تعكس المائدة الإيرانية جوانب متعددة من التاريخ والتقاليد الاجتماعية، فهي فريدة من نوعها وتحمل في أصنافها عراقة وقدم يعود لآلاف السنين، الأمر الذي جعلها تراثاً يحتفي به أبناء هذا البلد ويصدرونه إلى البلدان الأخرى ليلقى ترحيباً واسعاً ويتحول إلى محرك سياحي للعديد من المحافظات الإيرانية.
تركت المأكولات الإيرانية أثراً في كل من تذوقها، سواء في داخل إيران أو خارجها، فطريقة صنعها التقليدية لا تشبه الطرق العادية، فهي تجسد تراثاً ثقافياً غنياً خطّه الطهاة الإيرانيون عبر أجيال.
لا تفوت تذوق آناربيج، وميرزا قاسمي، وباقلا قاتق، وزيتون برورده، وكباب تُرش، وكَته في حال توجهت إلى شمال إيران، فهذه الأطباق، التي تنسب إلى “جيلان”، جعلت من هذه المحافظة وجهة سياحية للعديد من السياح المحليين والأجانب لتميزها واحتوائها على أشهى المكونات والبهارات مقارنة بغيرها من المأكولات في إيران.
قام موقع TasteAtlas، وهو دليل عبر الإنترنت لتجارب السفر للأطعمة التقليدية، بتصنيف أفضل مناطق الطعام في العالم، وبناءً عليه تمكنت “جيلان”، تحت عنوان المنطقة الغذائية الوحيدة في إيران، من حصد المرتبة 24 عالمياً في هذه القائمة التي تضم أفضل 100 مكان في العالم.
مع 220 صنفا مختلفا من الطعام، تعد جيلان واحدة من أكثر المناطق في العالم تنوعا من حيث المأكولات المحلية، والتي إلى جانب حصولها على عدة نقاط في هذا الموقع السياحي، فقد تم تسجيلها أيضًا كمدينة مبتكرة للطعام في قائمة اليونسكو.
من هنا نستنتج أن الطعام غدا أحد الدوافع الرئيسية للسفر إلى هذه المحافظة الشمالية، فجيلان على النقيض من المحافظات الإيرانية الأخرى لا تمتلك فقط المعالم الطبيعية والمواقع السياحية كعوامل لاستقطاب السياح، بل كان للمأكولات الشهيرة وطريقة إعدادها والأدوات المستخدمة فضل في احتلال هذه المحافظة لقائمة وجهات السياحة في إيران.
في الواقع، ما حققته جيلان بحصد هذا المركز العالمي المتفوق من بين ما يقرب من 400 ألف صنف من الأطعمة و115 ألف منتج غذائي لا شك أنه سيخلق لها فرصا جيدة لتفتح أبوابها أمام العالم وتستقطب أكبر عدد من السياح، فالطعام لمن لا يعلم بات في يومنا هذا جزء لا يتجزأ من أهداف وأولويات الكثير من السياح عندما يقصدون وجهات سفر معينة.
ومن هذا المنطلق، فإن امتلاك جيلان لهذه العلامة التجارية في تميز الطعام يمكن أن توفر الظروف الملائمة لجذب السياح وخلق مزيد من فرص العمل أمام الناشطين السياحيين.
لكن هل تقف الأمور عند هذه المحافظة عند الحديث عن المأكولات الإيرانية؟ طبعا لا، فكرمانشاه مثلا من المحافظات الإيرانية الأخرى الرائدة في مجال الطعام ولها مكانة مرموقة في سجل يونسكو لأفضل مناطق الطعام التقليدي في العالم.
كذلك كان للمحافظات الجنوبية والغربية والشرقية والوسطى حضور في عدة تقارير محلية وعالمية فهي تحتضن 100 صنف من الطعام الخاص، إلا أنها ولضعف في السياسات الإيرانية فشلت أن تسجل اسمها في القوائم العالمية أو عبر موقع TasteAtlas.
وعانى سوق السياحة الإيراني من العديد من التحديات في السنوات القليلة الماضية، وقد يكون تسليط الضوء على مركزية الطعام وتقديم إيران كوجهة ذات ثقافة غنية بالمأكولات التقليدية عاملاً في استقطاب السياح ولفت نظر العالم حول ما تحويه هذه البلاد من تاريخ وثقافة.