البث المباشر

خصوصية المفردة القرآنية (2)

الجمعة 15 مارس 2024 - 20:03 بتوقيت طهران
خصوصية المفردة القرآنية (2)

جمالية المفردة القرآنية وخصوصيتها تناولنا جانباً منها في مقالنا السابق ولم نكمل الحديث عنها لئلا يطول المقال والمقام امام القارئ.

 

ونحاول الآن أن نتعرف أكثر على ذلك، حيث إن الآيات الكريمة ابتداءً من سورة الفاتحة والبقرة وحتى سورة الناس تلفت نظر القارئ الى عشرات بل مئات الظواهر الطبيعية وعشرات الحيوانات والنباتات والتضاريس والانواء الجوية والامثلة الحية والسلوكيات المختلفة، لكي تتمكن من تسليط الضوء على أنماط الحياة الملموسة والمرئية، علّها تكون عبرة للإنسان وتحمله على التفكر في عظمة خالقه وقدرته ونعمه الكثيرة على البشرية، وتجعل البشر يفكر في مصيره الأخروي.

 

وفي هذا الصدد نجد العديد من الآيات التي تثير في نفس الإنسان وتستحث عقله على الاعتبار والانتصار على الشيطان وتقويم السلوك والتمسك بالتقوى وعمل الخيرات والطاعات في دنياه كي يجني نتائجها وثمارها في الآخرة.

 

لنقرأ معا في سورة النبأ:

﴿عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ (1) عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلۡعَظِيمِ (2) ٱلَّذِي هُمۡ فِيهِ مُخۡتَلِفُونَ (3) كَلَّا سَيَعۡلَمُونَ (4) ثُمَّ كَلَّا سَيَعۡلَمُونَ (5) أَلَمۡ نَجۡعَلِ ٱلۡأَرۡضَ مِهَٰدٗا (6) وَٱلۡجِبَالَ أَوۡتَادٗا (7) وَخَلَقۡنَٰكُمۡ أَزۡوَٰجٗا (8) وَجَعَلۡنَا نَوۡمَكُمۡ سُبَاتٗا (9) وَجَعَلۡنَا ٱلَّيۡلَ لِبَاسٗا (10) وَجَعَلۡنَا ٱلنَّهَارَ مَعَاشٗا (11) وَبَنَيۡنَا فَوۡقَكُمۡ سَبۡعٗا شِدَادٗا (12) وَجَعَلۡنَا سِرَاجٗا وَهَّاجٗا (13) وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلۡمُعۡصِرَٰتِ مَآءٗ ثَجَّاجٗا (14) لِّنُخۡرِجَ بِهِۦ حَبّٗا وَنَبَاتٗا (15)

 

كل ذلك مقدمة لكي يصل النص القرآني إلى النتيجة الحتمية وهي:

﴿يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا (18)

 

ثم يقول:

﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا (29)

لنعرضه عليك يوم الحساب.

 

وعندما نلقي النظر ونتأمل ونتدبر في سورة النازعات، نجد القرآن يعرض جانبا من التضاريس الأرضية و المراعي و المخلوقات و مظاهر الطقس وتعاقب الليل و النهار والامطار لكي يستحث العقل البشري على معرفة الحق والحقيقة والعودة إلى جادة الصواب و السلوك القويم فيقول:

 

﴿ءَأَنتُمۡ أَشَدُّ خَلۡقًا أَمِ ٱلسَّمَآءُۚ بَنَىٰهَا (27) رَفَعَ سَمۡكَهَا فَسَوَّىٰهَا (28) وَأَغۡطَشَ لَيۡلَهَا وَأَخۡرَجَ ضُحَىٰهَا (29) وَٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ دَحَىٰهَآ (30) أَخۡرَجَ مِنۡهَا مَآءَهَا وَمَرۡعَىٰهَا (31) وَٱلۡجِبَالَ أَرۡسَىٰهَا (32) مَتَٰعٗا لَّكُمۡ وَ لِأَنۡعَٰمِكُمۡ (33)

 

كل ذلك لكي يصل إلى نتيجة مهمة خلاصتها ردع الانسان عن التجبر ومنعه من الطغيان والتمرد والاستكبار وظلم الناس.

 

لنقرأ معا:

﴿يَوۡمَ يَتَذَكَّرُ ٱلۡإِنسَٰنُ مَا سَعَىٰ (35) وَبُرِّزَتِ ٱلۡجَحِيمُ لِمَن يَرَىٰ (36) فَأَمَّا مَن طَغَىٰ (37) وَءَاثَرَ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا (38) فَإِنَّ ٱلۡجَحِيمَ هِيَ ٱلۡمَأۡوَىٰ (39) وَأَمَّا مَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ وَنَهَى ٱلنَّفۡسَ عَنِ ٱلۡهَوَىٰ (40) فَإِنَّ ٱلۡجَنَّةَ هِيَ ٱلۡمَأۡوَىٰ (41) النازعات

 

كثير من المسلمين لا يعيرون المظاهر المادية و الظواهر الطبيعية و الكوارث الأرضية اهتماما يُذكر بحجة أنها مجرد امور زائلة وعابرة وظواهر لا أهمية لها بينما القرآن يركز عليها ويلفت نظر الإنسان إليها باعتبارها محل تفكر و مصدر عبرة ومقدمة لازمة ومنطلقاً للحياة الاخروية، وينطلق الاسلوب القرآني من الحسي والملموس والمرئي والمحسوس للوصول الى الغيب و المعنويات ويقوّم بذلك السلوكيات.

 

النتيجة:

﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبۡرَةٗ لِّمَن يَخۡشَىٰٓ (26) النازعات

 

بقلم: د. رعد هادي جبارة

الأمين العام للمجمع القرآني الدولي

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة