في الوضع الحالي، يبدو أن كل شيء "يسير حسب الخطة" بالنسبة للكيان الإسرائيلي؛ ومن خلال محو غزة من الخريطة، يستطيع الكيان مصادرة مليارات الدولارات من احتياطيات الغاز البحرية.
وفي هذا الصدد، كتبت الصحفية المستقلة "فيليسيتي أربوثنوت"(Felicity Arbuthnot) قبل 10 سنوات: "إذا سارت الأمور حسب الخطة، ستصبح إسرائيل مصدراً رئيسياً للغاز، وربما النفط".
في الوضع الحالي، يبدو أن كل شيء "يسير حسب الخطة" بالنسبة للكيان الإسرائيلي؛ ومن خلال تجاوز فلسطين ومحو غزة من الخريطة، ستتمكن "إسرائيل" من مصادرة جميع احتياطيات الغاز البحرية في غزة، والتي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات.
إن المعركة التي بدأت في السابع من تشرين الأول/أكتوبر في فلسطين المحتلة، وأدت إلي هجمات وحشية ضد السكان الذين يعيشون في غزة، هي تذكير بتوقعات هذه الصحفية الاستشرافية، والتي تظهر أن الهدف النهائي للصهاينة ليس مجرد طرد الفلسطينيين من أراضيهم، بل مصادرة احتياطيات غزة من الغاز الطبيعي التي تقدر بمليارات الدولارات، أي الاحتياطيات الاستكشافية لمجموعة بي جي (شركة بريطانية متعددة الجنسيات للنفط والغاز) عام 1999، وكذلك حوض بلاد الشام (Levant) في شرق البحر الأبيض المتوسط، والذي تم اكتشافه عام 2013.
الجمع بين مقال أربوثنوت لعام 2013 ووثائق جهاز المخابرات السرية الإسرائيلية، يمكن أن يؤكد الاستهداف المقترح، فحسب وثيقة رسمية سرية من وزارة الاستخبارات الإسرائيلية، تم تسريبها في 13 تشرين الأول/أكتوبر وتحمل شعار هذه الوزارة، فإن "النقل القسري والدائم لـ 2 مليون و200 ألف فلسطيني يعيشون في قطاع غزة إلى شبه جزيرة سيناء المصرية، أي "مخيم اللاجئين في مصر"، هو موضوع تفاوضت عليه "إسرائيل" والولايات المتحدة.
في هذه الوثيقة المكونة من 10 صفحات، تم اقتراح ثلاثة خيارات فيما يتعلق بمستقبل الفلسطينيين في قطاع غزة، والخيار المفضل هو "النقل الكامل للسكان"، وقد أكدت وزارة الاستخبارات الإسرائيلية صحة هذه الوثيقة.
في هذه الوثيقة، هناك ثلاثة خيارات لتحديد مصير سكان غزة: "البقاء في غزة والخضوع للسلطة الفلسطينية"، و"البقاء في غزة وتشكيل حكومة عربية محلية جديدة"، و"إجلاء السكان المدنيين من غزة إلى سيناء".
ثم طرحت هذه الوثيقة الخيار الثالث، وهو "إخلاء سكان غزة المدنيين إلى سيناء"، وهو خيار إيجابي واستراتيجي، كما ورد في هذه الوثيقة أن الخيارين الأول والثاني لا يمكن أن يكونا خياراً مناسباً بسبب العواقب الاستراتيجية، وعدم التوصل إلى نتيجة مرغوبة على المدى الطويل.
دعونا نعود إلى تحليل أربوثنوت لعام 2013، حيث تم اكتشاف حقل غاز ليفياثان الضخم في شرق البحر الأبيض المتوسط في ديسمبر/كانون الأول 2010، ووصفته الحكومات ووسائل الإعلام على نطاق واسع بأنه حقل الغاز الإسرائيلي.
وبالطبع، يجب التمييز بين هذه الاحتياطيات، والاحتياطيات التي اكتشفتها مجموعة GB في غزة عام 1999 وهي تابعة لفلسطين. ومع ذلك، تعتقد أربوثنوت أن "جزءًا من حقل غاز ليفياثان يقع في المياه الإقليمية لغزة".
وتري أربوثنوت أنه في حين تدعي "إسرائيل" أن هذا الكنز ملك لها، فإن الكثير من هذه الثروة المخبأة في البحر مملوكة لشعب غزة، كما أن الاكتشافات ليست كثيرةً في الجزء الإسرائيلي، لكن الاكتشافات الأكبر كانت في الجزء الفلسطيني من غزة والضفة الغربية والمناطق الواقعة بينهما.
إن إعلان نتنياهو الحرب في أكتوبر من هذا العام ضد 2.3 مليون شخص يعيشون في قطاع غزة، هو استمرار لغزو 2008-2009 تحت اسم "عملية الرصاص المصهور"، وهدفها الرئيسي هو احتلال القوات الإسرائيلية غزة وطرد الفلسطينيين من أراضيهم. ولا يمكن أن نتجاهل أيضاً المصالح الاقتصادية الكبرى التي تدر للكيان الإسرائيلي جراء العدوان وعمليات الإبادة الجماعية في قطاع غزة.
مفاوضات سرية بين مصر والكيان الإسرائيلي
في 2021-2022 جرت مفاوضات ثنائية سرية بين مصر والكيان الإسرائيلي بشأن استخراج الغاز من شواطئ قطاع غزة.
وبعد أشهر من المفاوضات، تمكنت مصر من إقناع "إسرائيل" باستخراج الغاز في هذه المنطقة، وذلك على الرغم من أن الكيان كان ضد هذا الإجراء لسنوات عديدة لأسباب أمنية.
كما جلست مجموعة GB على طاولة المفاوضات مع حكومة تل أبيب في هذا الصدد، واللافت هنا أنه تم تجاوز أهل غزة الذين لهم حق التنقيب وتطوير حقول الغاز.
يقع الحقل المذكور على بعد حوالي 30 كيلومتراً إلى الغرب من ساحل غزة، وتم اكتشافه عام 2000 من قبل مجموعة GB، ويقدر احتياطي الغاز في هذا الحقل بأكثر من تريليون قدم مكعب.
وقبل عام من الحرب الحالية، في تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي، قال مسؤول في المخابرات المصرية لـ "المونيتور"، إن وفداً اقتصادياً وأمنياً مصرياً يناقش مع الجانب الإسرائيلي السماح باستخراج الغاز على ساحل غزة منذ عدة أشهر.
وهذه المسألة مندرجة أيضاً في مذكرة التفاهم الموقعة بين مصر والكيان الإسرائيلي، ويظهر عليها ختم السلطة الفلسطينية، ومن أجل ضمان أمنها، تحتاج "إسرائيل" إلى بدء عمليات التعدين في عام 2024، والجدول الذي تم النظر فيه بعد المفاوضات، يمكن تفسيره على أن مصادرة احتياطيات الغاز الفلسطيني تتم مع بدء عام 2024.
وجهة نظر الأمم المتحدة
جاء في تقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) لعام 2019، عن الوضع الذي تعيشه فلسطين.. أكد علماء الجيولوجيا وخبراء اقتصاديات الموارد الطبيعية، أن الأراضي الفلسطينية المحتلة تملك احتياطيات كبيرة من النفط والغاز الطبيعي والتي تقع في الضفة الغربية وسواحل البحر الأبيض المتوسط المتآخمة لغزة، إلا أن الاحتلال يشكل عائقاً أمام تطوير حقوق الطاقة الفلسطينية واستغلال هذه الأصول، كما أن الشعب الفلسطيني محروم من عوائد هذه الموارد الطبيعية لتمويل التنمية الاجتماعية والاقتصادية وإمدادات الطاقة.
ويضيف التقرير: وتشير التقديرات إلى أن الخسارة التراكمية لهذا الأمر، ستصل إلى مليارات الدولارات، وكلما طال أمد منع "إسرائيل" لفلسطين من استغلال هذه الموارد، زادت تكلفة الفرصة البديلة والتكلفة الإجمالية لاحتلال فلسطين من قبل "إسرائيل"، لقد حددت هذه الدراسة الاحتياطيات المحتملة من النفط والغاز في فلسطين والتي يمكن استغلالها لمصلحة شعب هذا البلد، لكن "إسرائيل" منعت هذا الاستغلال، أو قدرت أنها تستغلها دون مراعاة القوانين الدولية.
اعتراف منظمة السلطة الفلسطينية بالاتفاق مع مصر والكيان الإسرائيلي
وفي هذا الشأن، يمكن الرجوع إلى تقرير قبل شهر لموقع "عرب نيوز" السعودي من رام الله مقر السلطة الفلسطينية، والذي كتب في هذا السياق: تستعدّ فلسطين للتوصل إلى اتفاق نهائي مع شركة مصرية لاستكشاف واستخراج الغاز من حقل غاز على ساحل قطاع غزة.
ونقل هذا الموقع عن محمد اشتية، رئيس وزراء السلطة الفلسطينية، قوله: سيتم تشكيل فريق بحضور عدد من الوزراء في الحكومة لمتابعة قضية الغاز الفلسطيني، ويجري "محمد مصطفى" رئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمار الفلسطيني، برفقة وفد، مفاوضات مع مصر للتوصل إلى اتفاق الغاز.
وحسب عضو بارز في منظمة السلطة الفلسطينية، فإن مجلس وزراء هذه المنظمة مستعد لإصدار التصاريح اللازمة لتسهيل اتفاقية الغاز مع مصر، كما قيّم المفاوضات بين الشركات الفلسطينية والشركة المصرية لاستخراج الغاز على ساحل غزة، بأنها تسير على قدم وساق.
وعلي الرغم من أن هذا المسؤول في السلطة الفلسطينية، لم يعلن أن الكيان الصهيوني هو طرف في المفاوضات، وقال إنه حسب قرار السلطة الفلسطينية عام 2018، فإن حصة الشركات الفلسطينية في عوائد استخراج الغاز ستكون 55%، والشركات الأخرى 45%، لكن الكيان الصهيوني أعلن مراراً وتكراراً أنه من دون إذنه، لن تتمكن شركات الحفر واستخراج الغاز من العمل على شاطئ غزة.
المواجهة بين الكيان الصهيوني وروسيا؛ أوروبا تبحث عن الغاز في الأراضي المحتلة
كشف موقع إخباري أمريكي، منذ وقت ليس ببعيد، عن تفاصيل اتفاق سري تعاونت بموجبه السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس مع مصر والكيان الإسرائيلي، لاستخراج وسرقة الغاز الساحلي من قطاع غزة.
وحسب موقع "المونيتور" الإخباري، قال مسؤول في جهاز المخابرات المصرية، إن القاهرة تمكنت من إقناع الكيان الإسرائيلي بالبدء في استخراج الغاز الطبيعي من شواطئ قطاع غزة، في محادثات ثنائية سرية قبل بضعة أشهر.
ووفقاً لهذا الموقع، فإنه بينما تبحث الدول الأوروبية عن بديل للغاز الروسي قبل حلول فصل الشتاء، فإن هذا الإجراء يتم بالتزامن مع ارتفاع أسعار الطاقة العالمية بسبب الأزمة الأوكرانية.
من جهة أخرى، قال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"المونيتور": أبلغت مصر السلطة الفلسطينية موافقة الكيان الإسرائيلي على بدء استخراج الغاز من سواحل غزة.
ووفقاً له، فإن هذا الإجراء يأتي بعد أن مارست الدول الأوروبية ضغوطاً سياسيةً على "إسرائيل"، لتلبية احتياجاتها من الطاقة كبديل للغاز الروسي.
وقال هذا المسؤول في منظمة التحرير الفلسطينية إنه بموجب هذا الاتفاق، ستقوم مصر والكيان الإسرائيلي بمراقبة عملية الاستخراج، وسيتم تصدير جزء من الغاز إلى مصر، وسيقوم الكيان الإسرائيلي بتصدير معظمه إلى أوروبا عبر اليونان وقبرص.
المصدر: الوقت