واضاف عطوان في مقال نشره على موقع صحيفة راي اليوم: "المجزرة التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية في قطاع غزة وراح ضحيتها أكثر من 210 مواطنا فلسطينيا للإفراج عن 4 أسرى إسرائيليين كانوا محتجزين في مخيم النصيرات أحد أبرز الأدلة على ما نقول، فـ"إسرائيل" لن توقف الحرب ولا إطلاق النار قبل القضاء على المقاومة وإزالة حكمها في القطاع.
الرئيس الاميركي بايدن عندما كان يتعجل قبول “حماس” لخريطة طريقه للقضاء عليها، ويطالب الوسيطين العربيين (مصر وقطر) لممارسة ضغوط، بل تهديدات للحركة وعلى رأسها طردها من الدوحة، كان يعلم جيدا الخطط الإسرائيلية، وتوقيت تنفيذها للإفراج عن الأسرى الأربعة وغيرهم بالقوة، وارتكاب المجازر كورقة ضغط دموية تمهيداً لها، فقد كشفت قناة “سي إن إن” أن خلية أمريكية استخبارية شاركت في هذه العملية تخطيطا وتنفيذا.
لا نعرف أين هذه البطولة التي يتحدث عنها بنيامين نتنياهو بالإفراج عن الأسرى الإسرائيليين الأربعة، فهل إرسال مئات الجنود، وعشرات المدرعات، وقتل 210 من المواطنين العزل وإصابة المئات، عمل بطولي يستحق التباهي به من قبل رئيس وزراء كيان يملك رابع أقوى جيش في العالم، وتقيم الولايات المتحدة جسرا جويا لدعمه بالأسلحة والذخائر، لم يحقق السيطرة على قطاع محاصر لا تزيد مساحته عن 150 ميلا، ولم يستطع وبعد ثمانية أشهر من غزوه، تحقيق أي من أهدافه في القضاء على حركات المقاومة وإطلاق سراح الرهائن.
كيف ينفش نتنياهو ريشه ويحتفل بإفراجه عن الأسرى الأربعة، وهو الذي قتلت قواته برصاصها أكثر من 60 أسيرا في محاولات فاشلة لإطلاق سراحهم، وجرى تدمير أكثر من 2000 دبابة وحاملة جنود، وسقوط آلاف الجنود قتلى وجرحى؟
ما زالت المعلومات عن هذه العملية الإسرائيلية الاستعراضية شحيحة جدا، وسمحت الرقابة العسكرية الإسرائيلية بالإفراج عن معلومة واحدة، وهي الاعتراف بمقتل ضابط إسرائيلي واحد أثناء عملية الهجوم، ومن المؤكد أن هناك أعدادا من القتلى في صفوف منفذي الهجوم يتم التكتم عليها مثلما حدث في هجمات سابقة.
نتنياهو يبحث عن “أي نصر” مهما كان صغيرا لخداع المستوطنين وأنصاره في السلطة وخارجها، يبرر استمراره في هذه الحرب الفاشلة، وهذا ما يفسر عمليات التضخيم لهذه العملية، وربما يفيد تذكيره بأن هناك 160 أسيرا ما زالوا في قبضة كتائب القسام وسرايا القدس بينهم جنرالات في أنفاق قطاع غزة، ومن المؤكد أن عملية الغدر هذه ستعطي نتائج عكسية وستغلق كل الأبواب في طريق الإفراج عنهم عبر المفاوضات.
كتائب المقاومة وقيادتها الجبارة التي تدير المعركة في القطاع لن ترهبها هذه المجازر الإسرائيلية، ولن تدفعها إلى التراجع عن موقفها الصلب في رفض السقوط في المصيدة الأمريكية الإسرائيلية المسمومة التي تريد خديعتها، والإفراج عن الأسرى الإسرائيليين دون تحقيق شروطها (المقاومة) المشروعة في وقف دائم لإطلاق النار، وانسحاب كامل للقوات الإسرائيلية من القطاع وإعادة الإعمار فورا.
هذه المجازر الدموية، وعملية الإفراج الغادرة عن الأسرى الأربعة، وانفضاح الشراكة الأمريكية، ستؤسس لمرحلة جديدة في الحرب عنوانها الأبرز تطوع مئات الآلاف من الشباب للقتال في صفوف كتائب المقاومة، والنزول إلى ميادين المواجهة طلبا للشهادة، وتوسيع الأهداف من مقاومة حرب الإبادة في غزة إلى تحرير كل فلسطين من النهر إلى البحر، ولا نستبعد ردا قويا من أذرع محور المقاومة انتصارا لأشقائهم في القطاع والضفة، خاصة في اليمن وجنوب لبنان والعراق بتكثيف العمليات على الجبهات كافة.
نتنياهو قد يكون نجح في الإفراج عن أربعة أسرى أحياء وبمساعدة مباشرة وقوية من القوات الأمريكية وخلاياها الاستخبارية، ولكن فرحته هذه لن تدوم طويلا، وسيفاجأ في الأيام القادمة بنجاح فصائل المقاومة بأسر أعداد من الجنود الإسرائيليين في قطاع غزة أو العمق الإسرائيلي المحتل، وما عملية “الطوفان المصغرة” التي شنتها خلايا المقاومة قبل يومين على قاعدة عسكرية إسرائيلية بعد اقتحامها الحدود شرق مدينة رفح، وقتل جندي إسرائيلي وإصابة آخرين إلا أحدث الأدلة التي تؤكد ما نقول، وستكون تطبيقا لاستراتيجية جديدة.
نتمنى على قيادة حركة “حماس” في قطاع غزة، والمجاهدين يحيى السنوار ومحمد الضيف على وجه الخصوص، أن يعلنا الانسحاب الكامل والنهائي، من مفاوضات تبادل الأسرى بعد أن فضحت مجازر المعسكرات الوسطى في القطاع الأهداف الحقيقية خلفها، أي عدم وقف إطلاق النار، والانسحاب، وإفساح المجال أمام نتنياهو وحكومته وبدعم أمريكي، للقضاء على المقاومة وإسقاط حكم حماس، ونطالب الوسيطين المصري والقطري أيضا بإعلان إنهاء دورهما والاعتراف بخديعتهما من قبل الإدارة الأمريكية، واستخدامهما كأداة لتوفير الغطاء للمجازر الإسرائيلية في القطاع.
هذا الانتصار “المزور” بالإفراج عن الأسرى الأربعة قد يوحد الإسرائيليين خلف نتنياهو ويعطيهم أملا كاذبا بدعم سياساته، والبوادر الأولى في هذا الإطار تأجيل بني غانتس انسحابه من مجلس الحرب، ولكن هذه الفورة لن تعمر طويلا، والأيام القادمة ستكون حافلة بالخسائر والهزائم لدولة الاحتلال، خاصة بعد إكمال القوات الإسرائيلية احتلالها لمحور صلاح الدين (فيلادلفيا)، وإحكام إغلاق جميع المعابر ووقف كامل للمساعدات الإنسانية للقطاع.
إذا كانت دول المواجهة مثل مصر والأردن تحترم اتفاقات التطبيع مع "إسرائيل"، وتدير وجهها عن المجاعة الزاحفة إلى مليوني فلسطيني لم يعد أمامهم إلا خيارا واحدا، الشهادة جوعا أو بالرصاص، فإننا نضع كل آمالنا في دول وكتائب محور المقاومة في لبنان واليمن والعراق وسورية للتحرك بكثافة لنصرة أشقائهم في فلسطين المحتلة، ولا نعتقد أنهم سيترددون في تلبية صرخات الإغاثة الصادرة من الأمهات الثكلى وهن يلملمن ما تبقى من جثامين أطفالهن.
لا نستبعد أن تهطل الصواريخ والمسيرات كالمطر على مطارات اللد (بن غوريون) ورامون (في النقب) وحيفا في الأيام والأسابيع المقبلة، فالتصعيد والثأر ونصرة المجوعين، هو عنوان المرحلة المقبلة بإذن الله.. قد تبدو خاتمتنا هذه نوعا من التمنيات.. فليكن".
الكاتب والصحفي الفلسطيني عبدالباري عطوان