هو خبر بالتأكيد لن يكون ساراً لأعداء ايران، الذين جندوا كل إمكانياتهم، وشنوا حربا نفسية، لزرع اليأس والإحباط بين الإيرانيين لمنعهم من التوجه إلى صناديق الاقتراع، وقد تحولت وسائل المنع النفسية هذه إلى فيزيائية في خارج إيران، عندما أقدمت مجاميع من المرتزقة على ضرب وإهانة وشتم وتهديد، كل مواطن إيراني يتوجه إلى مراكز الاقتراع في الدول الغربية، وحاولوا فرض حصار حول هذه المراكز.
عاملان مهمان، رفعا نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية في إيران في جولتها الثانية، من 40 بالمائة إلى 50 بالمائة، وأبطلا سحر أعداء الثورة.
العامل الأول، هي الدعوة التي وجهها قائد الثورة الإسلامية آية الله السيد علي خامنئي إلى كل من يحب الإسلام والجمهورية الإسلامية وتقدم البلاد أن يظهر ذلك من خلال مشاركته في الانتخابات. وتأكيده أن من الخطأ الاعتقاد بأن أولئك الذين لم يصوتوا في الجولة الأولى هم ضد نظام الجمهورية الإسلامية، فالشعب هو العمود الفقري للجمهورية الإسلامية لتحقيق أهدافها، وأن إقبال الناخبين بشكل أفضل سيمكن الجمهورية الإسلامية من تحقيق أهدافها.
العامل الثاني، هو مشاركة ستة مرشحين في الانتخابات، انسحب اثنان منهم قبل الاقتراع، وكانت برامج أغلبهم متقاربة، لذلك لم نشهد حماسة من المواطنين للمشاركة، فلم يكن هناك فرز واضح بين هذه البرامج، ولكن في الجولة الثانية انحسر التنافس، بين مرشحين، لدى كل واحد منهما برنامج يختلف عن الآخر بشكل واضح، إزاء القضايا الداخلية، مثل القضايا الاقتصادية والاجتماعية والإنترنت والحريات والمرأة، والقضايا الخارجية مثل العلاقات مع الدول الأخرى، وخاصة العلاقة مع أمريكا والغرب، والاتفاق النووي، واتفاقية "فاتف" (مجموعة العمل المالي الدولية )، التي تربط النظام المالي الإيراني بالنظام المالي العالمي.
إذا ما أردنا ان نتعمق أكثر في البرامج والآراء التي طرحها بزشكيان، ونجح من خلالها باستقطاب أصوات الناخبين، هي تأكيده على أن إدارة البلاد تقوم على التعامل البناء مع العالم على أساس الحوار والتفاوض مع مختلف الدول.
ودعوته إلى تحسين العلاقات بين إيران والدول الغربية على أساس الأركان الثلاثة المتمثلة بـ"العزة والحكمة والمصلحة"، وهي أركان لطالما أكد عليها قائد الثورة الإسلامية. وسيعمل على إحياء الاتفاق النووي، وإن من مصلحة إيران الانضمام إلى "فاتف" من أجل تطوير وتسهيل التجارة مع الدول الأخرى.
ومن ضمن برامجه أيضا، إنه سيضع حدا للخلافات بين القوى السياسية التي يقول إنها "السبب الرئيسي لمشاكل" البلاد والاستعانة بأفضل الخبراء والمتخصصين. ووعد بأنه سيتابع مشاكل العمال والمتقاعدين والموظفين والعمل بطريقة تقضي على الفقر والتمييز والفساد في البلاد.
وشدد على ضرورة التعامل بصدق مع الجمهور وعدم إعطاء وعود فارغة وأكد بأنه سيشرك كل الناس في إدارة البلاد وليس فئة معينة. كما وعد بالتعاطي الإيجابي مع قضايا المرأة وحرية الوصول إلى الإنترنت وحقوق القوميات الدستورية والحريات السياسية والاجتماعية.
يمكننا أن نتنبأ وبسهولة بردة فعل أعداء الثورة، على فوز بزشكيان، فأوراق مرتزقة أمريكا من اتباع الملكية والمنافقين، مكشوفة، فهم في البداية كانوا يراهنون على عدم مشاركة الشعب الغيراني بالانتخابات على أساس أنها صورية، ومعروفة النتائج، ولا يختلف مرشح عن الآخر، ولكن منذ اليوم، سيتم العزف على وتر أن بزشكيان إصلاحي، وأن هناك خلافا بين الإصلاحين والأصوليين الذي كان ينتمي اليهم جليلي، في محاولة مكشوفة، لزرع اليأس في قلوب الإيرانيين، عبر الإيحاء أن إيران مقبلة على مرحلة ستسودها الأزمات الداخلية بين أنصار التيارين.
وهذه الحربة باتت مفضوحة يعرفها الإيرانيون جيدا، وقد تم استخدامها خلال الحكومات الإيرانية المتعاقبة، رغم أنهم يعلمون قبل غيرهم، أن جميع المرشحين، وخاصة الفائزين بالانتخابات الحالية والسابقة، هم أبناء الثورة الإسلامية، والفرق الوحيد بينهم، هو في رؤيتهم للحلول التي يجب اعتمادها لحل الأزمات التي تواجه إيران، أما ثوابت ومبادىء وأهداف الثورة الإسلامية، فهناك تنافس بينهم للتمسك بها وتحقيقها.
الفائز في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، ونقصد مسعود بزشكيان، الذي سيعمل أعداء الثورة على تسويقه كـ"معارض" للنظام الإسلامي، له تاريخ طويل في خدمة الثورة الإسلامية منذ بدايتها وحتى اليوم، فمع بدء الحرب المفروضة على إيران من قبل نظام البعث البائد عام 1980، كان بزشكيان مسؤولا عن إرسال الفرق الطبية إلى جبهات القتال، ونشط في العديد من العمليات مقاتلا وطبيبا.
وبعد ذلك بأعوام تولى منصب نائب وزير الصحة بوزارة الصحة والعلاج والتعليم الطبي لمدة 6 أشهر. ثم وزيرا للصحة. وهو ممثل أهالي تبريز في البرلمان منذ عام 2008 ولحد الآن .
بات واضحا للأصدقاء ومن قبلهم الأعداء، إنه عندما يؤكد قائد الثورة على موضوع المشاركة والنسبة العالية من المشاركة وإعطائه الاولوية لموضوع المشاركة، فهذا يعني أن النظام السياسي في إيران، منفتح على النتائج وهي نتيجة يحددها الشعب دون غيره، ولا حقيقة لما يروج له الأعداء، على أن هنالك مرشحا مفضلا من قبل السلطات أو الحكومة في إيران، وأن الناخب الإيراني لديه الحرية الكاملة والمطلقة في اختيار مرشحه، ولا توجد أي أولوية او أفضلية لشخص ضد شخص آخر وإن أي كلام وأي موقف للشعب، هو موقف وكلام ورأي مسموع ومعترف به في ظل نظام السيادة الشعبية الدينية في إيران.
وأخيرا، إن ذهاب اكثر من 30 مليون إيراني يوم امس الجمعة إلى صناديق الاقتراع، هو "نعم" كبيرة للجمهورية الإسلامية، و"لا" كبيرة لأعدائها والمتربصين بها، ولا عزاء لأمريكا وأذنابها، فإيران التي يناصبوها العداء، هي"بلاد الانتخابات" فخلال 45 عاما الماضيه، شهدت 45 عملية انتخابية.
وفي عام 1980 فقط ، شهدت إيران خمسة انتخابات، وهي الاستفتاء على نظام الجمهورية الإسلامية، وانتخابات تعيين أعضاء الدستور الإيراني، والاستفتاء على الدستور، وانتخاب رئيس الجمهورية، وانتخاب نواب أول مجلس للشورى.
أحمد محمد