أخفت "إسرائيل" الأسرى من قطاع غزة قسراً في معسكرات ومعتقلات، والتي عُرفت لاحقاً من خلال شهادات الأسرى والمؤسسات الحقوقية، وهي: سدي تيمان، عناتوت، النقب، مجدو، الدامون. وفي ذات الوقت، عدّلت "إسرائيل" القوانين وطوعتها بما يخدم احتجاز أعداد كبيرة من الأسرى المدنيين لفترات دون أي إجراء قانوني، كالتعديل على قانون المقاتل غير الشرعي وهو الغطاء الذي يستخدمه الاحتلال لاعتقال الأسرى.
وبحسب تقرير صادر عن مؤسسة الضمير ورعاية الأسير وحقوق الإنسان، يفيد بأن |إسرائيل عدّلت على قانون المقاتل غير الشرعي عدّة مرات بحيث أصبح يمكن إصدار أمر المقاتل غير الشرعي خلال 42 يوماً بدلاً من 7 أيام، وتتم المراجعة القضائية خلال 45 يوماً بدلاً من 14 يوماً، ويمكن أن يتم منع المعتقلين من مقابلة محاميهم لمدة 80 يوماً". وفي سياق متصل، أصدرت كيان الاحتلال تعليمات طوارئ تتعلق بمنع لقاء محامي للمعتقلين الذين يتم التحقيق معهم، لتصبح مدة المنع 90 يوماً.
وفي ظل عملية الإخفاء القسري ومنع المعتقلين من حقهم في لقاء المحامين أو مندوب الصليب الأحمر والجهات القانونية والحقوقية، أصبح مصير الأسرى مجهولاً والحصول على المعلومات وتوثيق الشهادات يعتمد على الأسرى الذين تم إطلاق سراحهم أو من خلال الإعلام الإسرائيلي الذي ينشر معلومات ضمن نطاق محدود لارتباطه بـ "أمن إسرائيل".
وفي ذات الشأن، نشرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية في وقت سابق، تقرير عن رسالة أرسلها طبيب إسرائيلي إلى وزير الأمن الاسرائيلي ووزير الصحة الإسرائيلي، واصفاً المستشفى الميداني في معسكر "سدي تيمان"، وتشير الرسالة إلى أن الاحتلال بترَّ ساقا أسيريّن بسبب إصابات نتجت عن الأصفاد. وفي ذات السياق، أكدت الشهادات التي أُجريت لموقع الميادين نت، تعرض أسرى قطاع غزة للتعذيب الجسدي والنفسي في ظل جريمة الإخفاء القسري.
جرائم التعذيب في معسكرات الاحتلال
موقع الميادين نت، أجرى حواراً مع الأسير المحرر محمد يوسف كسكين (38 عاماً) من مدينة غزة، وهو أب لـ 4 أبناء، اعتقل في تاريخ 23/12/2023 من حي الرمال الشرقي بعد يومين من حصار منزله الذي قُصف في السابع عشر من ذات الشهر والعام.
وقال كسكين " اعتقلت برفقة 6 أفراد من عائلتي، بعد أن نزعوا عنا ملابسنا وقيدونا وعصبوا أعيننا، ونُقلنا إلى بيوت مجاورة لمنزلنا عدة مرات"، مضيفًا " بعد ذلك أطلقت قوات الاحتلال سراح 4 من أفراد العائلة، وأبقت على اعتقالي برفقة شقيق أمي وابنه"، ومشيرًا إلى أنّ" كان الطقس حينها باردًا وماطرًا وكادت أجسادنا أن تتجمد".
وتابع بأن، قوات الاحتلال قامت بنقلهم إلى مستوطنة "زيكيم" على الحدود الشمالية لمدينة غزة وقاموا باعطائهم ملابس بيضاء "أوفرهول" الذي ظل على أجسادهم مدة 45 يوماً من الاعتقال، ولفت إلى أنه "خلال تواجدنا في زيكيم تعرضنا للضرب المبرح يوماً كاملاً.. في كل دقيقة كانت قوات الاحتلال تقوم بسحب أسير وتعتدي عليه بالضرب، ونحن لا نعرف لماذا نتعرض للضرب".
وأردف، قائلاً "في اليوم الثاني على وجدونا في زيكيم، أخبرونا بأنه سوف يتم نقلنا إلى نقطة طبية ومن ثم تحويلنا إلى المعتقلات" ومشيرًا إلى أن، طيلة هذه الفترة التي انتظرونا فيها ظلَّ الأسرى لمدة 4 ساعات مقيديّ الأيدي والأرجل في وضعية السجود على الأرض وتعرضوا للضرب والتعرية وقام الجنود بتصويرهم، ومضيفاً "في حال رفع أسير رأسه عن الأرض أو حرك قدمية يعتدون بالضرب عليه".
وأضاف، أنّ "قوات الاحتلاا قامت بنقلنا لاحقاً إلى بركسات لمدة 20 يومًا، ومحاطة بأسوار شائكة ويحرسها حارسان يحملان سلاح من نوع "إم 16"، ولفت إلى أن هؤلاء الجنود تعمدوا إخافة الأسرى عبر اللعب بالأسلحة وتصويبها نحوهم، وتابع "لم أكن أنام خوفاً من الطلقات التي في أيّ لحظة قد تطلق باتجاهنا".
وفي اليوم التاسع على تواجدهم في البركسات، نُقل محمد كسكين إلى التحقيق وهو مقيد اليدين ومعصوب الأعين، وأضاف بأن"تم تحقيق معي بشأن السابع من أكتوبر، وأخبرني المحقق بأنني متهم بتهمة المقاتل غير الشرعي في إسرائيل، وقمت بنفيّ جميع الاتهامات ورفضت التوقيع على الأوراق التي كُتبت باللغة العبرية". وبحسب تقديرات كسكين، فإن قوات الاحتلال أعادته إلى المعتقل بتاريخ في 14/1/202، مشيراً إلى أن" كنت أُقدر الأيام ومعرفة التواريخ من خلال حفرّ علامات على الفراش المخصص للنوم".
وفي سياق متصل، يقول الأسير المحرر محمد كسكين عن الظروف الحياتية التي عايشها الأسرى في معسكر زيكيم، بأن "الأسرى يظلون طيلة الوقت في العراء، وينامون على فراش يبلغ عُرضه 80 ملم.. وفي البداية أحضروا لنا بطانيّتين وقاموا بسحبهما تدريجيًا".
وتابع بأن، قوات الاحتلال نقلته إلى معسكر يدعى"جيميل" أي جيم باللغة العبرية وهو عبارة عن بركسات تضم 40 إلى 100 أسير فلسطيني، وبحسب تقديره فإن هذا المعسكر يقع شرق مستوطنة "سيدروت"، فيما تشير التقارير الصادرة عن المؤسسات الحقوقية بأن هذا المعسكر ذاته يدعى "سدي تيمان" الواقع في بئر السبع.
وأضاف، بأن "نُقلت إلى التحقيق عبر حافلة وتعرضنا للضرب بشكل جنوني حتى شعرت أن أحد الأسرى قد ارتقى شهيداً نتيحة الضرب"، مشيرًا إلى أن"بعد أن وصلت إلى التحقيق الذي يتعارف عليه الأسرى بتحقيق الحفاظات(الفوط) أجبرني الجنود على خلع ملابسي وارتداء الحفاظة وقاموا بتصويرنا والاستهزاء بنا"، وأردف قائلًا" بعد انتهاء جولة التحقيق قاموا بربطي من يدي وشبحي على الحائط لمدة ساعتين وشعرت أن جسدي قد تكسر، ثم اعادوني إلى التحقيق مرتين وتخللهما الشبح على الحائط لمدة 7 ساعات واستمر التحقيق 10 ساعات تقريباً دون ماء أو شراب"، مشيراً إلى أن "بعض الشبان تبولوا على أنفسهم لعدم السماح لهم استخدام المرحاض".
أما على صعيد الظروف في معسكر "سدي تيمان"، قال إنّ"كل يومين يدخل الجنود علينا برفقة الكلاب ويعتدون بالضرب على الأسرى باستخدام العصي، ونحن مقيدي الأيدي والأرجل وعبر مكبرات الصوت يصرخون علينا، فيما يمنع التواصل أو التحدث مع بعضنا البعض، ولم نكن نعرف التعليمات وما هو مسموع أو ممنوع إلا بعد أن نتعرض للضرب"، مضيفاً "تعمدت سلطات الاحتلال خلال تواجدنا في معسكر سدي تيمان، احضار حافلات من المستوطنين كي يشاهدونا ويقومون بالشتم والبصق علينا".
أُفرج عن محمد كسكين بعد 35 يوماً من الإخفاء القسري، برفقة 4 من الأسرى، فيما لا يعرف محمد مصير الأسرى الذي كانوا معه في المعسكرات.
"رأيت أبنتي جالسة على قمة الجبل، تلوح لي بيدها"
وفي سياق متصل، قالت الأسيرة المحررة نادية سعد (45 عاماً)، للميادين نت، بأنها اعتقلت برفقة 9 نساء بتاريخ 28/12/2023 من مخيم البريج وسط قطاع غزة، بعد أن نزحت برفقة أطفالها الثلاث من مدينة غزة.
وأضافت نادية سعد، بأنه عند اعتقالها كانت ابنتها في حضنها وأخبرتها أن الجنود سوف يعطونها المياه وستعود بعدها، مشيرةً إلى أنها شاهدت ابتها وهي جالسة على قمة الجبل، وتلوح لها بيدها، وتضيف بأن، الجنود الاحتلال نقلوها عبر شاحنة إلى خيمة وتعرضت خلالها للتفتيش العاري ثم نقلت إلى شاحنة وهي معصوبة العينين ومقيدة الأيدي والأرجل لمدة 4 ساعات برفقة 9 أسيرات فلسطينيات، وعند انزالها من الشاحنة تعمد الجنود دفعهن حتى وقعت سعد على الجنود.
وأفادت بأنّه "بعد أن رفعوا العصبة عن عيوني، رأيت 20 جندياً، سألتهم عن مكان وجودنا وقالوا أهلاً وسهلاً بك في إسرائيل.. هنا بدأت بالصراخ والبكاء خوفاً على أطفالي وشعرت أنني بعيدة عنهم"، وأوضحت سعد بأن جرى نقلها برفقة الأسيرات إلى معسكر "عنتوت" شمالي القدس المحتلة، وفي هذه الأثناء كنَّ مقيدات ومعصوبات الأعين ويتعرضن للضرب والشتم من قِبل المجندات الإسرائيليات، مشيرةً إلى أن "تم احتجازنا في قفص يشبه أقفاص الحيوانات لمدة 11 يوماً في العراء والبرد القارص وكنا مقيدات الأيدي والأرجل، كما وتعرضنا للضرب والشتم".
وأضافت بأن جنود الاحتلال كانوا يحضرون وجبات الطعام بكميات قليلة نسبة إلى عدد الأسيرات وعددهن 14 امرأة، فيما أكدت على حرمان الأسيرات من اللوزم الطبية والصحية المخصصة للدورة الشهرية، وأردفت قائلةً "كانوا يحضرون الفوط الصحية بعد معاناة وبكميات قليلة".
وبعد 11 يوماً من الاحتجاز في معسكرت "عنتوت"، نقل الاحتلال نادية سعد والأسيرات الفلسطينيات إلى سجن "الدامون" في مدينة حيفا المحتلة، وهو سجن مخصص للأسيرات الفلسطينيات. وطيلة فترة اعتقال سعد البالغة 43 يوماً، لم تتواصل مع عائلتها التي كانت تعتقد بأنها استشهدت أثناء الاعتقال، وتم الإفراج عنها بقرار ترحيل برفقة 23 أسيرة إلى قطاع غزة، ولم تستطع نادية التحدث مع عائلتها إلا بعد 16 من تحررها.
اخفاء قسري وتواطؤ المؤسسات الدولية
وفي سياق متصل، الميادين نت أجرى حواراً مع أماني سراحنة مسؤولة قسم الاعلام في نادي الأسير الفلسطيني، التي بدورها قالت إنَّه "منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة، لم نستطع جمع الشهادات ميدانياً، فيما استهدف الاحتلال مَن حاولوا الحصول على شهادات الأسرى المحررين، وفي ذات الوقت ترفض سلطات الاحتلال اعطاء أي معلومة تتعلق بأسرى القطاع"، وأكدت على أن" أقسى جريمة يمارسها الاحتلال بحق معتقلي قطاع غزة هي الإخفاء القسري وتهمة المقاتل غير شرعي".
وأضافت، بأن الشهادات التي حصل عليها نادي الأسير الفلسطيني من خلال وسائل الإعلام تعتبر بسيطة ولا تكفي للاستناد عليها في العمل القانوني أو للتوثيق، مشيرةً إلى أن "هذه الشهادات تدل تعمد الاحتلال تعذيب الاحتلال وإذلالهم من خلال التفتيش العاري والاعتداءات الجسدية والجنسية وهي محض اهتمام المؤسسات الدولية".
وفيما يتعلق بأماكن احتجاز الأسرى من قطاع غزة، قالت سراحنة، إنَّ الأسرى يحتجزون في معسكر "عناتوت" و"سديتي مان" و"عسقلان" و"الجلمة" و"الدامون"، وبحسب تفاصيل كشفها الاستعمار تتحدث عن استشهاد 27 أسير في معتقل "سديتي مان".
وتابعت، بأن " الأسيرات الفلسطينيات يتم احتجازهن في معسكر عنتوت في القدس، بحسب شهادة احدى السيدات التي اعتقلت من الضفة المحتلة أثناء مرورها عن حاجز عسكري، وكانت هذه السيدة قد جاءت من قطاع غزة للعلاج من مرض السرطان"، وأردفت بأن"شهادة الأسيرة كشفت بأن الأسيرات يواجهن ظروفاً قاسية جداً ويمنعنَّ التواصل فيما بينهنَّ، حيث يقبعن في معسكرات داخل بركسات وطيلة الوقت معصوبات الأعين ومقيدات".
وأشارت سراحنة في السياق نفسه، إلى أن "المحطة الثانية التي تمر بها الأسيرات، هي سجن الدامون حيث وصل عدد الأسيرات الفلسطينيات إلى 80 أسيرة من بينهن نساء من قطاع غزة جرى اعتقالهن خلال الاجتياح البري"، مضيفًة بأن أسيرات قطاع غزة يُفرض عليهنَّ العزل بشكل مضاعف في سجن الدامون ويُمنعن من لقاء المحامي.
أما على صعيد الوضع القانوني الخاص بأسرى قطاع غزة، الذين يواجهون تهمة المقاتل غير شرعي في ظل الإخفاء القسري، قالت سراحنة، إنّ "الاحتلال أصدر قوانين عسكرية من أجل تعميق جريمة الإخفاء القسري ضمن تهمة المقاتل غير الشرعي، وهو اعتقال دون تهمة وتوازي الاعتقال الإداري بالضفة الغربية والقدس المحتلة"، وأكدت على أن اسرائيل عبر هذه القوانين تتجنب وصفهم بأسرى الحرب وفقاً للقانون الدولي الإنساني وفي الوقت نفسه لم تُعلن عن آلية محاكمة الأسرى، مشيرةً إلى أن "أسرى قطاع غزة وصل عددهم إلى 790 معتقل، ولكن تقديرنا بأن العدد يفوق الآلآف في ظل الاخفاء القسري".
فيما عبرت سراحنة عن قلقها تجاه مصير الأسرى، قائلاً "لدينا يقين بأنه يوجد أسرى جرى إعدامهم بعد الاعتقال، وكان هنالك شواهد على مشاهد لجثامين شهداء مقيدة" وتابعت بأن، ذلك يأتي في ظل عدم قدرة المؤسسات تحقيق أي اختراق في ملف الاسرى وتحديداً الإخفاء القسري، وأضافت بأن"ناشدنا المؤسسات الدولية واللجنة الدولية للصليب الأحمر الذي لم يقم بدوره، ولم يعطي أي معلومة لعائلات الأسرى فيما يتعلق بأماكن الاحتجاز".
تتعمد "إسرائيل" احتجاز المئات من أسرى قطاع غزة تحت تهمة المقاتل غير الشرعي الذين بلغ عددهم 849 حتى مطلع نيسان/أبريل 2024، ولكن حقيقة الأمر بأن "إسرائيل" تحتجز أعداد أعلى مما هو معلنّ عنه. فيما بلغ إجمالي الأسرى في سجون الاحتلال، أكثر من 9500 أسير/ة وهذا المعطى لا يشمل كافة أسرى قطاع غزة الذين يخضعون لجريمة الإخفاء القسري، بحسب نادي الأسير الفلسطيني.
المصدر: الميادين نت