وتأتي ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر ورفاقه هذا العام في خضم المستجدات على الساحة الفلسطينية، القضية التي افنى عمره وجاب العالم وغُيّب لأجلها ، كيف لا فهو عاشق الحرية والقدس الشريف وكل فلسطين والمناصر لقضيتها لا بل والمدافع عنها في كل محفل ومنبر، وهو القائل أنا واجبي أن أموت في سبيل القدس، أنا مسؤوليتي أن أحمي الأرض المقدسة ولو كنت لبنانيا.
ويجب علينا أن نتوقف بذكرى اختطافه ونتأمل في هذه الشخصية الإسلامية البارزة، التي جمعت بين العلم والعمل، وبين الفكر والحركة، وبين الدعوة والجهاد، والتي ملأت الـدنيا فكـرا واصلاحا، وشغلت الناس لاستشراف غد مشرق، فاحبها الصغير والكبير واحترمتها الاديان والطوائف والحركات التحررية العالمية واستمدت منها صرخة حرية لتواجه الظلم والظالمين.
أتى ابن جبل عامل من بلاد فارس حاملا شعلة الفكر الخميني (ره) ليبلوره صرخة جنوبية لبنانية في وجه الكيان الصهيوني الشر المطلق، ما لبثت أن سُمعت أصداؤها في فلسطين والعالم العربي والاسلامي وباتت محفزا وملهما للشعوب لمواجهة الطغيان ونيل حريتهم وصون كرامتهم وكرامة اوطانهم.
ومن خلال تحركاته ومطالبه وخطاباته زرع بذور فكره في نفس كل مخلص وشريف لتنبت عقيدة مخلدة وأفواج مقاومة لمواجهة أطماع المستكبري، وعيشا مشترك بين أبناء الوطن وشعوب المنطقة، مؤكدا على الوحدة والتآزر لأن الخطر الصهيوني لا يحدق فقط بفلسطين وحدها انما يمتد ليطال الانسانية اجمع.
فكما نستذكر أقوال وخطابات الإمام موسى الصدر دوما، اليوم نسلط الضوء على بعض نفحات فكره التنويري بما يخص فلسطين والقدس الشريف حيث اعتبر الإمام موسى الصدر أن ديننا وإيماننا اساس تفكيرنا وانبعاثنا من جديد مشيرا إلى حقيقة إيمانية ومؤكدا على ان الدعوة للعودة الى فلسطين ليست دعوة سياسية انما معاهدة مع الله، بقوله :" إن العودة إلى فلسطين صلاتنا، وإيماننا، ودعاؤنا؛ نتحمل في سبيلها ما نتحمل، ونتقرب إلى الله في سبيلها بما نتحمله من مصاعب".
وعليه رأى الامام الصدر بأن القدس الشريف هي عقدة الصراع، وهي أكبر من أن تكون بلدة أو مدينة، بل هي عنوان مستقبل المنطقة ومصيرها، مؤكدا على :"إن القدس هي قبلتنا، وملتقى قيمنا، وتجسيد وحدتنا، ومعراج رسالتنا، إنها قدسنا وقضيتنا وجهاد الفلسطينيين في سبيل تحريرها جهادنا ومسؤوليتنا."
وكان واضحا وحازما بأن شرف القدس يأبى أن يتحرّر إلا على أيدي المؤمنين الشرفاء، وما نشهده اليوم من مستجدات على الساحة الفلسطينية هو بمثابة مرحلة مخاض لولادة ليس فقط حرية القدس وفلسطين إنما أيضا لولادة الإنسانية، لذا يجب علينا كشعوب حرة أن نتواجد بهذه المرحلة كلا حسب تخصصه وطاقاته حتى تستيقظ أمتنا من سباتها العميق.
وإننا كلنا ايمان وملؤنا ثقة بقاداتنا وعلمائنا، فالنضال من أجل فلسطين جهاد في سبيل الله وفريضة إسلامية لازمة والنصر في ساحة الكفاح هذه مضمون، فإن اليوم الذي نصلي فيه في القدس الشريف سيأتي ولن يكون متأخرا، لأن صلاتنا في القدس الشريف وعد الهي.