من هذا المنطلق نتحدث حول عدد من العلاقات والآثار المهمة بالنسبة للحج، منها:
علاقة الحج بالحركة التوحيدية
إذ تمثل في هذه الشعيرة أحد أهم الأسس التي بقي من خلالها شعار التوحيد الإلهي ثابتاً في الرسالات الإلهية، وهو وإن كان مطروحاً من قِبل الأنبياء الذين سبقوا النبي الأكرم محمد (ص) إلا أنه تعرّض إلى اهتزازات في المجتمع الإنساني فبدأت تتجاذب المجتمعات الإنسانية الديانات الأخرى بما فيها من شرك وابتعاد عن الله تعالى، فاهتزت عقيدة التوحيد.
ولما جاء النبي إبراهيم (ع) أعاد وضع أسس التوحيد لهذا البيت من خلال بناء هذه المؤسسة التوحيدية المتمثلة في الكعبة بيت الله الحرام لذا أشار القرآن في قوله تعالى: (وَإِذْ يَرْفَع إبْرَاهِيم الْقَوَاعِد مِنْ الْبَيْت وَإِسْمَاعِيل) (2)، فحركة النبي إبراهيم في هذا البناء حركة توحيدية وفي المقابل:( وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) (3)
ونحن باختصار نعتقد أن هذا البيت ليس بيتاً أصمّ لأن صريح القرآن يؤكد أنه ما من شيء في الكون إلا يسبح الله لكن لا أحد يفقه تسبيحهم كما قال تعالى :(وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ولكن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ)(4)، فهذه الأحجار التي تعدّ صماء تسبح الله وتقدسه وهي التي تمثل التوحيد، وفيها الحجر الذي يقبّله الحاج ويدعو عنده، وهو رمز ميثاق الله الذي تعاهده وفيه إبرام عهد التوحيد والعودة إلى الله تعالى.
الكعبة بيت الله تعالى
يقول تعالى:(وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) (5) والطواف لا يعني بمقصود اللغة الدوران حول الشيء، وحتى القرآن يبين بأن الطواف يعني الذهاب والإياب وأحد مصاديقه الطواف حول الكعبة والسعي بين الصفا والمروة كما في قوله تعالى: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ) (6)
وقد أمر الله تعالى النبي إبراهيم والنبي إسماعيل(ع) أن يطهرا البيت للعاكفين وقد يمثل البعض من الناس مصاديق العاكفين، لكن في الحقيقة أمير المؤمنين الإمام علي(ع) أجلى المصاديق فهو الذي اعتكف في بطن الكعبة ثلاثة أيام وتتبعه أمه التي بقيت في البيت ببركته(ع)، لذا يستحب الاعتكاف في اليوم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر لأنه حقيقة الولاية، والحاج يتطوف بهذا الطواف من البيت إلى العرش فهو عروج روحي وهذه الحقيقة النورانية التي يُعرف بها أهل البيت(ع) .
كما أن الكعبة تعدّ مهد علي بن أبي طالب (ع) وولادته فيه - بعد ثلاثة أيام من انشقاق جدار البيت ومكوث أمه فيه ثلاثة أيام وخروجها به محمولاً على كتفها- ومنقبة له وليست لأحد من قبل أو من بعد ولم يكن ذلك حالة طبيعية حتى أن من رأى الحادثة وحاول فتح الباب عرف بأن ذلك أمر إلهي وحركة توحيدية وبهذا فإن حقيقة التوحيد لا تكون إلا من هذا الطريق.
ولقد أرجع الله تعالى الحركة التوحيدية إلى النبي إبراهيم (ع) كما في قوله تعالى :( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (7) ،ثم نادى بشعيرة الحج في قوله تعالى: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) (8)، وقال تعالى: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً) (9) فعرفنا أنه بيت الرسول (ص) وأهل بيته (ع) فهم ليسو كسائر الناس، وبقيت هذه الشعيرة ببركة وجود النبي إسماعيل (ع) واستمرت في ولده وولد إسحق يعقوب المعروفين ببني إسرائيل وكان فيهم أنبياء يمارسون الحج سابقاً كما تشير إلى ذلك الآيات الكريمة والروايات الشريفة منها ما روي عن هشام بن الحكم عن عبد الله(ع) قال: (مر موسى النبي صلوات الله عليه بصفائح الروحاء على جمل أحمر خطامه من ليف عليه عباءتان قطوانيتان وهو يقول لبيك يا كريم لبيك ومر يونس بن متى (ع) بصفائح الروحاء وهو يقول لبيك كشاف الكرب العظام لبيك ومر عيسى ابن مريم (ع) بصفائح الروحاء وهو يقول لبيك عبدك وابن أمتك لبيك ومر محمد (ص) بصفائح الروحاء وهو يقول لبيك ذا المعارج لبيك) (10).
وهنا تبين الروايات أن بعد أداء التلبية الواجبة هناك تلبيات مستحبة من ضمنها أن يبدأ بقول النبي(ص) :( لبيك ذا المعارج لبيك) وفي كل فقرة من الفقرات يمثل مقامًا من مقامات الأنبياء على اختلافها.
وللنبي محمد (ص) مقام العروج إلى الله تعالى فقد حصلت له معجزة الإسراء والمعراج في ليلة واحدة، حيث أسري به ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ثم عرج به إلى مقام قاب قوسين أو أدنى دنواً واقتراباً وهذا المقام لم ينله ملك مقرب ولا نبي مرسل.
فلنتأمل عندما نقرأ الدعاء ونلبي بقول:(لبيك ذا المعارج لبيك) لنتعرف على معناه، ولنعيش بمشاعرنا وأحاسيسنا ولنتلمس الحضور الإلهي بين يدي الله، ونستشعر تعلق النبي إبراهيم (ع) بأستار الكعبة متضرعاً على تلك الصخرة فتلين متأثرة بقدميه ويكون لها شأن وتكون مقاماً يقصده كل من أراد الطواف حول الكعبة، فلا بد أن نستحضر هذه القضية الروحية ونفهم فلسفة الحج لتكون نتيجة ذلك العروج إلى الله تعالى، فكما أن الصلاة معراج المؤمن كذلك الحج ومناسكه من إحرام وتلبية ودعاء وطواف وتوسل وتضرع وسعي وحتى التقصير عروج إلى الله، وبمجرد أن ينوي الحاج الحج يكتب له ما يكتب وتكون كل أنفاسه بركة، لكن لابد أن يتّجه إلى الله تعالى بكل صدق وإخلاص، وقد روي عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) أن سليمان (عليه السلام) قد حج البيت في الجن والإنس والطير والرياح، وكسا البيت القباطي- قماش أبيض من اليمن-)(11)، ثم جاء الإسلام وثبت دعائم هذه بصورة واضحة بحيث أصبحت ركناً من أركان الدين ودعامة من دعائمه.
الأثر الولوي في الحج
أي أثر الولاية في صحة الحج، فقد قال تعالى :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ) (12)، وقال تعالى :( وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ) (13)
وهنا تبين الآيات أن لولاية أهل البيت (ع) أثرًا في صحة الحج وقد ربطت الآيات والروايات مصير السلوك الإنساني بالإمامة والولاية، فلا يمكن أن يقبل الله عمل عبد مهما كثر وبلغ من الإخلاص ما بلغ بدون الإقرار بولايتهم وإتباع نهجهم، وأصرح من ذلك كله ما ورد في صحيحة زرارة عن الإمام أبي جعفر الباقر(ع) :(أما لو أن رجلاً قام ليله ، وصام نهاره ، وتصدق بجميع ماله ، وحج جميع دهره ، ولم يعرف ولاية ولي الله فيواليه، ويكون جميع أعماله بدلالته إليه، ما كان له على الله حق في ثوابه، ولا كان من أهل الايمان) (14)
أثر لقاء الإمام (عج) في كمال الحج وصحته
فهو الذي يتولى شؤون المسلمين، ويعبر هذا اللقاء عن جوانب كثيرة منها الحب له والشوق لرؤيته والانتفاع به وتجديد العهد والبيعة له، حيث جاء في الروايات عن النبي الأكرم (ص): (ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية) (15)، وهنا تؤكد الروايات الشريفة الواردة أن زيارة النبي الأكرم (ص) ولقاء الإمام من كمال الحج إذ ورد عن الإمام أبي جعفر الباقر (ع) أنه قال: (تمام الحج لقاء الإمام).
==========================================
• الحج : 27
• البقرة : 127
• البقرة :125
• الإسراء : 44
• البقرة :125
• البقرة: 158
• البقرة :127
• الحج : 27
• آل عمران : 96
• بحار الأنوار : ج 13 ، ص10
• أصول الكافي ج 4:ص 213 ح 6.
• محمد : 32
• محمد: 32
• وسائل الشيعة ج27 ص66 ص84
• بحار الأنوار : ج 29، ص : 332
• أصول الكافي : ج 2، ص549
بقلم/ الشيخ عبد الجليل الزاكي
المصدر: شبكة فجر الثقافية