شهدت الجمعية العامة تصويتا سابقا في تشرين أول/أكتوبر على مشروع يطالب بـ «هدنة إنسانية فورية دائمة ومستدامة تفضي إلى وقف القتال في غزة» حظي حينها بتأييد 121 صوتا ورفض 14 وامتناع 44 عن التصويت.
يعبّر اصطلاح «وقف فوري لإطلاق النار» في مشروع القرار الأخير عن «وقف جميع أعمال العنف ضد السكان المدنيين»، وهو يتضمن عادة الاتفاق رسميا على إنهاء القتال وتنظيم خطوات سياسية لتهدئة الصراع، أما الهدنة فهي اصطلاح يعبّر عن وقف مؤقت للقتال لفترة متفق عليها.
يعني ذلك أن أغلبية كبرى من دول وشعوب العالم اقتنعت في 12 كانون أول/ديسمبر الجاري بقرار يطمح لوقف كامل للعنف ضد غزة والرغبة في إطلاق تسوية سياسية للقضية الفلسطينية، وأن هذه الأغلبية لم تكن بهذا الحجم في تشرين أول/أكتوبر الماضي، رغم أن مشروع القرار كان يتحدث عن هدنة إنسانية وليس عن وقف لإطلاق النار.
بعد قرابة الشهر من عملية «حماس» في 7 تشرين أول/أكتوبر الماضي قامت قناة «الجزيرة» بتحليل المئات من خطب قادة العالم في الأمم المتحدة فتبيّن أن 55% منها تؤيد وقف إطلاق النار، و23% تؤيد الهدنة، فيما كانت نسبة الدول الممتنعة عن التقرير تعادل 22%، وبالتصويت الأخير ارتفعت نسبة الدول المؤيدة لوقف إطلاق النار إلى 81%، وإذا أضفنا نسبة الدول الممتنعة عن (13,3%) التصويت فسترتفع نسبة الدول المؤيدة للقرار والمحايدة نحوه إلى 94,5%.
كان الرئيس الأمريكي جو بايدن، منذ بدء الحرب على غزة، من أشد المؤيدين لإسرائيل، والمرددين لمزاعمها مثل القول إنه رأى صورا لمقاتلي «حماس» يقتلون أطفالا إسرائيليين (وهو ما نفاه مسؤولون أمريكيون لاحقا بالقول إنه استند لمزاعم مسؤولين إسرائيليين!)، ويدخل في سياق ذلك ترديد إدارته ادعاءات تل أبيب بأنها «تراعي حماية المدنيين» الخ.
كان مفاجئا أن بايدن نفسه خرج بتصريح يبدو مناقضا لمجمل سياقه الآنف. جرى ذلك ضمن احتفال «البيت الأبيض» بعيد حانوكاه اليهودي، وضمن جمهور غالبيته من اليهود، قال فيه إن إسرائيل «بدأت تفقد دعم المجتمع الدولي بقصفها العشوائي لغزة». تقرّ الجملة الأولى، عمليا، بواقع الحال الذي شهدناه في تصويت الأمم المتحدة، أما الثانية ففيها اعتراف واضح بما يمكن اعتباره، ضمن شرع القوانين الدولية والإنسانية، ارتكاب إسرائيل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
إضافة إلى إسرائيل وأمريكا، كانت الدولتان الأوروبيتان الوحيدتان اللتان رفضتا القرار هما تشيكيا والنمسا، وفي المقابل عبّر بيان صدر أول أمس الثلاثاء، لرؤساء وزراء كندا وأستراليا ونيوزيلندا، عن دعم الجهود الدولية العاجلة لتحقيق وقف إطلاق نار في غزة، وأعلن أنه «لا يمكن أن تكون المعاناة المستمرة لجميع المدنيين الفلسطينيين هي ثمن هزيمة حماس».
إذا أخذنا ابتعاد أغلب الدول الأوروبية عن رفض القرار إلى البيان الثلاثي الآنف سنجد في ذلك تعبيرا عن تصدّع غربيّ كبير في دعم إسرائيل، أو في تقبّل روايتها للأحداث، بالتزامن مع تكشّف خطط حكومتها العنصريّة ضد مجمل الشعب الفلسطيني، الذي يتّجه نحو تهجير لسكان غزة، وإعادة احتلال للقطاع، والاستهداف المنهجي ضد الوجود الفلسطيني في الضفة الغربية، وكذلك تبين التداعيات الكبرى للعدوانية الإسرائيلية على منطقة الشرق الأوسط بأكملها، مع تحريك سفينة حربية إسرائيلية نحو البحر الأحمر، والمعارك المتواصلة مع «حزب الله» في لبنان.
المصدر : القدس العربي