ورُوِيَ عن الإمام علِيّ (ع) أنه قال: "عِنْدَ الامْتِحانِ يُكْرَمُ الرَّجُلُ أَوْ يُهانُ".
هذه قاعدة جوهرية في تمييز الصَّالح من الطالح من الناس، وفي الكشف عن كُنْهِ الأشخاص، فكل بني آدم يدَّعون الصَّلاح، والصدق، والأمانة، والوفاء، والإخلاص، والشجاعة، والنُّبل، والكرم، والإيثار، وحبَّ الخير للناس، وكل الصفات الحَسَنَة.
والمُنَظِّرون منهم كثير كثير، تراهم يقولون: لو كنتُ مكان فلانٍ لفعلتُ وفعلت، ولو كنتُ أملكُ ما يملك لأعطيت ووهبت وتصدقت، ولو كنت في موقعه الوظيفي أو السياسي لأنجزت وغيّرت وبدَّلت وعَدَلت.
ويحار المرء وهو يسمع الناس يتبجحون بفضائلهم وسجاياهم، هل يُصدِّقهم فيما يقولون، أم يُكَذِّبهم، أم ينتظر الأيام أن تكشف له عن معادنهم؟.
الحلُّ يكمُن في الخيار الثالث، فتصديقهم وإن كان يوافق القواعد الشرعية الداعية إلى حَمْلِ قول المؤمن على الصِّدق، وفعله على الصِّحَّة، وحُسِنِ الظَّنِّ به، كي تستقيم العلاقات الاجتماعية، ولكنه يبقى تعاملاً مع ظاهر أمرهم وقد يختلف ظاهرهم عن باطنهم، لكن الاعتماد عليهم والثقة بهم، وإيكال الأمور إليهم من دون أن يختبرهم ويمتحنهم سيكون من التسَرُع المَذموم.
وكذلك الأمر في تكذيبهم فإنه مخالف للأصول المتقدمة الذكر، فالخيار الثالث هو الأولى والأجدى، فلا بد والحال هذه أن ينتظر حتى يمتحنهم ويختبرهم، وعند الامتحان يُكرَم المَرءُ أو يُهان.
وكم من شخص تبَجَّحَ بالكرم والجود فلما أتاه سائل مسكين غَلَّ يدَه إلى عُنُقه، وكم من شخص خطب في الناس يحثهم على العطاء والجود فلما طُلِبَ منه القليل جعل أصابعه في أذنيه واستغشى ثيابه لا يريد أن يسمع ويرى، وكم من صديق أطرب صديقه بمدح الصدق والوفاء والأمانة فلما أتته الفرصة كَذَبَ عليه وغدَر به وخان أمانته.
وكم من صديق وعد صديقه إن رزقه الله سيُكرمه، وإن بَلَّغه الله المَوقع الوظيفي الذي يطمح إليه سيكون في خدمته، فلما وَسَّع الله عليه، وبلَّغه مُناه أنكر صديقه حتى كأنه لم يعرفه.
وما سبق يوجِب على العاقل الحصيف أَلّا ينَبِهر بما يسمع، ولا يَعجَل إلى تصديق ما يُقالُ له حتى يستوثِق من ذلك بالمعايشة اليومية للشخص، ويدخل معه في تجربة عملية كشراكة تجارية، أو زمالة علمية، أو سفر، أو يراقب تصرفاته معه عندما يكون هو في محنة، أو يغرق في أزمة، أو يأتمِنَه على مال، أو سِرٍّ، أو عِرض، أو ينظر إلى فعله حين يختلف معه في أمر من الأمور، فإن وجد منه وفاءً، وصدقاً، وإخلاصاً، وأمانة، وحِفظاً لِسِرِّه وعِرضِه، وإنصافاً لحقه فبها ونِعمت، وإلا يكون قد سقط في الامتحان.
السيد بلال وهبي