ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ عليه السلام أنه قال: "قَليلُ الْحَقِّ يَدْفَعُ كَثيرَ الْباطِلِ، كَما أَنَّ الْقَليلَ مِنَ النّارِ يُحْرِقُ كَثيرَ الْحَطَبِ".
لم يحدث مرَّة في تاريخ البشرية الطويل أن كان أهل الحق أكثر من أهل الباطل، كان أهل الباطل دائماً كثير، وكانت إمكانياتهم كذلك، ولكن لم يحدث في تاريخ البشرية الطويل أن بقي الباطل دون أن يُفتَضحَ أمره في النهاية ولو طال زمانه وامتدت دولته، لأن من طبيعة الباطل البطلان والاضمحلال، لأنه لا يجب أن يكون، بخلاف الحق الذي يجب أن يكون.
سيبقى الحق والباطل يتصاولان ويتجاولان إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ستكون للباطل دولة وصولة، ولكن الحق سيأتي عليه بعد جولته فيدمغه ويزهقه، هذا ما تؤكده تجربة الصراع المرير بينهما.
إن المجتمع البشري أحوج ما يكون إلى الحق، ولن يُكتَبَ له الاستقرار والعيش الكريم والتواصل الإنساني الفعال، والتعاون على الخير والمعروف إلا إذا أقام الحق وقام عليه، وواجه الباطل وأزهقه وأبعده عن ساحته، واقتنع الناس أن العيش في ظلال الحق أهنأ وأسلم وأرقى من العيش في ظُلمة الباطل وجوره.
ولن ينتصر الحق إلا إذا انتصر له أهله ولو كانوا قِلَّة، وهم قِلَّة دائماً كما أسلفنا، لكنهم على قلَّتهم يدفعون الباطل وأهله على كثرتهم، فكما أن عود كبريت واحد يُشعِل غابات فيحرقها، كذلك أهل الحق يمكنهم أن يُزهِقوا الباطل ويُدحضوه، وما يكون للباطل أن ينتصر في جولة لو أن أهل الحق وقفوا في وجهه وأنكروه وقارعوه، وثبتوا على حقهم ولم يتزحزحوا عنه، ولم يداهنوا فيه، ومن أبلغ ما قيل في هذا الشأن ما قاله الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: "أيُّهَا النّاسُ لَوْ لَمْ تَـتَخاذَلوا عَنْ نَصْرِ الْحَقِّ، وَلَمْ تَهِنوا عَنْ تَوْهينِ الْباطِلِ، لَمْ يَطْمَعْ فيكُمْ مَنْ لَيْسَ مِثْلَكُمْ، وَلَمْ يَقْوَ مَنْ قَويَ عَلَيْكُمْ".
إن تخاذل أهل الحق عن نُصرة حقهم كان السبب في ضياعه وانتصار الباطل وأهله، ولسنا بحاجة إلى الاستدلال على هذا، فإن مراجعة سريعة لما يجري الآن في منطقتنا شاهد صادق، وحجة بالغة، فعندما تخاذلت الشعوب العربية والإسلامية عن مواجهة الباطل وأهله، وخنعت للناهبين والمستكبرين لم تفقد عزَّتها وكرامتها وثرواتها التي نُهبَت، وحريتها التي سُلٍبَت وحسب، بل تكاد أن تفقد كل شيء، بل إن بعضها يكاد ألا يجد ما يأكله، أوطان مدمَّرة، وثروات منهوبة، وإرادة مسلوبة، وبال مشغول في تأمين لقمة العيش.
لكن قلة مؤمنة، واثقة، متوكلة على الله، مصرَّة على مقارعة الباطل وأهله، ثابتة على حقها، لا تتنازل عن كرامتها وحريتها ولو كانت الأثمان عالية، استطاعت أن تجبَه جبهة الباطل، وأن توجد العراقيل أمام توسعها، بل استطاعت أن تحقق الكثير من النقاط في هذه المواجهة المفتوحة، وأن تفتح الطريق لتغيير استراتيجي كبير جداً تستعيد معه منطقتنا حضورها وتأثيرها ودورها ورسم مستقبلها والإمساك بثرواتها.
بقلم الباحث في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي