاز طرد مركزي متقدم يمكنها تخصيب اليورانيوم بسرعة". وهذا الرقم مقدم بدون وثائق صحيحة والغرض الرئيسي منه هو خلق الخوف في الرأي العام.
والحقيقة هي أن جزءًا كبيرًا من أجهزة الطرد المركزي هذه يخضع لرقابة صارمة بسبب قيود خطة العمل الشاملة المشتركة والاتفاقيات الدولية الأخرى. كما أن أجزاء كبيرة من هذه القدرات زادت نتيجة للسياسات العدوانية التي اتبعتها إدارة ترامب بعد الانسحاب من خطة العمل الشاملة المشتركة. وعلى النقيض من ادعاءات صحيفة نيويورك بوست، مهدت سياسات ترامب بشكل فعال الطريق أمام التقدم النووي الإيراني من خلال إضعاف الدبلوماسية الدولية.
وجاء في المقال أيضًا: "تقوم إيران الآن ببناء منشأة بالقرب من نطنز تم بناؤها على عمق كبير بحيث ستكون محصنة ضد الضربات الجوية". وهذا الادعاء مبالغ فيه أيضًا ويتم تقديمه بهدف إثارة الذعر. ورغم أن إيران بدأت مشاريع جديدة في المجال النووي، إلا أن كل هذه الأعمال تخضع لإشراف المنظمات الدولية مثل الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وفي جزء آخر من المقال، تقول صحيفة نيويورك بوست:
"في ظل رئاسة ترامب، أنتجت إيران أقل من 2400 كيلوغرام من اليورانيوم منخفض التخصيب". ويأتي هذا الادعاء بهدف إظهار الفارق المبالغ فيه بين رئاستي ترامب وبايدن. والحقيقة هي أن سياسات ترامب، بما في ذلك الانسحاب من خطة العمل الشاملة المشتركة، أدت في الواقع إلى زيادة أنشطة إيران النووية، حيث خففت البلاد قيودها بعد انسحاب الولايات المتحدة من الصفقة.
ولعل الجزء الأكثر إثارة للجدل في المقال هو أنه يدعي بشكل غير مباشر أن إيران تسعى إلى فوز كامالا هاريس في الانتخابات الأمريكية. ومن المثير للاهتمام أن الإيرانيين والمسؤولين الإيرانيين يعتقدون أن الديمقراطيين منافقون ومؤامرات غامضة ضد بلادهم. وكتبت صحيفة نيويورك بوست: "إذا فازت كامالا هاريس بالانتخابات، فسوف يرى الأمريكيون الرعب وسفك الدماء".
ومن الواضح أن هذا البيان ليس فقط لا أساس له من الصحة، ولكنه أيضًا لا يدعمه أي دليل. إن استخدام لغة التهديد هذه لا يظهر إلا الدوافع السياسية للكاتب لمهاجمة المرشح الديمقراطي، بنفس الهدف المتمثل في خلق صلة بين الديمقراطيين وإيران.
وفي النهاية لا بد من القول إن مقال النيويورك بوست يسعى إلى خلق جو من الخوف والقلق في المجتمع الأمريكي بدلا من تقديم الحقائق والتحليلات الموثوقة.
إن استخدام أرقام ومعلومات لا أساس لها من الصحة دون تقديم مصادر توثيقية يؤكد أن هذا المقال كتب بهدف تسييس القضية النووية الإيرانية، وليس تقديم تحليل دقيق وغير متحيز.
parstoday