ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "قَطيعَةُ الْجاهِلِ تَعْدِلُ صِلَة الْعاقِل".
وفي النصوص الإسلامية الجهل لا يقابل العلم بل يقابل العقل، فمن لم يكن عاقلاً من الناس فهو جاهل، حتى ولو كان متعلماً، فقد يحصِّل المَرءُ علماً كثيراً ولا يكون عاقلاً، وقد يكون تحصيله العلمي قليل ولكنه يكون عاقلاً،.
وصحيح أن العلم يساعد الإنسان على التعقل والتفكر والتمييز بين الصواب والخطأ، والحق والباطل، ولكنه قد يقترن بالجهل بالتفسير الذي قدمناه.
ومعلوم أن العقل هو الذي يعقِل شهوات الإنسان وغرائزه، ويُقَنِّن حركته في الحياة، ويحمله على فعل ما يجب فعله، وينهاه عمّا لا يجوز فعله، ويوجِب عليه أن يُصلح جميع شؤونه، وأن يكون إنساناً صالحاً، يهتَمُّ بدنياه وآخرته على حدٍّ سواء.
وقد سألَ رجلٌ الإمام الصادق (ع) عن العقل فقال (ع): "مَا عُبِدَ بِهِ اَلرَّحْمَنُ وَاُكْتُسِبَ بِهِ اَلْجِنَانُ، قَالَ قُلْتُ" فَالَّذِي كَانَ فِي مُعَاوِيَةَ؟! فَقَالَ: تِلْكَ اَلنَّكْرَاءُ تِلْكَ اَلشَّيْطَنَةُ، وَهِيَ شَبِيهَةٌ بِالْعَقْلِ وَلَيْسَتْ بِالْعَقْلِ".
وأصل العقل في اللغة المَنع والحَجْر والنهي والحبس، كعقل البعير بالعقال لمنعه من الحركة، فالعقل هو القوة الذهنية التي تصون الإنسان من الجهل وتحميه من الانزلاق فكراً وعملاً، وتصونه من الأفعال القبيحة والمُشينة، وبكلمة أخرى: العقل ما يتوظف في تنزيه الإنسان عن القبيح، ولهذا قال رسول الله (ص): "الْعَقْلُ عِقَالٌ مِنَ الْجَهْلِ".
وقد استعمل لفظ (العقل) في النصوص الاسلامية وأريد به معان مختلفة، ولكنها جميعاً تؤول إلى معنى واحد وهو التمييز بين الخير والشر، والحُسْنِ والقُبح، وما يجب وما لا يجب.
منها:
أن العقل:
"قوة إدراك الخير والشَّرِّ والتمييز بينهما، ومعرفة أسباب الأمور، وعلى أساسه يكلف الله الإنسان بالتكاليف الشرعية".
ومنها:
أن العقل:
"مَلَكَةٌ تدعو الإنسان إلى اختيار الخير، والمَنافع، واجتناب المَضار".
ومنها:
"التعقُّل، بمعنى العلم، وبهذا المعنى يُقابَلُ بالجَهل لا بالجنون".
ومِمّا لا شَكَّ فيه أنه كما يجب على المَرءِ أن يكون عاقلاً بالمعنى الذي قدمناه، أي مُنَزِّهاً نفسه عن كل قبيح، وساعياً في كل حَسَنٍ وصالح من الأحوال والأفعال، كذلك يجب عليه أن يكون مع العقلاء وفي زُمرتهم، يتواصل معهم، ويصاحبهم، ويواكبهم، يفيدهم ويستفيد منهم، فيزيد بذلك عقله، وانضباطه، وصحَّة تفكيره، وسلامة مساره، وحُسْنَ عاقِبَته.
وفي الوقت عينه عليه أن يقاطع الجاهل بالمعنى الذي قدمناه، والغاية من المقاطعة ألا يتأثَّر بجهله، والمَرءُ عُرضة للتأثُّر، وقد ينزلق إلى ما لا تُحمد عقباه من الأفعال والأحوال، والتجربة شاهدة على ذلك، فكم من شخصٍ ساءت أفعاله تأثُّراً بقرنائه من الجاهلين الذين لا يرعوون عن فعل القبيح.
لكن ذلك لا يعني ألا يعمل العاقل على ردع الجاهل، وإرشاده، وتنمية فضائله، وتزكية نفسه من رذائلها، فذلك واجب، بل من أهَمِّ الواجبات.
الباحث اللبناني في الدراسات القرآنية
السيد بلال وهبي