بحسَب الظاهر، أعلنا المساعدة على إحلال السلام هدفاً لهما، في حين يشير هذا النوع من التصرفات إلى أن هذه المجموعة، غير الملتزمة مواعيدَها، لا تريد إلا تمهيد الطريق لخلق التوتر في أجزاء حساسة من العالم، والحصول على ذريعة للوجود العسكري على حساب أمن المنطقة واستقلال دولها.
حساسية منطقة جنوبي القوقاز لا تخفى على أحد، والتاريخ المشرّف لجمهورية إيران الإسلامية يُظهر أن هذه الدولة كانت دائماً ركيزة مهمة في المحافظة على الأمن والسلام في هذه المنطقة، مع حفظ حقوق دولها وحساسياتها.
إن هذه الخطة الجديدة وتشكيلها هما تخطيط مسبَّق تمّ بناءً على المبادرة الأمريكية، وبمساعدة من بعض الوسطاء في المنطقة. تجدر الإشارة إلى أنه، قبل نحو عامين، تمّ اقتراح مبادرة في هذا الاتجاه، لكن في مظهر مغاير، أرادوا من خلاله خلق مظهر أنيق، لكنه ضارّ جداً في باطنه، بذريعة تسهيل مزيد من التواصل من أجل نقل الطاقة بين دول هذه المنطقة، لأن تنفيذ تلك الخطة الضارّة من شأنه أن يسبب اضطرابات مهمة واستراتيجية على حساب دول المنطقة، بما في ذلك انهيار الحدود التاريخية لها وخلق خلافات بينها، الأمر الذي يخلق ذريعة للدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، لتتدخل في المنطقة، كما سيكون تنفيذ تلك الخطة وقوداً للنار المشتعلة بين الجيران، على نحو يتحول عملياً إلي مقدمة لحضور القوى الغربية التوسعية بذريعة إزالة الخلافات.
تجدر الإشارة إلى أن الأمريكيين، بصفتهم صُنّاع القرار الأعلى في الناتو، كانوا يهدفون إلي نشر قوات هذه المنظمة في جنوبي روسيا، أو شمالي إيران، بهدف الحصول على موارد الطاقة في بحر قزوين وآسيا الوسطى.
ومنذ البداية، تم إفشال هذه العملية ببركة يقظة نظام الجمهورية الإسلامية المقدّس ومعارضته هذه الخطة. في البداية، أيّد بعض الداعمين الإقليميين هذه الخطة، لكن الجمهورية الإسلامية الإيرانية عارضتها، وإيران وحدها وقفت أمام هذه الخطة بحكمة وسلطان.
لقد كانوا يريدون، ولا يزالون، القيام بالمبادرات نفسها، التي قاموا بها في بحر البلطيق وأوكرانيا، في هذا الممرّ المهم بين شمالي إيران وجنوبي روسيا. وهذا يعني استكمال النفوذ الواسع والشامل لحلف شمال الأطلسي في اتجاه الشرق.
وهناك عدد غير قليل من مراكز الأبحاث، ومراكز صنع القرار، التي تخدم مصالح الغرب غير المشروعة، وخصوصاً المراكز التي كشفت نيّاتها بعد فشل هذه الخطة، وهو ما أكد هذا الادعاء.
وتشير الأدلة الموجودة إلى أن أمريكا هي رأس كل خطيئة، وأن الرأسماليين الصليبيين الصهاينة، الحاكمين في تلك الدولة، يبحثون عن خطة محدَّدة، وهي أن يقوموا بإعادة تشكيل هيمنتهم علي العالم، في ظل الظروف الجديدة التي شهدها الاستقطاب بعد الحرب العالمية الثانية (يالطا، عام 1945)، والمطالبة بالعالم الأحادي القطب بقيادة الولايات المتحدة (بوش الأب، عام 1991)، والعالم متعدد الأقطاب عام 1999، والذي اقترحه ممثل الصين في الأمم المتحدة، وإنشاء قطب شرقي جديد (الصين وروسيا في كانون الثاني/يناير 2022) أعلنه فلاديمير بوتين وشي جين بينغ، والتشكيل الفعلي للتحالف الجديد للدول المناهضة للغرب في إطار حلف شنغهاي والبريكس، وخصوصاً محور المقاومة المتمركز حول الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ومشاركة الدول الثورية في غربي آسيا في هذا المحور.
لذلك، قال أحد المسؤولين في الولايات المتحدة، مؤخراً، إن الغرب يجب أن يكسر الاحتكار الاستراتيجي لمضيق هرمز وبحر البلطيق في مستقبل إمداداته من الطاقة، ولن يكون ذلك ممكناً إلا عبر جنوبي القوقاز.
وقال رئيس جمهورية روسيا، بوتين، ذات مرة، إن رئيس وزراء إنكلترا ومستشار ألمانيا أخبرا المسؤولين السوفيات آنذاك (غورباتشوف وشيفرنادزه)، في الوقت نفسه الذي سقط فيه جدار برلين، بأن الناتو لن يتقدم سنتيمتراً واحداً عن هذا الخط الافتراضي المتفَق عليه بعد الحرب الباردة، إلا أن العالم شهد أنه، خلال الأعوام التي تلت انهيار الاتحاد السوفياتي، جعل حلف شمال الأطلسي، كونه تحالفاً عسكرياً غربياً شاملاً يتمحور حول الولايات المتحدة، الدولَ الأوروبية أعضاء فيه، الواحدة تلو الأخرى، بحيث قام الناتو، من خلال تهديد دول محايدة ليس لديها سبب لمعاداة روسيا، من ناحية، وإغرائِها بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، من ناحية أخري، بضمِّها إلي الناتو، حتى وصل إلى أوكرانيا، ووقف بوتين أمامه.
وبعد نزاع جادّ بين روسيا والغرب، انصرف (الناتو) بالتدريج إلى البديل الثاني، وهو جنوبي القوقاز، وكان بوتين قال قبل حادثة أوكرانيا إن حدود جنوبي القوقاز هي نفسها التي تم رسمها في عهد الاتحاد السوفياتي السابق، لكنّ المواجهة الحادة بين روسيا والغرب في أوكرانيا أدت بالتدريج إلى تخفيف شدة لهجة الحكومة الروسية بشأن المحافظة على موقع جنوبي القوقاز.
وحتى خلال الأعوام الماضية، وصل الأمر إلى مرحلة قيل فيها في الولايات المتحدة وتركيا إن إيران هي المعارِضة الوحيدة لإنشاء ممر الزنغزور. نعم، هكذا أوقفت إيران هذه المؤامرة الضخمة، عبر الحنكة والسلطة اللازمتين.
وصرّح أحد أساتذة الشؤون الدولية في جامعة تبليسي، منذ فترة، بأن مكمن الخوف هو أن تضعف روسيا في جنوبي القوقاز، وأن يصبح الناتو جاراً لإيران.
الآن، إن تجارب إيران الطويلة والقيّمة تُظهر أن الدول الجشعة والمعادية لإيران ستدخل من النافذة إذا تمّ إخراجها من الباب. لكننا، نقول لهذه الدول إننا كما وقفنا أمام فتح ممر الزنغزور، فإننا سنقف أمام أي خطة أخرى لها نتيجة مماثلة، وما زلنا نعتقد أن صيغة 3+3 هي الحل الأمثل للمشاكل المستقبلية لجنوبي القوقاز.
تتمتع جمهورية إيران الإسلامية بتاريخ طويل من العلاقات التاريخية بأذربيجان وأرمينيا، واستقلال هذين البلدين المجاورين، والمحافظة على وحدة أراضيهما، أمرٌ في غاية الأهمية.
إننا نحذّر بوضوح الدولَ، التي لم تعرف إيران بعدُ، من أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية لن تسمح بمثل هذه التحركات لأي دولة أو منظمة أو حلف ينوي المساس بأمن إيران، وتدافع بيقظة وسلطان كاملَين عن سلامة أراضيها وكيانها وأمنها.
ويجب التأكيد أن جنوبي القوقاز يُعَدّ جزءاً مهماً من المنطقة الأمنية الإيرانية، وإيران ستدافع دائماً عن أمن واستقلال جميع البلدان في هذه المنطقة وسلامة أراضيها. وهذا القرار الأخير، الذي اتَّخذه الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي وأمريكا في بروكسل، لن يري النور، في أي حال.
المصدر: موقع علي أكبر ولايتي