ووثّقت وزارة الصحة في غزّة، استشهاد العشرات من الفلسطينيين نتيجة الجوع، من بينهم أطفال. وباتت صورة الطفل يزن الكفارنة، صورة أيقونية لحرب التجويع التي تشنّها "إسرائيل" على الفلسطينيين في غزّة.
لكن إعلان الولايات المتحدة، إنشاء ميناء للمساعدات، في طيّاته الكثير من الأسئلة، بالتوازي مع ملاقاته انتقادات واسعة داخلياً وخارجياً.
لماذا الآن؟ وأين الحيلة (أو المصالح المخفية)؟ وهل يمهّد هذا الإعلان لاستمرار العدوان؟ ولماذا الميناء، فيما يمكنها (واشنطن) إدخال المساعدات عبر المعابر الإسرائيلية أو المصرية؟
ولماذا الجهة التي تدعم الاحتلال بالمال والسلاح، بشكلٍ غير مشروط وغير محدود، تدعم الغزّيين بالمساعدات؟ ألا يمكنها إحجام مساعداتها العسكرية فقط؟
توقيت الإعلان
زعمت واشنطن أنّ مشروعها يأتي بعد أن استشهد عشرات الفلسطينيين في عمليات إسقاط المساعدات، إما بسبب قصفهم وإطلاق النار عليهم من قبل قوات الاحتلال، وإمّا عبر التدافع، وإما بسبب خلل في فتح المظلات، ما أسفر عن هبوطها بقوة على عددٍ من الجوعى.
هذه المجازر، دفعت إلى ارتفاع واتساع الضغط الدولي والخارجي على الولايات المتحدة، لوقف العدوان الإسرائيلي المستمر منذ أكثر من 5 أشهر، ما يؤثر بشكل متزايد في صورة واشنطن ومكانتها في المجتمع الدولي، باعتبارها الداعم الأساسي والرئيسي للاحتلال الإسرائيلي.
وفي حين أنّ الولايات المتحدة وهي في الواقع أكبر مزود للأسلحة لـ "إسرائيل"، تقوم بمحاولات مستمرة لتلميع صورتها، عبر التعبير عن "جهودها لوقف إطلاق النار في غزّة، ومنع توسع الجبهات" من جهة، ومن جهة أخرى، تسعى إلى إرسال المساعدات.
والإعلان عن إنشاء الميناء، خطوة إنسانية بظاهرها، لكنّ في باطنها، وسيلة يظهر بها الرئيس الأميركي جو بايدن، لمنتقديه أنّه يتخذ المزيد من الخطوات لمعالجة الأزمة، إذ يواجه ضغوطاً من حزبه الديمقراطي لإقناع حليفته الوثيقة "إسرائيل" ببذل المزيد من الجهود للسماح بدخول إمدادات الإغاثة.
ويأتي هذا الكلام بعدما حذّرت منظمات أممية ودولية، من أنّ غزة تواجه مجاعة، واشتكت من "عقبات هائلة" في الحصول على المساعدات وتوزيعها في أنحاء القطاع. كما ناشدت وكالات الإغاثة "إسرائيل"، بتسهيل وصول إمدادات الإغاثة إلى غزة ومنح قوافلها ممراً آمناً داخل القطاع.
وشكت الأمم المتحدة من إغلاق المعابر والقيود على الحركة والاتصالات وإجراءات الفحص المرهقة والاضطرابات والطرق المتضررة والذخائر غير المنفجرة، باعتبارها مشكلات تواجهها في استيراد الإمدادات وتوزيعها.
الإعلان الأميركي يتزامن مع تأرجح في تصريحات واشنطن، بشأن وقف إطلاق النار في غزّة، إذ تارةً يدلي بايدن بتصريحات متفائلة حول نتائج المفاوضات في القاهرة، ويعلن أنّه قد يتم التوصل إلى اتفاق قبل شهر رمضان، وتارةً يقول عكس ذلك.
وبينما تحاول واشنطن جاهدة تلميع صورتها، تواجه تعنتاً إسرائيلياً، وحالة من العلاقات المتردية غير المسبوقة. وقالت وسائل إعلام إسرائيلية، إنّ "بايدن ضاق ذرعاً" من تعنّت رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، الذي "لم يراعِ مصالح واشنطن وبايدن".
ما بين السطور .. أهداف ومصالح مخفية
في إعلان إنشاء الميناء للمساعدات، كان لافتاً تأكيد البنتاغون أنّ التخطيط، وتنفيذه سيستغرق أسابيع عدة، الأمر الذي يشير إلى فشل الولايات المتحدة في الضغط على "إسرائيل" لوقف إطلاق النار.
وفي حين وثّقت عشرات حالات الفلسطينيين الذين استشهدوا بسبب سوء التغذية في المستشفيات في شمال غزة، فإنّ خطة الميناء الموقتة، لا تبدو كحلٍ فوري للفلسطينيين الذين يعانون من الجوع بالفعل.
وقالت لجنة الإنقاذ الدولية في بيان إنّ "إنشاء رصيف موقت، قد يستغرق أسابيع لبنائه، كما أنّ عمليات إنزال جوّي ليست حلاً، بل يجب على الولايات المتحدة أن تستخدم نفوذها لضمان قيام إسرائيل برفع حصارها عن غزة، وإعادة فتح معابرها، بما في ذلك معبرا كارني وإيرز في الشمال، والسماح بالحركة الآمنة ومن دون عوائق للعاملين في المجال الإنساني والمساعدات بما في ذلك الوقود والغذاء والمساعدات الإنسانية والإمدادات الطبية."
الأمر اللافت أيضاً، أنّ إعلان وزارة الدفاع الأميركية عن إنشاء ميناء للمساعدات، يتضمن وجود نحو "ألف جندي أميركي"، فيما لم يتضح ما هو دورهم، وإلى متى يستمر.
من جهةٍ أخرى، يرى محللون، أنّ التعاطف، الذي أظهره بايدن مع الفلسطينيين "تكتيكي"، ويهدف إلى استرضاء القاعدة الانتخابية المحلية التي يخسرها.
وأظهرت العديد من استطلاعات الرأي، تراجع التأييد لبايدن في الانتخابات الرئاسية المقبلة، ورفض الدعم الأميركي لغزّة، فيما طالب العديد بوقف دعم "إسرائيل" بالسلاح.
كذلك، هناك جانب آخر للميناء العائم، الذي يرتبط بإلغاء أي دور لمعبر رفح البري على الحدود مع مصر، المنفذ الوحيد لغزة مع العالم الخارجي، وبالتالي تشديد الحصار على القطاع، والتحكم بنوع المساعدات التي تدخل إليه.
الميناء الأميركي في غزّة .. فشل في إثارة الإعجاب!
خطة بايدن الهشّة تعرضت لانتقادات شديدة، باعتبارها مثالاً صارخاً على النفاق الأميركي، حيث اتُهم بايدن مرة أخرى بالفشل في الوقوف في وجه "إسرائيل"، بينما تواصل واشنطن تقديم الأسلحة والأموال التي تشنّ بها العدوان على غزة، ويواصل الاحتلال عرقلة دخول المساعدات.
وتساءلت النائبة الديمقراطية براميلا جايبال، في حديث لشبكة "سي أن أن"،عن "معنى إرسال المساعدات إلى غزة، وواشنطن أكبر ممول لإسرائيل عسكرياً".
كذلك، قال النائب الديمقراطي عن ولاية كاليفورنيا، رو خانا، إنّه "لا يمكن أن تكون لديك سياسة تقديم المساعدات، وتزويد إسرائيل بالأسلحة اللازمة لقصف شاحنات الغذاء في الوقت نفسه".
ما هو الميناء وكيف سيتم بناؤه؟
سيقوم الجيش الأميركي ببناء رصيف عائم وتثبيته في مكانه قبالة غزة، ونقلت وسائل إعلام أميركية عن مسؤول قوله إنّه سيتم ربطه بالأرض عن طريق جسر موقت.
كذلك، سيتم شحن المساعدات إليه من قبرص، حيث سيقوم المسؤولون الإسرائيليون بتفتيشها، لمنع دخول أي تفصيل إلى غزة، يرون أن له استخداماً عسكرياً محتملاً، مثل نواة التمر أو الكزبرة مثلاً!!
ومن غير الواضح، أين سيكون مقر هذا الميناء العائم. والجدير ذكره أنّ "إسرائيل"، قامت بعزل شمال غزة عن جنوبه في وقت مبكر من العدوان، ومنعت الناس من التنقل بينهما.
"القاتل يمد يده"
رحّبت جهات عدّة بالخطة، لكنّها أجمعت على أنّ وقفاً لإطلاق النار ووقف الحصار، سيكون أسهل على واشنطن لتنفيذ أهدافها "الإنسانية" ومصالحها السياسية.
والجدير ذكره، أنّ من بين الجهات التي رحّبت بالخطة، المملكة المتحدة و"إسرائيل". وأعلن وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون، أنّ بلاده ستتعاون مع الولايات المتحدة، لفتح ممر بحري لتوصيل المساعدات مباشرة إلى غزة.
الميدان - بتول دياب