ورُوِيَ عن الامام علي (عليه السلام) أنه قال: "غَيرُ مُدْرِكٍ الدَّرَجاتِ مَنْ أَطاعَ الْعاداتِ".
مِمّا لا شكَّ فيه أن للعادات إيجابية كانت أم سلبية تأثيراً هائلاً على حياة الفرد ومساره ومصيره، حتى إنه ليصح القول: إنه ابن عاداته، وهي إحدى هُوِيَّاته، وواحدة من أهمِّ ما يُعرَفُ به، وهي المسؤولة عن نجاحه أو فشله، فإذا كانت إيجابية دفعته نحو النجاح، وإذا كانت سلبية دفعته نحو الفشل.فالعادة تتحكَّم بالمَرء وتسيطر عليه، ولها نحو من الاستبداد به حتى إنه ليصعب عليه أن يغيِّرها، وقد يبلغ به الحال أن يعتقد بأن ما اعتاد عليه من عادات سيئة أمر حَسَنٌ لا يمكنه أن يمضي في حياته من دونها، والعادة عدُوٌ مُتَمَلِّكٌ، كما جاء عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام).
ولا يختلف عاقِلان على أن العادات الإيجابية أمرٌ حسَنٌ وعلى المَرء أن يهتم بها ويواظب عليها، لِحُسنِها أولاً، ولأنها تدفعه نحو النجاح والفلاح، كما لا يختلفان على أن العادات السلبية أمرٌ قبيح وعلى المَرء أن يُقلِع عنها ويُغَيِّرها، لقُبحها أولاً، ولأنها تعيق تقدمه وتطوره ونجاحه وتودي به في المزالق والمهالك.
ولو استقرأنا واقع الناس الفاشلين لوجدنا أن ارتهانهم لعاداتهم السلبية كان السبب الرئيس وراء فشلهم، فمن اعتاد الكذب، والخيانة، والغِشَّ، والتزوير، والاحتيال، لن ينجح، وإن نجح فسريعاً ما يزول نجاحه وينكشف أمره وينفَضُّ الناس من حوله، ويجتنبون التعامل معه.
ومن اعتاد المماطلة والتسويف والتأجيل فمن المؤكد أنه سيخسر فُرَصاً ثمينة لن ترجع إليه، ومن اعتاد انتظار تبدُّل الأحوال دون أن يبادر إلى العمل بالميسور فسيفشل، ومن اعتاد الراحة فمن الطبيعي ألا يتحقق له شيء إذا لا شيء يتحقق من دون عمل وتعب وجهد.
ومن اعتاد الغفلة ففشله مؤكد إذ لا تتحقق للمرء أهدافه من دون وعي وتفكر في الأمور وتدبر في عواقبها، ومن اعتاد الإهمال والتضييع فالفشل ينتظره إذ لا شيء إلا وهو محتاج إلى الاهتمام والحِفظ، ومن اعتاد الارتجال في عمله دون تحديد واضح لأهدافه وتخطيط مُحكَم لتحقيقها وتهيئة لمقومات نجاحها فمن المؤكد أن يفشل.
ومن اعتاد أن يستعجل القول والفعل دون تدبر في العواقب فمن الطبيعي أن يفشل، ومن اعتاد أن يهمل تصرفاته فالفشل ينتظره، ومن اعتاد التفكير السلبي واليأس فالفشل ينتظره، ومن اعتاد الانهماك في الجزئيات والغفلة عن الأمور الكبرى فسيفشل، ومن اعتاد التركيز على المشكلة أكثر من التركيز على حلها فسيفشل، ومن اعتاد على الأخطاء دون أن يتعلم منها فسيفشل.
الحق: إن أعظم عقبة في طريق النجاح العادات السلبية، وخطورتها تكمن في اعتياد النفس عليها، والنفس أمَّارَة بالسوء، وهي قادرة غالباً على أخذ المَرء حيث تريد، وقادرة على إقناعه بأن مصلحته، وراحته، تكمنان فيما اعتاد عليه من أمور سَيِّئة، وتكمن خطورة العادات السلبية في أنها لا تعيق نجاحه الدنيوي وحسب، بل تؤدي به إلى عاقبة سيئة في الآخرة.
ولذلك كان عليه أن يكون شديد النباهة في التعامل مع نفسه، وأن يبقيها تحت مجهر المراقبة، وألَّا يغفل عن عاداتها السلبية، وهذا هو الجهاد الأكبر كما جاء في حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومن ينتصر على عاداته فهو على أعدائه أقدر على الانتصار.
بقلم الباحث في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي