في اليوم الأول بعد الإعلان الرسمي عن الحادثة التي أدت إلى استشهاد الرئيس الإيراني، أعلنت 8 دول على الأقل (منها باكستان ولبنان والهند والعراق وسوريا وطاجيكستان وكوبا وتركيا) الحداد العام، وتأتي هذه الإحصائية بالإضافة إلى عشرات الدول التي أعربت عن تعاطفها مع الشعب الإيراني، عبر إرسال رسائل تعزية رسمية.
كما بدأ مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة جلسته الأحد بالصمت تكريماً لوفاة الرئيس الإيراني، وأعرب الأمين العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية عن تعازيه للشعب الإيراني في لقائه مع ممثلي الدول.
في هذه الأثناء، تناول الخبراء الدوليون ومراكز الأبحاث حادثة استشهاد الرئيس الإيراني من وجهة نظرهم الخاصة، ويستعرض هذا التقرير بعض آراء وتحليلات بعض مراكز الفكر حول استشهاد الرئيس الإيراني في حادث تحطم المروحية.
مأساة لإيران وليست أزمة
"راماكريشنان" هو أستاذ دراسات غرب آسيا في كلية الدراسات الدولية بجامعة جواهر لال نهرو، فيما يتعلق بالتطورات بعد استشهاد الرئيس الإيراني، يرى أن موقع الرئيس في إيران مهم للغاية، ولكن نتيجة وفاة آية الله رئيسي، لا يتوقع حدوث صدمة سياسية أو أزمة سياسية غير متوقعة.
وحسب هذا الخبير الهندي، يمكن اعتبار وفاة الرئيس مأساةً بالنسبة لإيران، لكن هذه المأساة لن تكون أزمةً سياسيةً، ويضيف هذا الخبير الهندي إن الحكومة الإيرانية بذلت الكثير من الجهود خلال السنوات الماضية، لمتابعة الاقتصاد المقاوم والاكتفاء الذاتي وزيادة التعاون مع الدول الأخرى المناهضة للغرب مثل روسيا والصين، بهدف مواجهة العقوبات والضغوط الغربية، وقد لعب السيد رئيسي دوراً بارزاً جداً في تحقيق هذا الهدف.
ويذكر هذا الأستاذ الجامعي الهندي أيضًا أن رئيسي ووزير الخارجية الإيراني أمير عبد اللهيان، الذي استشهد معه، كانا فريقًا ناجحًا تمكّن من توجيه السياسة الخارجية الإيرانية نحو موقف أكثر اقتداراً تجاه الغرب، ومن وجهة نظر الحكومة الحاكمة في إيران، كان فريق رئيسي وأمير عبد اللهيان ناجحاً للغاية في الوقوف في وجه الغرب.
كما خلص راماكريشنان في نهاية مذكرته، إلى أنه نظرًا لحقيقة أن التسلسل الهرمي للسلطة في إيران واضح وسليم، فلن تكون هناك تغييرات كبيرة عقب وفاة السيد رئيسي، في كيفية تعامل إيران مع الجهات الفاعلة الدولية (سواء كانت صديقةً أم عدوةً).
وحسب هذا الأستاذ في مركز دراسات غرب آسيا، فإن فقدان "آية الله رئيسي" لا يمثّل أزمةً سياسيةً بالنسبة لإيران، بل مأساة، وإيران في وضع جيد للتغلب على هذه المأساة.
عدم حدوث تغيير في السياسة الخارجية الإيرانية
يرى "إيمي سود"، الصحفي في هونغ كونغ، أن السيد رئيسي مارس ضغوطًا على الوفد الأجنبي خلال فترة رئاسته في مجال السياسة الخارجية، وخاصةً في المفاوضات النووية مع القوى العالمية، وفي الوقت نفسه، قام خلال فترة رئاسته بتوسيع علاقات إيران مع روسيا والصين والهند، من خلال استراتيجية "التوجّه شرقاً".
في الوقت نفسه، يعتقد هذا الخبير أنه بعد "آية الله رئيسي"، لن يكون هناك تغيير كبير في المواقف الرئيسية للسياسة الخارجية الإيرانية، وفي السياسة الإقليمية والخارجية من المحتمل أن يبقى كل شيء كما كان من قبل.
ويضيف إيمي سود أيضًا عن السجل الدبلوماسي لآية الله رئيسي خلال فترة رئاسته: إن إحدى أهم القضايا خلال فترة ولايته، هي أن إيران تمكنت من تحسين علاقاتها مع السعودية، المنافسة الإقليمية منذ فترة طويلة، من خلال توقيع اتفاق في بكين عام 2023، وشهدت العلاقات بين طهران والرياض مرحلةً جديدةً خلال فترة ولايته.
تنفيذ أول هجوم إيراني على الكيان الإسرائيلي في عهد رئيسي
"إلين يوانس" صحفي في موقع "فوكس" الأمريكي، في تحليله لاستشهاد رئيس إيران، كتب أن استشهاد رئيس إيران يحدث بينما تخوض إيران حربًا غير مباشرة (بالوكالة) ولكن عميقة مع "إسرائيل".
والآن، يقاتل حلفاء إيران في اليمن القوات الأمريكية في البحر الأحمر، وتهاجم القوات المسلحة المتحالفة مع إيران المنشآت العسكرية الأمريكية في سوريا والعراق.
كما ناقش هذا الخبير الأمريكي تصاعد التوتر بين طهران وتل أبيب، وكتب أنه في أبريل/نيسان، أطلقت إيران مئات الطائرات دون طيار والصواريخ باتجاه "إسرائيل" انتقاماً لاغتيال مسؤول عسكري إيراني، وكانت هذه هي المرة الأولى التي تنفّذ فيها إيران مثل هذا الهجوم على "إسرائيل" من أراضيها.
ووفقاً لـ يوانس، في حين أنه في السابق، كان الصراع بين إيران و"إسرائيل" يحدث عادةً من خلال مجموعات متحالفة في محور المقاومة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، أدى الهجوم الصاروخي من الأراضي الإيرانية إلى أول صراع عسكري مباشر بين إيران و"إسرائيل" في حكومة رئيسي.
إيران ستكون قادرةً على إجراء الانتخابات
ناقشت صحيفة الغارديان، في مقال كتبه "باتريك وينتور"، المحرر الدبلوماسي لهذه الصحيفة، أوضاع الانتخابات في إيران بعد وفاة الرئيس، وكتبت أن الوفاة المفاجئة للرئيس الإيراني "إبراهيم رئيسي"، وضعت السلطة السياسية في إيران أمام إجراء انتخابات لتحديد خليفة الرئيس بشكل غير متوقع.
ويضيف الكاتب في الوقت نفسه إن تجربة الحالات الأخيرة، تشير إلى أن الحكومة الإيرانية ستكون قادرةً على توفير الأمن وإجراء الانتخابات، وإن هذه الانتخابات ستُجرى قريباً.
التوجه الاستراتيجي لإيران لن يتغير
جوناثان بانيكوف هو مدير برامج الشرق الأوسط في المجلس الأطلسي، والنائب السابق لضابط المخابرات الوطنية الأمريكية للشرق الأدنى.
كتب بانيكوف عن استشهاد الرئيس الإيراني في مقال: إن وفاة آية الله رئيسي في حادث تحطم طائرة هليكوبتر يوم الأحد، ربما تكون قد صدمت الشرق الأوسط والعالم أجمع، لكن من غير المرجح أن يغير هذا الحادث المسار الاستراتيجي لإيران في السياسة الداخلية والخارجية.
ووفقاً لخبير المجلس الأطلسي، فإن التحدي الرئيسي الذي تواجهه إيران بعد وفاة آية الله رئيسي سيكون إجراء الانتخابات، ويخطط المسؤولون الإيرانيون من الآن لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة.
لن تتغير استراتيجيات السياسة الخارجية الإيرانية
داني سيترينوفيتش هو عضو غير مقيم في برامج الشرق الأوسط التابعة للمجلس الأطلسي، في مذكرته حول التطورات المستقبلية بعد استشهاد الرئيس الإيراني، كتب أن وفاة الرئيس ووزير الخارجية الإيراني ليس من المتوقع أن تغير بشكل كبير التوجهات الاستراتيجية لهذا البلد.
حيث إن سياسات حكومة رئيسي، وخاصةً في مجال الملف النووي الإيراني، ستستمر في الحكومة المقبلة أيضاً، ولذلك، فإن السياسة الإيرانية لن تتأثر بوفاة رئيسي.
رسائل التعزية تظهر ازدهار علاقات إيران الخارجية
كتب موقع إنتيلي نيوز، الذي يعتبر موقعاً تحليلياً أوروبياً، في تقرير حول التطورات بعد وفاة الرئيس الإيراني، أنه على الرغم من الوفاة المفاجئة للرئيس الإيراني في حادث تحطم طائرة هليكوبتر، فإن ميزان القوى الراسخ في إيران، يشير إلى أنه لن تكون هناك تغييرات فورية في الاقتصاد أو السياسة الخارجية بعد وفاة الرئيس.
وسيواصل الاقتصاد الإيراني، الذي تأثر بالعقوبات، مقاومة العقوبات، وستستمر التوترات مع "إسرائيل" والغرب، لكن ردود الفعل الدولية على وفاة الرئيس الإيراني، تشير إلى تحسن كبير في علاقات إيران مع العديد من الدول، بما في ذلك الدول الخليجية، والمنافسين القدامى مثل السعودية.
وشهدت إيران خلال رئاسة رئيسي استئناف العلاقات الدبلوماسية مع السعودية، والانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون، وإطلاق مشاريع إقليمية مشتركة مثل السد مع جمهورية أذربيجان.
ومن الناحية الجيوسياسية أيضًا، من المتوقع أن يظل موقف إيران ثابتاً بعد وفاة آية الله رئيسي، فقد توقفت الآمال في إحياء المحادثات النووية، وسوف يستمر دعم إيران لقوات متحالفة مثل حركة أنصار الله في اليمن.
كما أن الرئيس الجديد بعد رئيسي، قد يسعى إلى مزيد من الزخم في تحسين العلاقات مع الدول الخليجية، والتي أعربت جميعها عن تعازيها لإيران بعد وفاة آية الله رئيسي.
وأظهرت السعودية والإمارات في رسالتيهما، في إشارة إلى إيران باعتبارها "دولةً شقيقةً"، تغيراً إيجابياً في ديناميكيات المنطقة. وسوف يستمر تحسن العلاقات بين إيران والدول الخليجية حتى بعد ولاية رئيسي.