ووصف المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالحق في الغذاء مايكل فخري في جلسة لمجلس حقوق الإنسان هذا الأسبوع استخدام "إسرائيل" حملة التجويع ضد الشعب الفلسطيني في غزة بأنه "إبادة جماعية". وقال: "عندما اندلعت الحرب، رأينا الناس يعانون الجوع بطرق غير مسبوقة. لم نر قط أي مجتمع يعاني الجوع بهذه السرعة. والآن، ما نراه هو المجاعة، ويموت الأطفال بسبب سوء التغذية والجفاف".
وذكّر فخري بأن "إسرائيل" قطعت إمدادات المياه عن غزة مباشرة بعد بدء الحرب في 8 تشرين الأول/أكتوبر، وقال إن غزة محاصرة بالكامل منذ 9 تشرين الأول/ أكتوبر، وأضاف: "لم نشهد قط أطفالاً يُدفعون نحو سوء التغذية بهذه السرعة في أي صراع في التاريخ الحديث".
كيف ينظر القانون الدولي إلى التجويع الإسرائيلي للفلسطينيين؟
1- التجويع في القانون الدولي لحقوق الإنسان
يذكر القانون الدولي لحقوق الإنسان بشكل واضح وصريح "حق الإنسان في الغذاء"، وتؤكد المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان "حق كل فرد في مستوى من المعيشة يكفي للمحافظة على الصحة والرفاهية له ولأسرته، بما في ذلك المأكل والملبس والمسكن والرعاية الطبية والخدمات الاجتماعية الضرورية".
كما أكّد العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (المواد 11 و2) هذا الحق، وأكّد اعتراف الدول وتعهدها بالعمل على الحفاظ على هذا الحق.
أما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (المواد 6)، فينص على "الحق الأصيل في الحياة لكل إنسان، إذ تجب حماية هذا الحق، ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفاً"، ومنها يتفرع عدم جواز تجويع الأشخاص أو تعريضهم لما يمكن أن يحرمهم الحق في الحياة تعسفاً.
وتنص المادة 1.2 (المشتركة بين العهدين) على أنه "لا يجوز بأي حال من الأحوال حرمان أي شعب من وسائل عيشه الخاصة"، ما يعني عدم جواز ما تقوم به "إسرائيل" في غزة من حصار ومنع السكان من القدرة على تحصيل وسائل العيش، إضافةً إلى عدم جواز قيامها باستخدام الفوسفور الأبيض الحارق للتربة بهدف منع سكان غزة في المستقبل من إمكانية الزرع وإنتاج الغذاء.
2- التجويع في القانون الدولي الإنساني
عام 1919، أدرجت لجنة المسؤولية الدولية بعد الحرب العالمية الأولى "التجويع المتعمد للمدنيين" كانتهاك لقوانين وأعراف الحرب التي تؤدي إلى الملاحقة الجنائية لمن يرتكبها.
وبموجب النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، يعتبر "تعمد تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب" جريمة حرب في النزاعات المسلحة الدولية.
أ- القاعدة 53 من القانون الدولي العرفي من القانون الدولي الانساني أو يُعرف بقانون النزاعات المسلحة، تنص على ما يلي: "يُحظر استخدام تجويع السكان المدنيين كوسيلة من وسائل الحرب".
ويشترط القانون الدولي الإنساني على الدول ضرورة احترام هذه القاعدة باعتبارها قاعدة من قواعد القانون الدولي العرفي المطبقة في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية.
ويرد حظر التجويع كأسلوب من أساليب الحرب في البروتوكولين الإضافيين الأول والثاني لاتفاقيات جنيف الأربعة. وإضافة إلى ذلك، ترد هذه القاعدة في صكوك أخرى تتعلق أيضاً بالنزاعات المسلحة غير الدولية، وفي الكتيبات العسكرية التابعة للجيوش النظامية.
ب- القواعد 54-55- 56 هي نتيجة طبيعية لحظر تجويع المدنيين كوسيلة من وسائل الحرب.
تحظر القاعدة 54 مهاجمة الأعيان التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة. أما القاعدة 55، فتحظر منع وصول المساعدات الإنسانية المخصصة للمدنيين المحتاجين، بما في ذلك تعمد إعاقة المساعدات الإنسانية، فيما تعتبر القاعدة 56 أن تقييد حرية حركة موظفي الإغاثة الإنسانية قد يشكل انتهاكاً لحظر التجويع.
ج - الحصار التجويعي
يميّز قانون النزاعات المسلحة بين الحصار الذي يهدف إلى تحقيق أهداف عسكرية وتجويع المدنيين، فالأول ليس محظوراً في القانون، فيما يعدّ الآخر جريمة حرب، وقد يرقى إلى مستوى الإبادة.
وفي تطبيق هذا التمييز بين الحصار العسكري والحصار التجويعي على ما تقوم به "إسرائيل" في غزة، نشير إلى أنه لا يمكن لـ"إسرائيل" أن تدّعي أن هدف حصارها هو تحقيق أغراض عسكرية بدليل أنها تقول إنها أنهت قدرات المقاومة الفلسطينية في شمال القطاع، فيما تقوم بمنع المساعدات الغذائية عن السكان وتتعمد تجويعهم في تلك المناطق، حيث تقوم بإقفال المعابر وقصف شاحنات المساعدات، ما يعني أن الحصار هو تجويعي متعمد، وليس حصاراً لأهداف عسكرية.
إضافة إلى ذلك، إن "اسرائيل" بوصفها "دولة" احتلال تبقى مسؤولة عن الشعب الموجود على الأرض التي تحتلها، وبالتالي من المحظور تجويعهم أو حرمانهم الحق في الغذاء.
في النتيجة، وبالرغم من وضوح النص حول حظر تجويع المدنيين ووجوده في القانون الدولي لحقوق الإنسان، ليس هناك آليات للمحاسبة على خرق هذا الحق في ذلك القانون، وتبقى آلياته ومبادئه معنوية، وبالتالي لا يمكن إلزام "إسرائيل" بها، ولكن يمكن بالطبع محاسبتها على انتهاكاتها للقانون الدولي الإنساني، إذ إن مخالفة الدولة لالتزاماتها في حفظ هذه الحقوق خلال النزاعات المسلحة ترتب مساءلة جنائية للأشخاص المسؤولين في الدولة عن ارتكابها وتسهيلها وإعطاء الأوامر لتجويع المدنيين.